المصدر: مصدر المقال
من الأهمية بمكان أن نستطلع رأى شيخنا الجليل الأستاذ الدكتور الطاهر أحمد مكي فى العمل التراثى وما يعتريه من أزمات .. ونرى شيخنا حريصًا أشد الحرص على التوثيق بالمستندات لحفظ هذا التراث الرائع لأنه عقل الإنسانية ومرجعها الأبدى فيقول بلسانه فى مقال عن أزمة العمل التراثى /الملامح والأبعاد والمسئولية .. ولعلى هنا أستدعى ماقاله شيخنا ( بحذافيره ) لأنها مسئولية تاريخيه تستوجب الأمانة فى النقل والتعريف بها : ” يضم التراث القومي العربي عنصرين أساسيين متكاملين لا يغني أحدهما عن الآخر: التراث المادي ممثلاً في المساجد والقلاع والحصون والمدارس والمشافي والأسبلة، وغيرها من المقتنيات الفنية ويبقى شاهدًا ملموسًا على منجزات الحضارة العربية، وما أسهمت به في مختلف العصور الإسلامية في تقدم الحضارة الإنسانية. ويتمثل العنصر الثاني في التراث الثقافي الذي أبدعه أسلافنا ، درسًا أو تأليفًا ، في مجالات الفكر والعلم والأدب ، وتحمله آلاف المخطوطات العربية القابعة في المكتبات، على امتداد العالم ؛ طبعت أو لمَّا تزل مخطوطة، في مكتبات عامة، معروفة ومفهرسة، أو في مكتبات خاصة، نعرف الكثير منها، ولكننا نجهل الكثير أيضا.وهذا التراث المادي، وربما كانت حاجته إلى هذه أكثر، لأنه أكثر تعرضَا للتلف والهلاك والضياع “… “في التراث العربي المكتوب تتجلى حضارتنا واضحة، هذه التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، كانت في البدء حضارات شتى، ثم انصهرت جميعها، عبر القرون، في الحضارة الإسلامية، التي جمعت شمل هذه الأمة وجنبتها الفرقة والضياع”….”وفي هذا التراث تلتقي القضية المثارة الآن: الأصالة والمعاصرة بشقَّيها.فالوجه الأول: وهو الأصالة، يتمثل جليًا واضحًا في تراثنا المكتوب، ونملك منه قدرًا هائلاً استقر في عشرات الآلاف من المخطوطات، موزعة في حواضر المدن الإسلامية كلها، لا نستثنى منها مدينة كبيرة، رغم ما اندثر من هذه المخطوطات نتيجة الفتن والاضطرابات والحروب، خلال الغزوين المغولي والصليبي، وما أحدثاه من تدمير في مكتبات العراق والشام، وما سببته الفتن خلال عصر الطوائف في الأندلس، أو ما أحرقه الإسبان غداة انتصارهم النهائي في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي إلى جانب ما سُرق أو نهب من أعداد ضخمة، وانتهى به المطاف في المكتبات والمتاحف الأوربية بخاصة”…”وأما المعاصرة، وهي الوجه الثاني، فتتمثل في أننا يجب أن نصل إلى هذا التراث الضخم بكل ما استجد في عصرنا الحديث من أجهزة ومناهج، تصويرًا وبحثًا وتحقيقًا ونشرًا، حتى نزيل عنها غبار النسيان، ونردها إلى صورتها الأصيلة، ونجعل منها موضعًا للدراسة الجادة، فتصبح جسرًا إلى الحاضر، وتربط بين ماض مجيد، ومستقبل نأمل أن يكون زاهرًا، وتصبح سجلاً للتطور الفكري والثقافي وحصاد مئات السنين من المعرفة الجادة المتعمقة، وأن نبعث الحياة في القوة الكامنة فيها، لتكون لنا مرشدًا وهاديًا”… “أول ما يجب أن يسترعى اهتمامنا في المخطوطات التي نملكها، عامة وخاصة، أنها في حاجة قصوى إلى مزيد من الصيانة والحفظ السليم، وأن يرمم علميًا ما وهَن منها، لأن المخطوطات حساسة بطبيعتها، ويؤثر عليها مرور الأيام تأثيرَا سيئَا فيعرضها للتلف، ولعوامل ضارة متعددة، تعمل منفردة أو مجتمعة، وتربط بالتفاعلات التي تحدث بين مادة المخطوطات والبيئة المحيطة بها، ويبدو ذلك واضحَا حين تكون ظروف تخزينها أو عرضها غير ملائمة لطبيعتها، كعدم توفر درجة الحرارة الصالحة للحفظ، وعدم التحكم في الرطوبة والإضاءة غير المناسبة، وعدم تجديد الهواء، وتحليل الغازات، وكلها تترك أثرها في مادة المخطوط نفسه فتظهر فيه البقع، وتتحلل الأحبار”…” وقد يتعرض المخطوط لعوامل حيوية شديدة الخطر، تنجم عن تأثير الجراثيم والفطريات والحشرات.وكل هذه العوامل أوجد لها العلم الحديث علاجًا، ووسائل مقاومة، علينا أن نتابعها في مصادرها، وأن نأخذ بها”…” وهناك عوامل وليدة الإهمال والتقصير في التناول والعرض، والتعامل مع المخطوطات، يمكن القضاء عليها أو التخفيف منها، بتنمية الوعي بأهمية المخطوط وضرورة المحافظة عليه”.
وبرغم رحلة شيخنا الجليل الطويلة فى عالم الأدب والأدباء ، وما أنتجته قريحته مما نعده من أمَّهات الكتب التى حققت الثراء فى المكتبة العربية ؛ فإنه لم يسع لحصد الجوائز أو يتهافت للحصول عليها كما يفعل أرباع وأنصاف مدّعى الإبداع ، بل انه كان دائمًا على يقين أن الجوائز ستشق طريقها اليه رغم أيه عقبات أو عراقيل يضعها بعض الحاقدين فى طريقه، ولكن وبرغم كل المعوقات التى اعترضت سبيله سعت اليه جائزة الدولة التقديرية فى العام 1992 وجائزة التميز فى العام 2009 ، وكان رأيه دائمًا أن جوائز الشعر العربية قد انحرفت عن غايتها وتكالب علي الإشراف على لجانها المغرضون والفاشلون الذين أفسدوا الجوائز ففقدت رونقها وجمالها وقيمتها، ولكنه يشير إلى بعض الجوائز كجائزة ( اليماني) التى لاتزال تحتفظ بقيمتها الأدبية لجدية القائمين عليها واختيار محكِّميها بشكلٍ يليق بمن يرشح لنيلها .. ومعظم الجوائز تفشل وتفقد قيمتها وجمالها لأن من يقوم بدور ( المحكِّم ) أقل ثقافة من ( المحكـَّـم له ) ، فكيف يحكم على القصيدة من لايُحسن قراءتها وكيف يُبدى رأيه فى ديوان ولم يدرس علم العروض العربى؟ ورحل شيخ العلماء حاصدًا أعظم جائزة على الإطلاق وهي التقدير والاحترام والإجلال والمحبة في قلوب كل من عرفوه عن كثب أو عن طريق الدراسة والاستعانة بكتبه المائزة فقد زكَّى بعلمه ..ومضى!
أستاذ العلوم اللغوية ـ أكاديمية الفنون