الأربعاء، 17 أبريل 2013

د. الطاهر مكى: الذين صنعوا الثورة ضاعوا فى الزحام.


كتب: ماجده فهمى
الدكتور الطاهر مكى أستاذ الأدب بكلية دار العلوم جامعة القاهرة عاشق الأدب الأندلسى, باع طويل فى النقد الأدبى وباحث  له 12 كتابا مترجما عن الفرنسية والأإسبانية, نال وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1991,  وله العديد من الأبحاث العلمية المنشورة بالمجلات المتخصصة مصر وخارجها فى مجال الدراسات الأدبية. مر بالعديد من التجارب وله آراؤه فى تحولات المثقفين وقضايا الوطن..
قلت أن النقاد لعبوا دورا كبيرا فى تمييع الحياة الأدبية فماذا كنت تقصد؟
أقصد أن الحياة الأدبية كانت تحكمها مجموعة من الشلل فى العهد السابق كما جعل من وسائل الثقافة صديقة لرشوة  المثقفين الكبار لكى يحولوا الثقافة من وسيلة تنبيه وإيقاظ الروح إلى تسلية, والتسلية سم الثقافة وكان الإنسان إما أن يمدح من يريدون أو يصمت, ولم تكن المجلات والصحف مفتوحة لكل كاتب جيد أو ناقد محترم,  وإنما كانت مفتوحة وتدفع بسخاء لمن يكتب كلاما لا معنى له إطلاقا, ولذلك على امتداد ثلاثين عاما لا تجدين بين هؤلاء النقاد الكبار والكتاب العظام من كتب حرفا واحدا ينتقد فيه قوانين الطوارئ حتى آخر لحظة.. كان مجلس الشعب وكانت الصحف والمجلات والإعلام صامتة عن هذه السُبة, رغم أن الحكومة كانت تقول كل مرة إنها تمدها مؤقتا, ولكن هذا التوقيت  المؤقت استمر عشر سنوات فى المرة الأخيرة.
وبعض هؤلاء كانوا يحرمون العاملين معهم فى الصحف من الرواتب المناسبة والمكافآت, فى الوقت الذى يقدمون فيه الهدايا بالملايين لأصحاب النفوذ, وكما تعلمين فإن هؤلاء ردوا تحت ضغط الرأى العام هدايا الأهرام والأخبار والجمهورية  أخيرا, لكن أيضا هناك الذين قبضوا الآلاف لكى يصمتوا من غير هؤلاء السياسيين والكبار لم يسألهم أحد, بعضهم جاء حافيا من قريته وهو يمتلك الآن العقارات والملايين ولا أحد يسأله من أين لك هذا. والغريب أنهم لا يزالون يرفعون أصواتهم بالمعارضة  ويرفعون راية الشرف والوطنية ويقفون منا موقف المعلم, وأنا أتمنى أن تقوم الحكومة الآن بكشف الرواتب والمكافآت التى كات يتقاضاها  هؤلاء الناس, وما زال بعضهم يتلقاها, بعضهم الآن يشغل أكثر من وظيفة بحجة أنهم مستشارون ويتلقون عن هذه وحدها مكافآت قدرها خمسة وعشرون ألف جنيه فى الشهر, فالحكومة مطالبة بأن توضح للرأى  العام هذه الأشياء, والنتيجة الحتمية لكلك هؤلاء أن العدد القليل  من النقاد الشرفاء ترك الساحة وابتعد وخلا الجو لهؤلاء, وأدى ذلك بداهة إلى تدهور الثقافة وتراجع  الإبداع, رغم الدعاوى العريضة لأننا فى مقدمة الدول العربية  فى مجال الشعر والقصة والرواية  والتأليف, وليس ذلك صحيحا على الإطلاق.
لماذا نجح الأقدمون فى صناعة مجالات ثقافية ناجحة ولم ينجح اللاحقون رغم أن إمكانياتهم أفضل؟
أولا: يجب أن نبحث ماذا كان يقرأ الشعب المصرى فى الثلاثينات والأربعينيات والخمسينيات, ما الذى كان يقرأه التلاميذ فى المدارس,  وماذا يقرأون الآن, ماذا كانوا يحفظون من شعر وماذا يحفظون الآن, كانت وزارة المعارف تصرف لتلاميذ المدارس الابتدائية مجموعة من قصائد شوقى أمير الشعراء مكتوبا عليها (الشوقيات للمدارس الثانوية), أما الآن فنجد إنسانا يتشدق بأنه شاعر ولا يحفظ بيتا من الشعر لشاعر كبير, ولا يستطيع أن يقرأ قصيدة قراءة صحيحة, ربما سمع بشوقى أو بحافظ إبراهيم ولكن لا يعرف أن هناك شعراء آخرين عظاما كالبارودى وعلى الجارم, ومحمد عبدالمطلب وآخرين كثيرين, كانوا ملأون ساحة الشعر قبل قيام ثورة 23 يوليو.
ولذلك نفتقد الآن شاعرا واحدا سجل لنا ثورة 25 يناير أوما تلاها من أحداث أو يقول لنا ما قاله شوقى عن الخلافات السياسية:
 إلاما الخلف بينكم إلاما.. علاما الضجة الكبرى علاما
 وفيما يكيد بعضكم لبعض وتبدون  العداوة والخصاما.
 ويغنيها عبدالوهاب.
ويضيف الطاهر مكى أن هناك قلة قليلة تؤدى دورها والحق يقال إن فاروق جويدة حاول أن يكون مخلصا وصادقا فى إبداعه, وهو يصور الأزمات  السياسية التى مررنا بها دون أن ينافق أو يكذب على مواطنيه أو يكذب على نفسه.
هل أنت مع الرأى القائل إن الناقد متطفل على الأديب ؟
ليس صحيحا وإنما الصحيح أن الأديب العظيم يخلق ناقدا عظيما وأن الأدب المهلهل المتخلف يوجد نقدا مهلهلا متخلفا.
ماذا تبقى من طه حسين, العقاد, توفيق الحكيم, يوسف السباعى, إحسان عبدالقدوس, يوسف إدريس؟
هم ليسوا سواء.. بعضهم لأسباب سياسية نال من الشهرة أكثر مما يستحق فلن يبقى له من الذكر مع الزمن إلا القليل وسوف ينسى مثل يوسف السباعى, بعضهم أيضا لم يكن يعنى بلغة ما يكتب مثل يوسف إداريس والذى يبقى الأدب خالدا هو اللغة العظيمة ولذلك لن يبقى من روايات  وقصص يوسف إدريس شىء كثير, أما المسرح فهو بطبيعته  آنى لأنه يقدم مشاكل الأمة الاجتماعية  الحاضرة وهى تتغير ليست هناك مشكلة تدوم أكثر من نصف قرن من الزمان, ولذلك ما كان عظيما فى مسرح العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات  لا يذكره أحد اليوم, فقد حلت مكانه المسلسلات, إحسان عبدالقدوس سوف يبقى أدبه طويلا, طه حسين مشكلة, أولا بعض القضايا الأدبية التى عرض لها تجاوزها الزمن, ولم تعد تقرأ ولا تعنى أحدا ولولا أن بعض كتبه تقررها خطأ وزارة التربية والتعليم على المدارس ولولا أن  هناك بعض المنتفعين بالحديث عنهه من حين إلى آخر لنسيه الناس, من من المصريين الآن يقرأ أو يعرف أن لطه حسين كتبا تحمل اسم " صوت باريس", "لحظات" , "قادة الفكر اليونانى", "صوت أبى العلاء", و"الفتنة الكبرى", " على هامش السيرة", كل هذا كلام انتهى أمره, يبقى العقاد الذى كان أذكى هؤلاء جميعا لأنه تناول قضايا فكرية قومية لا تتغير بتغير الأحوال, رغم أنه يجد إهمالا مقصودا من وزارة الثقافة, ربما لأنه منحاز إلى الفكر الإسلامى  المستنير, فلا نشر له أى كتاب مرة أخرى فى الوقت الذى تملأ الأرصفة بكتب غثة لا يقرأها أحد.
زواج المثقف بالسلطة.. كيف ترى هذا الامر؟
المثقف الحقيقى يتخذ من السلطة موقفا معارضا لا لذات المعارضة, وإنما لأن المثقف الحقيقى يفكر دائما فى الأفضل والأحسن ويطمح فيما هو أجمل من الواقع بكثير والسلطة دائما ملتصقة بالواقع, فلا يكون بينهما وئام أبدا, لا عندنا ولا عند غيرنا, أما المثقف المتفهم مع السلطة والذى يسير وراءها ويبرر أعمالها, ويقول ليس فى الإمكان أبدع مما كان,  فهو ليس مثقفا وإنما هو " تاجر كلام" بصناعته الدجل والكذب والنفاق.
ألا تعتبر قصيدة النثر تطورا طبيعيا للشعر الحر الذى كان تطورا للشعر العمودى؟
القواعد ليس فيها تطور فالشعر العمودى له موسيقى وله قواعد استقرت على امتداد ألف ونصف الألف من الأعوام . والتطوير  والتجديد يكون فى نطاق هذه القواعد, وفى كل أنواع الفنون فالذين يصنعون التطور هم العباقرة وليسوا الناس العاديين, والعباقرة يأتون على قلة, وألف باء التجديد أن تحسن  القديم وتبلغ فيه القمة , لكن الذى حدث أن أدعياء التجديد لا يملك الواحد منهم القدرة على أن يقرأ بيتا منالشعر القديم قراءة صحيحة, فضلا عن أن يبدع بيت شعرا من الأصل , فكيف يجدد ثم هناك خلط فى الأوراق, نحن لسنا ضد التجديد  دائما وإنما ضد ميوعة المصطلحات, فإذا أحدثنا شيئا جديدا, علينا أن نوجد له اسما يميزه, وكذلك صنع علماؤنا فى الماضى, عندما ضاق الأندلسيون بالشعر القديم, ووجدوا أنه لا يلبى حاجات الموسيقى عندهم, ابتدعوا ما نسميه مؤقتا شعرا جديدا متعدد القوافى, وإن جاء فى العروض العربى, أسموه "موشحات", وعندنا عجزت الموشحات عن أن تصل إلى المستمع العادى الذى لا يستوعب اللغة الفصحى . كتبوها باللغة العامية وسموها "الأزجال", فنحن لدينا شعر وموشحات وزجل وكل نوع من هذه الأنواع له قواعده ومتطلباته ومجاله , أما أن نسمى الزجل شعرا أو نسمى الموشحة شعرا, فهذا "خلط" كما لو أطلقنا على الطائرة اسم السيارة الهوائية, أو اسمينا السيارة الطائرة الأرضية, هذه هى المشكلة لكن كل إنسان حر فى أن يعبر بالطريقة التى يستطيعها وهو متمكن منها, و على النقاد الذين يؤمنون بهذا أن يحددوا  لهذا المولود الجديد اسما, وأن يضعوا له قواعد نحتكم إليها, عند تقييمهم, ونلاحظ أن الشعر الحر ولد واحتضر, وهو يموت الآن دون أن يضع  له أحد قواعد نحتكم إليها فى تقييم أدعيائه ولا كتابا واحدا, أما قصيدة النثر فهى فزورة لأن لفظ قصيدة ضد لفظ نثر, ولا نستطيع أن نقول عن شىء إنه أبيض أسود, أو حلو مر, إلا على طريق المجاز, والمجاز لا يصلح للتسمية إلا من قبيل السخرية, فهذا كله كلام إلى زوال, ويضيف د. الطاهر مكى: ليتقدم شاعر عملاق عظيم يقدم النموذج والمثل و"يفرجنى" على أنغامه وأشعاره على الساحة, على نحو ما فعل البارودى قبل قرن ونصف القرن من الزمان, أو فعل أمير الشعراء شوقى بعده وبقية الشعراء العظام, أما التمسك بالخرافات والادعاءات لن يعيد مصر إلى مكانتها السابقة.
ماذا تقصد بعصر الإمعات؟
عصر الإمعات هو العصر الذى يقابل عصر العمالقة , فنعنى بالإمعات, الأقزام الذين لا دور لهم ولامكانة وإنما يفتعلون أشياء وقضايا  يشغلون بها الناس . لكن لحسن الحظ لم يعد أحد يهتم بهم.
من هو الروائى الذى يعبر عن الواقع الآن؟
سوف نحتاج إلى بعض الوقت ليتمثل الروائيون الكبار ما يجرى حولنا لأننا الآن فى  مرحلة ما  عادت حاسمة , نحن فى منتصف الطريق ولذلك أنا حاولت جاهدا أن أبحث عن قصيدة جيدة تعبر عن الواقع الآن فلم أجد, لكننا ننتظر إذا تحسنت الأمور وعدنا إلى الجدية , فقد يولد الأديب الذى يتمثل ما كان قبل الثورة. ويعيش ما يحدث الآن وما سوف تبدعه الثورة فيما بعد  ويكتب لنا كلاما خالدا.
من هو  الشاعر الذى تراه معبرا عن الشعر العربى اليوم؟
الآن لا أعرف شاعرا , ولكنى معجب بما ينشره الأستاذ فاروق جويدة فى "الأهرام" سواء كان وليد اللحظة أو من مختاراته السابقة, أراه شاعرا يعبر  عن هذه الفترة.
قيل كثيرا بعد الثورة إن شعراء وروائيون مهدوا للثورة بكتاباتهم .. فهل هذا صحيح؟
لا .. ولكن الذى مهد للثورة هو " النت" الشبكة العنكبوتية أما الروائيون والمثقفون والشعراء طوال عصر مبارك فكانوا حملة قماقم  للسلطان, ويستحقون المحاكمة, لأن جميعهم ارتشوا وزوروا, وكذبوا ونافقوا, ومدحوا مبارك فى قصائدهم.. قلة منهم صمتت لكنها لم تعارض طوال عصر مبارك.
كان عندنا فؤاد حداد وبيرم التونسى وصلاح جاهين, والدكتور سعيد عبده الذى كان طبيبا وزجالا عظيما, فماذا لدينا الآن بعد هؤلاء؟
لا أحد فى الساحة الآن يرتقى إلى مستوى هؤلاء فى فنه.
دكتوراه من إسبانيا وسبع سنوات إقامة متصلة.. هل رأيت أن أسبانيا استطاعت  محو كل أثر لحضارة الأندلس؟
إسبانيا فى تأثرها بالأندلس ليست بمستوى واحد, فقد أقام المسلمون فى الجنوب قرونا أطول من الشمال, فتركوا آثارا معنوية لا تزال باقية فى أخلاق الناس وعاداتهم وكلامهم, لكن الآثار المادية لم يبق منها إلا القليل, جامع قرطبة ومنارة جامع  أشبيلية . ثم قصور الحمراء فى غرناطة.
كيف ترى المشهد الثقافى فى مصر بعد  عامين من  الثورة؟
المشهد الثقافى عندنا الآن ملىء بالادعاءات, لأن الثقافة ثمرة عمل, والأعمال التى تنبض بالثقافة ليست متوافرة, التعليم متخلف, الحركة النقدية منعدمة العملة الرديئة طردت من السوق العملة الجيدة, فلا يوجد إلا أدعياء لا يملكون الموهبة ولا القدرة على الإبداع , فلابد أن نعترف أن وسائل الإعلام ووزارة الثقافة تلعب دورا كبيرا فى تدمير قوة مصر الناعمة, لا أعرف بلدا فى العالم يشجع على الأدب الأدبى إلا فى مصر, نحن فى مصر نعطى جوائز لأدب اللغة العامية, ومهما يقال عن أدبها فهو أدنى من الأدب الفصيح, لا يصح أن نشجع عليه بأى حال من الأحوال, أما أجهزة الإعلام (الإذاعة والتليفزيون) فقد بدأت تستخدم فى التعريف ببرامجها إما كلمات عامية أو أجنبية, أتمنى التقليل من هذه المهزلة, أما الإعلانات فى الشوارع, وأسماء الأمكنة فيخيل لمن يتابعها أن القاهرة ليست بلدا عربيا فضلا عن أنها أم العالم العربى.
هل انعكست آثار الثورة بعد على المشهد الآن؟
الذين صنعوا الثورة ضاعوا فى الزحام والذين يسيطرون على أمكنتها الآن هم فلول النظام السابق والمأجورون , ومن يقفزون ليفسدوا ويدمروا كل شىء جميل فى هذا البلد , أما الثوار الحقيقيون, فلم يعد لهم حول ولا طول.
ماذا تقول لمصر؟
تمنياتى أن من يحبون هذا البلد ويخلصون له يطالبون بإخلاء الشوارع فورا من البطلجية واللصوص ويستنكرون كل أعمالهم, ويقفون إلى جانب الدولة للنهوض بهذه الأمة ولا يكتمون آراءهم ولا يقفون فى منتصف الطريق . لأن مصر الدولة ستنتصر فى النهاية رغم كل المعوقات.

الخميس، 4 أبريل 2013

عميد دراسات الأدب الأندلسي د. الطاهر مكي: خصوم الثورة أغنياء.

المصدر: الأهرام اليومى
بقلم: محمود القيعي.

إذا كان لكل إنسان نصيب من اسمه، فالدكتور الطاهر أحمد مكي له من اسمه أوفى نصيب. يعرف ذلك كل من عرفه أو اقترب منه أو حاوره. 
له كلمة أثيرة تجرى على لسانه دائما وهي يا ولدي يقولها بلسانه بصدق، فتستقر في أعماق قلبك بسهولة. 
د. الطاهر مكي (مواليد 1924) مثقف وأستاذ أكاديمي ومترجم وناقد وأديب، وله شغف بالسياسة عاش سنوات في اسبانيا ادرك خلالها أهم السمات التي تميز نظرة الأسبان للواقع وابرزها قضية حسين سالم. ناقشناه في النقد، وحاورناه في الترجمة، واستمعنا إليه في السياسة، وأفاض في الحديث عن وزارة الثقافة، فهو يري انها في عهد النظام السابق حادت عن دورها وتحولت إلى شباك لصرف الرشاوي، صابا جام غضبه على المثقفين الذين يأكلون على كل الموائد، ويرقصون على كل الأنغام، وإلى تفاصيل الحوار الذي لا يخلو من إثارة. 
- ما بين فخار الماضي وآلام الذكرى. كيف ترى الأندلس الآن؟
أراها مثالا رائعا مجسما، يجب على العرب أن يتذكروه، وأن يدرسوا كيف كنا، وكيف انتهينا؟كانت الأندلس في عصرها قمة الحضارة، قمة القوة، وكان الأسطول الأندلسي هو المسيطر على غربي البحر الأبيض المتوسط، وكان عبدالرحمن الناصر مرعبا لكل القوى الأوروبية، وكانت قرطبة العاصمة يضرب بها المثل، ويدللون على ذلك بأن هناك قصيدة لراهبة ألمانية في دير منعزل تتخذ من قرطبة في جمالها وروعتها مثلا يحتذى. 
هذه الحضارة كلها اندثرت، لم يبق منها شيء، علينا أن نكون علميين، وأن يعرف كل منا لماذا بلغت هذه الحضارة قمة الروعة؟ ولماذا انهارت واندثرت، ولم يبق منها شيء؟ علميا، إذا تكررت الأسباب، تؤدي إلى النتائج نفسها، علينا أن ندرس أسباب التقدم، لنعيده، وندرس أسباب الانحدار لنتجاوزه، وبغير ذلك، سيظل الإنسان متخوفا من المستقبل. ومأساة الاندلس درس بليغ لمن أراد أن يعتبر. 
- وما أبرز الدروس المستفادة - سياسيا وثقافيا - من مأساة الأندلس؟
أبرز الدروس المستفادة والتي نحاول دائما أن نبرزها في دراساتنا، وفي تذكيرنا للناس، هو أن الاستعانة بالأجنبي لا فائدة منها، ولا طائل من ورائها. 
الأمم ليست جمعيات خيرية، الأمم كلها صاحبة مصالح. 
الذي حدث في الأندلس أن الخلفة والشقاق غير العقلاني أضعف الدولة، وأقول غير العقلاني لأن من طبيعة العقل البشري أن يرى الأشياء من أكثر من زاوية، وأن يبحث عن المخرج الأفضل، وأن يتلاقى عند مصلحة المجموع، لكن الذي حدث في الأندلس أن كل دويلة، وكل فرد، وكل جماعة سياسية كانت تبحث عن مصلحتها الذاتية، فإذا عجزت عن تحقيقها، استعانت بالعدو، وهكذا انتهى الحال بالأندلس، حيث ظل العدو يضرب الدويلات الإسلامية بعضها ببعض، فأتي عليها جميعا، وانتهى منها. 
- أنستطيع أن نقول: ما أشبه الليلة بالبارحة؟
للأسف نفس الظاهرة تتكرر الآن، نحن نستعين على بعضنا البعض بأعدائنا وبخصومنا، ونلجأ إليهم، ونتصور أن الحل عندهم، ويظهرون لنا أنهم معنا، ولكن ذلك كله وهم، ومن هنا، فعلينا أن نتعامل مع غيرنا معاملة الند للند، وألا نتركه يتدخل في شئوننا، وما لم تتم الوحدة والتعاون، سوف ينطبق علينا المثل العربي القديم إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
هناك أيضا أشياء كثيرة كان ظاهرها القانون والدستور والديمقراطية، ولكن باطنها كان أشياء أخرى، سببت فسادا وإفسادا للبلد، وأدخلتها في متاهات لا تنتهي أربكت الدولة. 
مصر ليست ملكا للإخوان، مصر للمصريين، ولكن الإخوان نجحوا في كسب ثقة الناس، فلنعطهم الفرصة، لأننا عندما نختلف، يكون الطريق هو صندوق الانتخابات، لا نملك إلا هذا. 
التونسيون سبقونا في احترام نتائج الصندوق، وأذكر أن زعيمة الحزب الشيوعي هناك عندما فاز حزب النهضة، قبلت وقالت إنها تحني رأسها للصندوق وللشعب التونسي. 
ودعني أتساءل: ما هذا التطاول على رئيس الدولة بالحق والباطل؟
- مبارك سحقنا سحقا ولم يستطع إنسان أن يقول له انت فرعون 
وما نراه الآن ليس من الأدب السياسي في شيء على الإطلاق، وأنا لست إخوانيا، ولا أحب مرسي، ولكنه رئيس الجمهورية، ليس معنى ذلك ألا أعارضه وأقدسه، ولكن المطلوب أن نعارضه وننقده ولكن بأدب الحوار. 
ولننظر إلى واقعنا قبل 50 سنة، وسنجد أنه لم يكن لدينا واقع سيئ كما هو الآن. 
الآن هم يزرعون لنا حربا عربية عربية في كل شبر من الأرض العربية، ويستعدون لإشعال هذه الفتن، ويتظاهرون بأنهم مع العدل والحق والحرية، وهم ليسوا على شيء من ذلك إطلاقا. 
عشت في إسبانيا سنوات عديدة، وتعرفت على المجتمع الاسباني عن قرب، كيف تقرأ قضية حسين سالم وكيف يمكن التعامل مع قضية الأموال المنهوبة؟
علينا أن نرى الأمور من وجهة النظر القانونية، أولا هذه البلاد في أعماقها ليست معنا، وتتظاهر بأنها دولة قانون، وهم يعرفون من أسرارنا ومن السرقات التي تمت في بلادنا أكثر مما نعرف، وعندهم من الوثائق ما لو استخدموها، لأعطتهم الحق في القبض على هؤلاء، ولكن ببساطة شديدة هم يستفيدون من هذه الأموال، فلماذا يغلقون بابا يأتي لهم بالخير؟ ولذلك يجب أن نكون منطقيين وواقعيين، وأن نتعامل مع هؤلاء الناس بالوثيقة وبهدوء، وهم لن يعطونا شيئا بسهولة، لأن مآل هذه الأمول ستكون للبلاد التي هي فيها، هو لن يأخذها، ولن ييسروا له الخروج بها، ولو أحسوا أنه سوف ينزح بها إلى بلد آخر، ساعتها هم الذين سيتصدون له، لكن هم يرهبونه، ويتلقون طلباتنا، ويقولون نحن نفحصها، وذلك ليس تطمينا لنا، ولا خدمة لنا، وإنما إرهابا لهؤلاء لكي يستكينوا ويتركوا الأموال لهم. 
- نعرف أن هناك الآلاف من الكلمات العربية دخلت إلى اللغة الإسبانية، فأي المجالات كانت الكلمات العربية أكثر حضورا؟
كل الألفاظ المتصلة بالحضارة دخلت إلى الإسبانية، القاضي، القائد، الدليل، المحافظ، صاحب الشرطة. إلخ. 
لكن الكلمة الوحيدة التي دخلت الاسبانية واستدعت اهتمامي هي كلمة هدية حيث كانت الهدايا شائعة في العصور الوسطى في الأندلس بين حكام الدول وسفرائهم ووزرائهم، وليس الأفراد. وانتقلت الكلمة إلى اللغة الإسبانية، ولكن مع تعديل بسيط في ذلك الوقت، حيث كان حرف الهاء يكتب فاء، فكانت تنطق فدية وفي إحدى المرت رجعت إلى المعجم، لأراجع ما معنى كلمة فدية فوجدت في المعجم أنها كلمة من أصل عربي، ومعناها سبورنو أي رشوة. إذن هناك ألفاظ كثيرة جدا تمثل حضارة، وألفاظ تمثل لونا من العلاقات الاجتماعية، وهي أكثر مما نتصور. 
- بمناسبة الحديث عن الفساد والرشاوى، كيف ترى بيت أبي الطيب عن مصر: نامت نواطير مصر عن ثعالبها. فقد بشمن وما تفنى العناقيد؟
المتنبي كان شاعر الحكمة، والشعر ليس فقط خيالا، ولكنه يصور الواقع الذي حوله، والمتنبي عندما جاء مصر، لم تكن مصر في القمة، وإنما كان يحكمها عبدخصي كافور الاخشيدي والمتنبي في هذا البيت الخالد كان يعبر عن الواقع، وهو يمثل حالنا أيام النظام البائد تمام التمثيل. 
- المثقف والسلطة. علاقة شرعية أم محرمة؟
المثقف لا يكون مثقفا حقيقيا إلا إذا كان في مواجهة السلطة، المثقف الذي يكون مع السلطة هو تاجر كلام، مهنته أن يبيع للشعب كلاما جميلا، لأن الثقافة موقف، وموقف المثقف ليس مع السلطة، وإنما في مواجهتها، وأن يكون رقيبا عليها، ليدافع عن حقوق شعبه بحكم ما أعطاه الله له من معرفة وقدرة على البيان، فإذا لم يستطع أن يقوم بهذه الوظيفة، فعليه أن يتنحى، ويترك المجال لغيره. 
أما هؤلاء الذين يأكلون على كل الموائد، ويرقصون على كل الأنغام، ويرتدون كل الأزياء، فهم ليسوا من الثقافة في شيء، وأعتقد أن أمرهم انكشف الآن، وبرغم ظهورهم على القنوات الفضائية المشبوهة، فإنهم لم يعد لهم قيمة. 
- يرى البعض أن وجود وزارتين للثقافة والإعلام علامة من علامات النظام التسلطي؟
أتفق، وقد طالبت بذلك طوال حياتي، لا أعرف دولة متحضرة فيها وزارة للإعلام، أو للثقافة. 
- ولكن فرنسا بها وزارة ثقافة؟
ديجول كان مغرما بالكاتب الكبير اندريه مالو وعينه وزير دولة للثقافة، بلا إدارة، بلا مسئوليات، وبلا سلطة تنفيذية، وكانت مهامه توجيه رئيس الجمهورية لفهم كيف تكون الثقافة. 
ولكن زارة الثقافة عندنا تحولت علي مدى العقود السابقة إلى وزارة شباك لصرف الرشاوى وليس أكثر من هذا، ووزعت الوزارة من الرشاوى الشيء الكثير. فعندما جاءت ثورة يوليو، واكتشفت ما يسمى بالمصاريف السرية في وزارة الداخلية، أسكتت الأنفس. 
- أعتقد لو أن الوزارة الآن تتبعت الأموال التي صرفت عن طريق المثقفين وللمثقفين، وإذا ما كانوا يستحقونها أم لا؟ فستجد عجبا، وستضع كل إنسان في مكانه. 
والثقافة في عهد وزارة الثقافة انحدرت عندنا انحدارا كبيرا، وأذكر أن الهدف من إنشاء وزارة للثقافة كان القصد منها السيطرة على حركة طبع الكتب ونشرها وأرزاق الأدباء، إذا كنت مع الدولة، تنشر لك، وأبواب الرزق مفتحة، لست مع الدولة سوف تموت جوعا. 
- وما البديل لوزارة الثقافة؟
نسأل أنفسنا: لماذا ازدهرت الثقافة قبل وزارة الثقافة؟ لنبحث ماذا كان يقرأ التلاميذ في الثانوي في ذلك الوقت، وماذا يقرأون الآن؟ التلاميذ في الأربعينيات والخمسينيات كانوا يقرأون من التراث الحيوان للجاحظ، ملخص الأغاني للأصفهاني، ملخص الكامل للمبرد، كتاب المكافأة كاملا لابن الداية الآن التلاميذ لا يقرأون شيئا إطلاقا. ويقرر عليهم كتب مؤلفة تأليفا خصوصيا، كتبها بعض المؤلفين المهيمنين على وزارة التربية والتعليم. 
- وزارة الثقافة تصدر مجلات 13 مجلة لا يقرأها أحد!
كم ننفق على هذه المجلات؟! أحمد حسن الزيات كان يصدر الرسالة أسبوعيا بمفرده، ولم يكن معه سوى كاتب حسابات، وموظف لإرسال المجلة للمشتركين. الآن نرى مجلات وزارة الثقافة وبها رئيس مجلس الإدارة ونائب رئيس مجلس الإدارة، ورئيس التحرير، ونائب رئيس التحرير، ومدير التحرير ونائب مدير التحرير، والمدير الفني، ونائب المدير الفني، إلخ. وهي لا توزع ولا تقرأ وليس لها صدى على الإطلاق، وتكلفنا الكثير!.
أعتقد أن كل هذه الاشياء لم تكن بحاجة إلى وقت لكي توقف. 
كل الناس يعرفون أن مجلة القاهرة أصدرها وزير الثقافة لتدافع عنه، هل وزير الثقافة الآن بحاجة إلى جريدة لتدافع عنه؟! والثقافة لكي تبدع لابد أن تترك للمنافسة الشريفة فقط. 
- عملت بالترجمة وقتا طويلا، هل فقدت مصر ريادتها في الترجمة؟
مع الاسف الشديد، وأذكر أمرين شهدت مصر بلغت فيهما الروعة: تحقيق التراث، والترجمة. 
وأذكر ونحن طلبة في مدريد، ان طالبا من لبنان - رحمه الله اسمه منير ناجي، كان يعد رسالة عن ابن هانئ الأندلسي، وكتب الرسالة وأقرها الأستاذ، وهو غارسيا غومس، وسأله: على أي طبعة لديوان ابن هانئ اعتمدت؟ فذكر له طبعة تصدر في بيروت، ومع أن الإسبان بينهم وبين لبنان صلة بحكم الكاثوليكية، لكن غومس قال له: أعوذ بالله بالعربي! وتساءل: هل هذه الدار يعتمد على طبعتها؟ وقال: عندما يطبع الكتاب محققا في القاهرة، فإن طبعة القاهرة هي التي تكون الأصل، قال: وهل حقق الديوان في القاهرة؟ قال: نعم، حققه (زاهد على) في دار المعارف، فقال له: ولكن هذا الكتاب غير موجود في إسبانيا، فقال له: لا تجمع إلى سوءة الجهل سوءة الكذب، هذا الكتاب موجود عندنا في المكتبة، ونادى سكرتيرته، وطلب منها إحضار الكتاب، فأحضرته. 
مدرسة تحقيق التراث عندنا ماتت، كان آخر العظماء فيها المرحوم محمود الطناحي. 
فيما يتصل بالترجمة أذكر انني كنت في طنجة، وكانت ميناء دوليا، وكانت بها مكتبة كبيرة تبيع الكتب العربية، وجاء رجل وسأل عن كتاب مترجم، فأعطى له كتابين فقال له: أنا أريد الترجمة المصرية، ورفض أن يأخذ الترجمة الأخرى. 
كان التراجمة المصريون هم أعظم التراجمة د. محمد عوض مثلا، عندما نقرأ ترجمته لكتاب النقد الادبي، فكأننا نقرأ كتابا باللغة العربية. 
الآن ليس عندنا مترجمون، إذا كان المترجم يعرف اللغة الأجنبية، لا يعرف العربية. 
- وكيف تقيم أداء المركز القومي للترجمة الآن؟
المركز القومي للترجمة كان أكذوبة كبرى، وكل ما قيل فيه كذب في كذب، بعض الكتب توجد لدى قديمة، يوجد كتاب عن الحوار بين الأديان، كتب سنة 1880، كيف نترجم كتابا كتب منذ ذلك الزمن السحيق؟ لا يعرض للكتب العربية التي تناولت ذلك الموضوع، لأن دار الكتب لدينا أنشئت سنة 1872، فلم تتكون فكرة للمؤلف عن الكتب العربية. أيضا هم يزعمون انهم يترجمون من اللغة الأولى، وكان هذا كذبا صريحا، وكان هذا طريقا للرشاوى الكبيرة، لدرجة أن هناك كتابا ترجمه مترجم جيد أظنه د. نعيم عطية، فأعطيت له مكافأة عشرة آلاف جنيه، ولكن المراجع أخذ خمسين ألفا!.
وتوجد كتب ترجمتها هيئة الكتاب في نفس السنة، لأنه كان مخططا إعطاء هذا عشرة آلاف - وذاك عشرين، وذاك ثلاثين. 
لذلك كان مشروع الترجمة الأول أعظم منه وأروع، واكثر إشاعة للثقافة. 
- هل أعمانا الافتتان بدريدا وبارت وفوكو وغيرهم عن عظمائنا ابن جني، الجرجاني والقرطاجني وابن سلام وغيرهم؟
يقول الشاعر القديم: يقضى على الإنسان في أيام محنته. أن يرى حسنا ما ليس بالحسن
انتشرت حملة استمرت خمسين سنة، تصف كل من يقوم على القديم بأنه ظلامي، ومتخلف، بعض الناس لكي يبرهن على أنه ليس ظلاميا ولا متخلفا، ولا رجعيا، يلوك لسانه ببعض الاسماء الأجنبية، وهو لا يعرف شيئا، وملأوا لنا سوق النقد بمصطلحات الله أعلم بها، غير مفهومة، ولا أحد يعرف من أين جاءوا بها؟ ولا أكتمك أنني حزنت عندما علمت أن قسم البلاغة في دار العلوم لا يدرس عبدالقاهر الجرجاني، لانه في زماننا كانت توجد محاضرة مخصصة اسمها نصوص من عبدالقاهر الجرجاني 
- فعندما يتخرج الطالب من دار العلوم، ولا يعرف من هو عبدالقاهر الجرجاني، فقل على البلاغة والنقد الأدبي السلام، وعندما يتخرج طالب من دار العلوم ولا يحفظ روائع شعر شوقي، فماذا تنتظر منه؟
اما هذه الكتب المترجمة، فتعجب عندما تقرأها، لا تفهمها، لأن الذي ترجمها لايفهم النص الأجنبي، وهي قواعد انتزعت من نصوص اجنبية، كيف تطبقها على لغة عربية عريقة. 
نحن بحاجة إلى نقد أدبي عربي يستفيد إلى أبعد حد من مستحدثات العلم، بشرط أنه هو الذي يتوصل إليها ويضعها في خدمة اللغة، ولا يضع اللغة في خدمة هذه القواعد. 
- الجوائز الأدبية كيف تراها وأنت مرشح لجائزة كبرى الآن؟
هذه الجائزة انا مرشح لها منذ نحو 15 عاما، وتقريبا منذ أن أنشئت وأنا مرشح لها. 
- هل تبرئ الجوائز في مصر من الهوى؟
أعطيك مثالين: في سنة 1992 رشحت لجائزة الدولة التقديرية، ولم أحضر اجتماع القسم الذي رشحني، وتم ترشيحي من جامعة القاهرة، وأرسل الترشيح للمجلس الاعلى للثقافة، وحصلت على 31 صوتا من 39 صوتا، وحصل عاطف صدقي على 30 صوتا، وحصل فتحي سرور على 28 صوتا، وحصل على لطفي على 26 صوتا في الاقتراع الثالث، وخرج د. الأنصاري - رحمه الله - من الاجتماع قبل انتهائه واتصل بي مهنئا، ومع ذلك لم أحصل عليها. 
وكنت كل سنة أرشح للجائزة، لدرجة أن بهاء طاهر - مساه الله بالخير - وليس بيننا صلات - عندما حصل على الجائزة، قال أنا في الواقع كنت أرجوها إما للطاهر مكي أو لكمال بشر. 
وانا لا أهتم بالجوائز ولا أعطيها أى أهمية، لسبب بسيط أن الذين يحكمون عليك باستحقاقك الجائزة من عدمه هم أقل شأنا علميا. 
- كتابك السلطان يستفتي شعبه. أى معنى سياسي وثقافي يكمن وراءه؟
في الحقيقة أن القصة التي تحمل هذا العنوان - وهي قصة شعبية مغربية - كان مقصودا بها أن بعض الناس يصلون إلى رئاسة الدولة وهم خلو من أي فلسفة، ويتصنعون العلم والمعرفة، وهم ليسوا علماء، وليسوا على شيء من معرفة، ويتظاهرون بالديمقراطية وهم في أعماقهم مستبدون، والقصة الوحيدة ذات الطابع السياسي هي هذه القصة، أما باقي الكتاب فهو قصص شعبية. 
- الحرية في مجتمعنا العربي. أزمة حكم أم أزمة مجتمع؟
أزمة مجتمع، لأنها لو كانت أزمة حكم فقط، لطالب الإنسان بالحرية لنفسه ولغيره، ولوقف عند حدوده، لكن الناس الآن في وطننا، يطلبون الحرية لأنفسهم فقط، ويعنون بالديمقراطية أنفسهم، ويتحدثون باسم الجماعة، وليس لديهم جماعة، ويتحدثون باسم الأغلبية، وهم لا يمثلون إلا أنفسهم، إذن الحرية عندنا أزمة مجتمع. 
نحن على امتداد الأعوام الطويلة التي مرت، غاب في فلسفتنا، وفي دراساتنا المعنى الديمقراطي، وأخذنا العناوين فقط، ولسوء الحظ أن الذين كانوا يتداولونها كانوا في الحقيقة خواء من المعرفة، وفي الوقت نفسه كانوا غير جادين، وغير راغبين لا في الديمقراطية، ولا يفهمون الحرية بمعناها السياسي ومعناها الإيجابي الذي يوصل إلى خير الناس جميعا. 
- ونحن نحتفل بعامين على ثورة يناير كيف تقيم هذه الثورة؟
أولا هذه الثورة كانت لابد أن تأتي، وأجمل ما فيها، أنه رغم القبضة الخانقة، استطاع هؤلاء الشبان أن يعيدوا إلى مصر وجهها الأساسي المعروف القومي الوطني، ولكن مع الأسف الشديد أن ثقافة هؤلاء ثقافة نت لم يستطيعوا أن يتجمعوا عند قواعد متفق عليها، ومعروف ان خصوم الثورة كثر، وأغنياء، واخذوا ينفقون ببذخ لإفسادها، فترفقت بنا السبل، وأطعنا وقتا طويلا في اشياء لا تفيد، وهناك أشياء يقصد بها الشر والباطل، وألبست ثوب الحق، ونحن لا نستطيع التعرض لشئون القضاء، ولكنني أذكر مثلا عندما فصل مفيد شهاب نحو 700 استاذ من الجامعة بلغوا السبعين، وأرسلوا لنا خطابات تفيد رفع أسمائنا من كشوفات الجامعة، ولا صلة لكم بها، رفعنا قضية في المحكمة الدستورية، وطالبنا فيها بإلغاء هذا القانون بالنسبة لنا، لأن القانون القديم مطبق علينا، وخرجنا إلى المعاش منذ زمن، وكان معنا عمالقة الفقه الدستوري، فظلت هذه القضية متداولة 4 سنوات، وبعد هذه السنوات الأربع حكم لنا في هذه القضية البسيطة، أما ان تحل مجلس الشعب في جلسة واحدة، وبقرار نافذ!
هناك أيضا أشياء كثيرة كان ظاهرها القانون والدستور والديمقراطية، ولكن باطنها كان أشياء أخرى. 
لابد أن تنقى الثورة، وأن تعطى فرصة للذين نجحوا في الانتخابات أن يخرجوا ما عندهم، ولكنني في نفس الوقت أتوجه برجاء للدولة نفسها، بعض الوزراء كسالى، هناك قرارات لا تستحق أن تؤجل، فمثلا في الجامعات، هناك لجان تسمى لجان ترقيات الأساتذة، منذ مجيء الثورة، ونحن نريد تغييرها، ولا تزال كما هي، ولا يزال 4 أو 5 هم من يتحكم في الترقيات. 
بعض الأشياء في البلد تحتاج إلى حسم، لاسيما الأمور التي تتصل بمصالح الجمهور، ولابد من تذكير الناس بأننا في سفينة واحدة، إذا غرقت، غرقنا جميعا، وإذا نجت، نجونا كلنا. 
- أخيرا ما جديد د. الطاهر؟
من عادتي ألا أعمل في شيء واحد، الآن أنا بصدد نشر رسائل متبادلة ومعاهدات تجارية وسياسية بين مملكة في كتالونيا في إسبانيا، وبين المماليك هنا، وبينهم وبين الحكومة في تونس، والجزائر والمغرب. 
وأهمية هذه الرسائل أنها تلقى ضوءا على علاقاتنا مع إسبانيا، والإسبان أنفسهم نشروها بالإسبانية بالرغم أنها بالعربية، وتعتبر هذه الأشياء جزءا من التاريخ، وتعلمنا هذه الوثائق أن الاقتصاد يلعب الدور الأكبر في علاقات الدول. 
ولدي مخطوطة جيدة أوشكت على الانتهاء منها عن نظم الحرب في الإسلام كان قد وضعها رجل أندلسي في القرن الرابع عشر الميلادي، والعجيب ان الفرنسيين لكي يعرفوا كيف يحاربوننا، ترجموا هذه المخطوطة إلى الفرنسية. 
وانتهيت من كتاب عن صورة صلاح الدين الأيوبي في الأدب الأوروبي الوسيط واكتشفت أن الأوروبيين يحترمونه احتراما شديدا، لدرجة أنهم نصروه، زاعمين انه اعتنق المسيحية، ودفن لديهم، ويشتمل الكتاب على حكايات عن إنسانيته وبطولته في الأدب الإيطالي والفرنسي، والاسباني والانجليزي.