الأربعاء، 22 يونيو 2016

الطّاهر مكّي ... في استكشافه لمناهج المصادر الأدبّية ... حسن بشير





الطّاهر مكّي
في استكشافه لمناهج المصادر الأدبّية

حسن بشير (*)
خطة البحث
أولاً- إضاءة المقدّمة.                      
ثانيًا- مدخل الدّراسة.
ثالثًا- دراسة الطّاهر لمناهج ثلاثة المصادر المختارة.
رابعّا- كلمة الختام.
خامسًا- عرض المصادر والمراجع.
أوّلاً- إضاءة المقدّمة:
قد غمرتني السّعادة وأنا أقرأ رسالة "جماعة دار العلوم" الّتي تطلب منّي المشاركة في العدد الخاصّ من صحيفة دار العلوم؛ لأنّ الأستاذ الدكتور الطّاهر مكّي، جديًر بالتّكريم، فهو من قمم العلم السّامقة، ومن رموزه المتفرّدة.
قد غمرتني السّعادة؛ لأنّ الموضوع الخاصّ أُستاذي وصديقي الطّاهر مكّي، وكلمةُ "صديقي" مستهدفةً فكريًّا وعاطفيًّا، فلم أسْتطع استعمالها لأيّ من أساتذتي الأُخر.
إنّ صِناعة هذه الصّداقة بين الأساتذة وطلاّبهم كانت سمةُ دار العلوم بالمنيرة، دون غيرها من الكلّيّات والمعاهد، وكانتْ تتمّ وًفْق منهاٍج خاصٍٍّ لتأصيل الّلغة العربيّة وتطويرها ومواكبتها للعصر، وتتمّ بقاعة المحاضرات، وفي مكاتب الأساتذة وبيوتهم. ولا أنس دعوةً وجّهت لي من أستاذي أحمد هيكل بمنزله ضمن نحو سبعة من الطّلاب المصريّين، ومع مائدةٍ فاخرةٍ نُثرتْ مفاتيح المعرفة المتألّقة منه ومن أستاذنا إبراهيم أنيس.
وأذكر من ذلك:
-      معرفة البحر الشّعريّ للقصيدة من غير التّقطيع العروضي.
-      وكيف نقرّرُ أنّ كلمة "أوقات" جمع تكسيرٍ مع اختتامها بالألف والتّاء؟
-      وَلمَ تكتب كلمة "عمرٍو" منصوبةً بدون واو؟
-      وهلْ كلمة "ابنة" مثل كلمة "ابن" في حذف ألفها بالشّروط المقرّرة؟
-      ولماذا قُلنا: "نَدَوات" بفتح الثّاني، وقُلنا: نَوْبات بسكون الثّاني، وكلاهما من الميزان الصّرفيّ؛ "فَعْلًة"؟
هذه الرّوابط العلميّة الوشيجة بيننا وبين أساتذتنا في دار العلوم؛ تألَّف في صفّها الأوّل أستاذي الدّكتور الطّاهر مكّي، مع التّحفّظ الموضوعيّ الذّي يقضي بأنّ مرجعّية هذا الحكم خاصّةٌ بي: فقد ألفيتُ منه تشجيعًا عريضًا.
ومن حقّ أستاذي أن أحكيَ أربعة المواقف التّالية:
الموقف الأوّل- أوّل محاضرةٍ لي مع الدّكتور الطّاهر/ في شعبة (زاي)؛ قرأ فيها أُستاذي نصًّا شعريًّا، واستقرأ الطّلاّب، ولمّا جاء دوري قرأتُ؛ فقطع أستاذي قراءتي قائلاً: هكذا ينبغي أن يُقْرأَ الشعرُ في دار العلوم.
الموقف الثًاني- بُعيد إعلان نتيجة آخر العام، وأظنً أنّنا حينئذٍ في السّنة الثّانية، سألني أُستاذي عن تقديري في الدّراسات الأدبيّة، فأجبته (جيّد جدًّا) فسكتَ برهةً ينظر إليّ، ثمّ قال لي:
ولم أر في عيوب النّاس عيبًا كنقص القادرين على التّمامِ.
وقد استقبلتُ بيت المتنبِيّ  المحفوظ استقبالاً فكريًّا وعاطفيًّا جديًدا؛ بسبب قوّة تشجيع الأستاذ لطالبه.
الموقف الثّالثُ- ناداني أستاذي إلى مكتبه:
- لِمَ أنتَ حزينّ يا حسن؟
- لأنيّ وقفتُ موقفًا أزعج أستاذي أحمد الحوفي.
- ما الموقف؟
- رجّحتُ مطلع أحمد محمد صالح، في قصيدة "نكبة دمشق":
صبرًا دمشق فكلّ طرفٍ باك

وغدًا يلوح مع النّجوم سناكِ

على مطلع شوقي:
سلامً من صبا بردي أرقُّ

*
ودمعً لا يكفكف يا دمشق

لكن أستاذي الحوفي انفعل، وقال لي: الموازنة أساسًا غير ورادة، فأين الثّرى من الثّريا يا حسن؟
- أساتذة دار العلوم يعتبرون هذه المواقف تزكية للطّلاب، فلا تنزعج، وسترى ذلك في نتيجة الامتحان. وقد صدق حدس أستاذي الطّاهر مكّي.
وشاهدي هنا أن الأستاذ يشجّع طالبه، ويخرجه من حزنه ويبشّره.
الموقف الرابع- لمّا انهينا دراستنا الجامعية، كنتُ متردّدًا في اختيار التّخصّص للدّراسات العليا بين النحّو والصّرف والدرّاسات الأدبيّة. وأشهد أن الذّي حسم الموقف لصالح الدّراسات الأدبيّة توجيه أستاذي الطّاهر.
ثانيًا- مدخل الدّراسة:
فكّرتُ ابتداءً في قراءة ثانيةٍ لكتاب الطّاهر مكّي المسمّى: «دراسة في مصادر الأدب»، الذّي ظهرت طبعته السّاسة سنة 2010م، عن دار الفكر العربيّ- القاهرة: فقد قرأتُ طبعته الأولى سنة 1968م عن دار المعارف.
إنّ الطّبعة الجديدة اختلفت كثيرًا عن الأولى بصورةٍ جعلتْ من الكتاب نسخةً جديدةً، اشتملت على تفاصيل وافيةٍ عن الخّط العربِيّ، وعصر المخطوطات، وطرق التّدوين وشرائط النّسخ، ومصادر الشّعر الأولى.
كتاب الطّاهر مكّي «دراسةّ في مصادر الأدب» رائدً في تعريف أُمّهات المصادر في الأدب العربيّ، وقد عّرفَ الطّاهر عشَرةً من أهمّ مصادرنا الأدبيّة، وهي:
طبقات فحول الشّعراء لابن سلاّم، والبيان التّبيين للجاحظ، والحيوان للجاحظ، والكامل في اللّغة والأدب للمبرّد، والشّعر والشّعراء لابن قتيبة، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والعقد الفريد لابن عبد رّبه، والفهرست لابن النّديم، والذّخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسّام، ونفح الطّبيب للمقّري.
لقد خفتُ أن تتسع القراءة بصورةٍ لا تتناسب مع المطلوب فاستهدفتُ استكشاف الطّاهر مكّي لمناهج المصادر الأدبيّة، وحصرتُ عرض النّماذج المختارة في ثلاثة المصادر الآتية:
المصدر الأوّل- طبقات فحول الشّعراء لابن سلاّم.
المصدر الثّاني- البيان والتّبيين للجاحظ.
المصدر الثّالث- الكامل في اللّغة والأدب للمبرّد.
على أنّ دراسة الطّاهر مكّي لهذه المصادر وغيرها كانت دراسةً شاملةً لكِلّ الوجوه المتّصلة بالمصدر. وفي ذلك حياة المؤلّفِ وثقافته، والكتاب واسمه ومخطوطاته وإسناده، وعرض نماذج منه وفق أهميّة المادة المشتمل عليها.
ومن أهم جزئيّات دراسة الطّاهر للمصادر استكشافه الرّائد لمناهج هذه المصادر، وهي الجزئيّة الّتي استهدفها ببحثي وَفْق ثلاثة المصادر المختارة.
ثالثَا: دراسة الطّاهر لمناهج ثلاثة المصادر المختارة:
المصدر الأوّل- طبقات فحول الشعراء لابن سلاّم:
في منهج ابن سلاّم الجمحيّ معالجتهّ رائدةّ لعددِ من القضايا المتّصلة بالنّقد الأدبيّ، والمتّصلة بتاريخ الأدب العربي، فابن سلاّم أوّل من تكلّم عن الشّعر الموضوع بمنهجِ علمّيِ، فلا نثق إلاّ بالمأخوذ من البدو الخلّص، أو المأخوذ من الروّاة الموثوق بهم عن طريق التّدوين.
وفي منهج ابن سلاّم اعتماد التّخصيص أساسًا لمعرفة الفنون، ومنها الشّعر، فهو صناعةّ وثقافةً، والنّهضة به تتأتّى من عمق المعرفة كما تتأتّى من عمق التّجربة.
هناك أسبابّ عّدةً دعت إلى التوسّع في تدوين الشّعر تحدّث عنها ابن سلام بتفصيلٍ منهجيّ، كما تحدّث عن العوامل التّي جعلت للوضع والانتحال سوقّا رائجةً([1]).
ويرى أستاذي الطّاهر مكّي أنّ حديث ابن سلاّم المفصّل عن الانتحال كان «المعالم الهادية لما قام به المستشرقون في أواخر القرن الماضي، وأوائل هذا القرن، ومن دراساتٍ عن صحّة الشّعر الجاهليّ، ومن احتذى منهجهم وتبنىّ أفكارهم في العالم العربيّ، وكل الّذين تحدّثوا بعده في هذا الأمر كانوا عالةً عليه.
والفارق بين ابن سلاّم وبين العرب المعاصرين أنّ الرّجل كان يقدّر دور الكلمة فلم يتخفّف من المسؤولية، ولم يتخذ الشّطط مطيّة، والشّهرة غايةً، فجاءت آراؤه وستبقى تشعّ جلالاً وتواضعًا وإخلاصًا»([2]).
وفي نقذ الطّاهر مكّي لمنهجية ابن سلاّم الخاصّة بنشأة الشّعر العربي توفيقّ عريضّ؛ فالشّعر العربيّ أقدم ممّا ظن ابن سلاّم، والقصائد العربيّة أبعد عهدّا من أيّام عبد المطّلب وهاشم.
ولقد سنّ ابن سلاّم في كتابه طبقات فحول الشّعراء سّنةً اهتدى بها مؤرخو الأدب العربي وناقدوه، وأصبحوا يردّدون أنّ مهلهلاَ وامرأ القيس أوّل من قالا الشّعر. وإن كان ابن سلاّم لم يذكر أنهّما أوّل من قالاه، ولكنّه ذكر أنهّما أوّل من قصداه([1]).
وفي منهج ابن سلام ترتيب الشّعراء في طبقاتٍ، ووّفق ما يرى من تقويم لجودة الشّعر وكثرته لدى الشّاعر، ووفق ما يرى من أهميّةٍ للشّعراء.
وعلى أساس هذا المنهج نّظَّم الشّعراءّ في عشْر طبقاتٍ، في كِلّ طبقةٍ أربعة رهطٍ متكافئين معتدلين، منهم أربعون شاعرًا في طبقات الشّعراء الجاهليّين، وأربعون في طبقاتِ الشّعراء الإسلاميّين، وأربعة شعراء في طبقة أصحاب المراثي، واثنان وعشرون شاعرًا في طبقة شعراء القرى العربية، وثمانيةً في طبقة شعراء اليهود فهم جميعًا أربعة عشر ومئة شاعرٍ([3]).
وفي منهج ابن سلاّم رفضٌ استقرائيً لما فوق "عدنان" من العرب، وتأكيدً لإبداع الخليل بن أحمد لعلم العروض والدّواعي الّتي قادتْ العلماء إلى نشأة النحّو العربيّ، وتهذيب النّقد السّاذج من موروث الجاهلية، وإدخال اتّجاه التّفسير والتّعليل في تاريخ الأدب العربيّ، وإبداع اللّبنات الأولى للنّقد الأدبي فيِ اللّغة العربّية([4]).
المصدر الثّاني- البيان والتّبيين للجاحظ:
الجاحظ صاحب منهجٍ حُرٍ، يقول عنه الطّاهر مكّي([5]):
دأب الجاحظ أن يرسلَ نفسه على سجيّتها، لا يتقيّد بنظاٍم يترسّمه، ولا بمنهجٍ يلتزمه. وقد أدّى ذلك إلى تكرار النّصوص، والحديث عن الموضوع الواحد في أكثر من مكانٍ. والتكرار عند الجاحظ يتأتّى في الباب الواحد، ويتأتّى في الكتاب.
وفي سمات منهج الجاحظ في "البيان والتّبيين" الاستطراد، وقد علّل الجاحظ لذلك بإراداته دفع السّأم عن نفس القارئ. وقد علّل آخرون استطراد الجاحظ بأنّه نتيجة علمه الكثير الذّي يتدافع عليه. أمّا أستاذي الطّاهر مكّي فيرى ذلك وليد تكوين الجاحظ  الثّقافيّ، القائم على معرفة كلّ شيء، كما يراه في طريقة تأليف "البيان والتّبيين"، فالكتاب لم يؤلًّف مّرةً واحدةً، وإنّما كان فصولاّ متفّرقةً، في أزمنةً متباعدٍة، فاستحال أن يربطه خيطُ فكريً واحدً([6]).
وفي لُبّ منهج الجاحظ في الكتاب موضوع البحث قضّية مركزيّةُ  وَسْمُها بـ "الكلام الجيّد"، ومداخلُها التّفصيليّة عند الجاحظ ثلاثةً:
البيان، والبلاغة، والخطابة.
فالبيان كلّ شِيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضّمير، وأصنافُ دلالات المعاني خمسةً محصورة في: اللّفظ، والإشارة، والعقد، والخّط، والحال.
والبلاغة تصحيح الأقسام، واختيار الكلام، وحُسن الاقتضاب عند البداهة، والغزارة يوم الإطالة. وكلّ من أفهمك حاجةً من غير إعادةٍ ولا حبسةٍ ولا استعانةٍ فهو بليغً.
والخطابة تقسيم أقدار الكلام على أقدار المعاني، وتقسيم أقدار المعاني على أقدار المقامات، وتقسيم أقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات.
وللجاحظ مداخلُ متعددةّ لما سّماه "الكلام الجيّد"، فمنه الشّعر الّذي كان مقدمًا في الجاهلية على الخطابة، وعلى النّثر عامةً، فما تكلّمتْ به العرب في جاهليتها من جيّد المنثور قليلً جدًّا.
ومنهج الجاحظ يعتمد المقابلة الّتي تزيد الأمر وضوحًا، ويعتمد إظهار المعلومات الضافية عن البلغاء والخطباء والفقهاء والأمراء، من حيث تصوّرهم للبلاغة.
و"البيان والتّبيين" عند أستاذي الطّاهر مكّي، ذخيرةً أفاد منها العلماء والأدباء القدماء والمحدثون، ومن هذه الإفادات عندي دراسةُ الطّاهر مكًي، وفق كتابه "دراسةً في مصادر الأدب".
المصدر الثّالث- الكامل في اللغة والأدب للمبرّد:
لُبًّ منهج المبرّد في كتابه «الكامل في اللّغة والأدب» أنّه يجمع ضروبًا من الآداب، ما بين كلامٍ منثورٍ، وشعرٍ مرصوفٍ، ومَثَلٍ سائٍر، وموعظةٍ بالغةٍ، واختيار من خطبةٍ شريفةٍ ورسالةٍ بليغة. وذلك على حدّ  عبارة المبرّد في مقدّمة كتابه.
وقال أستاذي الطّاهر مكّي إنّ كتاب "الكامل" يحمل "طابع العصر الذّي ألّفٍ فيه، فهو يميل إلى الاستطراد، وينتقل من قضيّةٍ إلى أخرى لأدنى ملابسةٍ.
ويرى أستاذي أنّ دور المبرّد هنا تجاوز الجمع والاختيار للنصّوص الأدبيّة، تجاوز ذلك إلى الشّرح اللّغويّ، والتّصويب النحّويّ، وتَتَبّعِ دلالاتِ اللّفظِ الواحد في وجوهها المختلفة، عند جمهرة الأدباء والشّعراء.
والمبرّد رائد فكرة التّفضيل في النّصوص الأدبيّة للمصيب، دون تقيّدِ بقدمه أو حداثته، فليس لقدم العهد يّفضّل القائلُ، ولا لحدثان عهده يُهضًم المصيب. وفي ظلال ذلك نشر المبرّد إشاراتٍ مختصرةً عن الشّعراء المحدثين أو المولّدين وًفْق مصطلحه الذّي يعني بهم أولئك الذّين عاصروه من شعراء الدّولة العّباسيّة.
من المعروف أنّ الأساس المحوريّ للمبرّد نحويًّ لغوي، وتعليقاته في "الكامل" تؤكّد هذا. ومع ذلك شمل الكتاب بعض مسائل البلاغة والنّقد.
ففي ميدان البلاغة لم تأخذ المسائل عنده شكل قاعدةِ علميّةِ محدّدةِ، بل شكل توصيفٍ لدروس عامّةٍ، أقوى ما فيها ما كان عن فنّ التّشبيه، وفنّ الاختصار والمفخّم، كما يسميه المبرّد، وهو الفنّ المسمّى عند جميع الدّارسين "الإيجاز والإطناب".
وألاحظ مع أستاذي الطّاهر مكّي أنّ حظّ النّقد الأدبيّ في كتاب "الكامل" محدودً، ففي رواية المبرّد للشّعر يفسّرُ اللّغويات، ويُعربُ الكلماتـ ويحلّلُ الجمل تحليلاً نحويًّا، دون أن يتعرّض لمناحي الجمال في النّص، ولا لموازنته بنصوصٍ أخر على طريقة التّأثير والتّأثّر. ولكنّه في حالاتٍ قليلةٍ تعرّض للسّرقات الأدبيّة دون أن يسميَها بهذا الاسم. يورد المبرّد البيتَ من الشّعر، ثمّ يشير إلى من ذكر المعنى نفسه، ومن أجاد ومن تخلّف في ذلك. مع ملاحظة أنّ كلام المبرّد في هذا الباب يخصّ البيتَ من الشّعر، ولا يخصّ النّص الشّعريّ.
وفي مسألة ابتداع المعنى أو نقله عن السّابقين يقابل المبرّد بين الشّعر والنّثر على السّواء.
وكتاب "الكامل في اللّغة والأدب" هو مرجع الأساس للأدب العربيّ، ولأدب السّياسة خاصّةً في آخر عهد الخلفاء الرّاشدين، وعهد الدّولة الأمويّة، حيث الأدب الكثيف الذّيِ صاحب الأحزاب السّياسّية: الخوارج، والأمويّون، والشّيعة، والزّبيريّون.
وقد اعتمدتُ عليه في تأليف كتابي «الأدب في صدر الإسلام والعصر الأموي»، وقد اعتمد عليه قبلي أساتذة "كثر"، منهم أستاذي أحمد الحوفي، في كتابيْه القيّميْن: "أدب السّياسة في العصر الأموي"، و "فنّ الخطابة".
رابعًا- كلمة الختام:
وَفق دعوة جماعة "دار العلوم" لي كانت كتابة هذا البحث المقتضب عن جهود أستاذي الطّاهر مكّي في دراسة مناهج المصادر الأدبية، دراسة رائدةً اهتدى بها الآخرون في كتاباتهم التّالية لدراسته. والسّبب في هذا الاقتضاب الإطاران التّوصيفيّ والزّمنيّ المطلوبان.
نفّذتُ هذا البحث وَفق خطّةٍ شملتْ: إضاءة المقدّمة، ومدخل الدّراسة، ودراسة الطّاهر مكّي لمناهج ثلاثة المصادر المختارة، وكلمة الختام هذه الذي تعترف للطّاهر مكّي بالرّيادة في دراسة المصادر الأدبيّة في اللّغة العربيّة على هذا النحّو الجديد المتفرّد الذّي يُمَثَّل في أصْل كتابه "دراسةً في مصادر الأدب"، الذّي ظهرتْ طبعته الأولى سنة 1968م عن دار المعارف المصريّة.
ويُمَثَّل في الصّورة المتجدّدة للكتاب في طبعته السّادسة، الصّادرة عام 2010م عن دار الفكر العربيّ- القاهرة.
إن الإطارَيْن التّوصيفيًّ والزّمنيَّ هما دافعي لحصر الموضوع في دراسة أستاذي لمناهج المصادر من وجهٍ، وللاكتفاء بعرض ما يخصّ ثلاثة المصادر المختارة دون غيرها من وجهٍ آخر وهي: طبقات فحول الشّعراء لابن سلاّم، والبيان والتّبيين للجاحظ، والكامل في اللّغة والأدب للمبرّد.
والبحث على ما هو عليه أرضاني فكريًا وعاطفيًّا، فالطّاهر مكّي قِنّةً سامقةً أغنتْ مكتبتنا وفكرنا العربيّ بأكثر من عشرين مؤلًّفًا، فهو قمينً بهذا التكريم. وأستاذي الصّديق الطّاهر مكّي، يستأهل منّي أكثر مما كان، فقد تولاني بالرعاية والتوجيه والتشجيع لم ألقها عند غيره، فهو متفّرد في علمه وعطائه وخلقه، كما هو متفرّد في صداقته.
****

الهوامش:


(*) عضو مجمع اللًغة العربّية بالخرطوم ، عضو مجمع اللًغة العربّية بالقاهرة ، عضو المحراب العالميّ للًغة العربّية- تونس.
([1]) تفاصيلُ وافية عن موضوع نشأة الشّعر العربي وتطوّره:
أ‌-                 امرؤ القيس أمير شعراء الجاهلية، الطّاهر مكّي ص 182، الأولى 1968م، دار المعارف- مصر.
ب‌-             المعلّقات السّبع، دراسة للأساليب والصّور، حسن بشير ص 21، الثّانية 2005م، الدّار السّودانية للكتب- الخرطوم.



([1]) تفاصيلُ وافية عن الأسباب والعوامل، في كتاب الطّاهر مكّي «دراسة في مصادر الأدب»، ص 163، السّادسة، 2010م، دار الفكر العربي- القاهرة.
([2]) دراسةً في مصادر الأدب (مرجع سابقُ)، ص 163.
([3]) دراسةّ في مصادر الأدب، ص165.
([4]) تفاصيلُ وافيةً عن هذه القضايا في«دراسةّ في مصادر الأدب، ص 164 وما بعدها.
([5]) دراسةُ في مصادر الأدب، ص 180 [بتصرّفٍ].
([6]) المرجع السّابق، ص 181.

خامسًا- عرْض المصادر والمراجع:
·        أحمد الحوفي (أحمد محمّد الحوفي):
- أدب السّياسية في العصر الأمويّ، الأولى 1965م، دار القلم- بيروت.
·        الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر):
- البيان والتّبيين، بتحقيق عبد السّلام هارون، الأولى 1975م، مكتبة الخانجي- القاهرة.
·        حسن بشير (حسن بشير صدّيق):
- الأدب العربيّ في صدر الإسلام والعصر الأمويّ، الأولى 2007م، الدّار السّودانيّة للكتب- الخرطوم.
- المعلّقات السّبع، دراسةً للأساليب والصّور والأغراض، الثّانية 2005م، الدّار السّودانية للكتب- الخرطوم.
·        ابن سلاّم (محمّد بن سلاّم الجمحيّ):
- طبقات فحول الشّعراء، بتحقيق محمود محمّد شاكر، الأولى 1974م، مطلعة المدني، القاهرة.
·        الطّاهر مكّي (الطّاهر أحمد مكّي):
-       دراسةُ في مصادر الأدب، الأولي 1968م، دار المعارف مصر، والسّادسة 1986م، دار المعارف- مصر.
-       دراسةً في مصادر الأدب، السّادسة 2010م، دار الفكر العربي- القاهرة.
-       امرؤ القيس أمير شعراء الجاهليّة، حياته وشعره، دار المعارف- مصر، الأولى 1968م.
·        المبرّد (أبو العباس محمّد بن يزيد):
- الكامل في اللّغة والأدب، تحقيق عبد الحميد هنداوي، الأولى 1999م، دار الكتب العلمية- بيروت.

****

السبت، 4 يونيو 2016

تعليم اللغة العربية ... د. محمد عبد المجيد الطويل.


تعليم اللغة العربية
إشارات إلى الواقع ومنطلقات إلى المستقبل
مع الاشارة إلى دور دار العلوم فى ذلك

د. محمد عبد المجيد الطويل(*)

إذا كان التعليم قضية حياة واستمرار، فإن قضية تعليم العربية قضية حتمية لا محيد عنها ولا بديل لها؛ فاللغة العربية كما تعلمون هي اللغة القومية للبلاد العربية وهي بحكم الحاضر والمستقبل ـ رمز هويتنا في عالم تتعالى فيه صيحات العولمة، وتتوالى فيه ـ بكل أنواع الضغوط ـ محاولات طمس ثقافتنا الوطنية.
 اللغة العربية هي الرباط الذي يربطنا بتاريخ أمتنا العربية والإسلامية وبدورها الحضاري في نشر العلم المدنية، وهي العامل المشترك الأعظم الذي يجمعنا بالعالم العربي، بها نتفاهم، ونتعاون، ونتثاقف.
ولن يتحقق للعالم العربي نهضة تعليمية شاملة وتقدم علمي معايش للتطور العلمي في الدول المتقدمة بغير لغتنا القومية، بل لا نعرف دولة تحققت لها سيادتها واستقلالها بلغة غير لغتها القومية.
إن غياب الاستعمال الحيّ للغة العربية وعدم تداولها وضعف البحث اللساني التطبيقي ونفور العرب من استخدام لغتهم في الشارع والتواصل اليومي جعل اللغة العربية تتراجع يوما عن يوم. وليس وضع العربية في دور التعليم أحسن حظًّا منه في أية بيئة أخرى عامة أو خاصة، كالهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية والمنـزلية والشارع ...إلخ فقد تعوّد المعلمون في كل المواد على تقديم موادّهم وشرْحِها بخليط من الأداء اللغوي فيه من العامية والألفاظ المحرفة أكثر مما فيه من الفصحى. وانضم إليهم في ذلك للأسف الشديد كثير من معلمي اللغة العربية، وتجري المناقشة بينهم وبين الطلاب بهذا الخليط المشوَّه من الكلام.
يحدث هذا على الرغم مما تمثله دور التعليم من قدوة ومثل أعلى يُرجى منه أن ينصلح حال اللسان العربي على يديه.
في الوقت الذي أمكن فيه التحكم في كثير من الظواهر بشكل علمي فإن أمور حياتنا اللغوية ما تزال في أغلب جوانبها بعيدة عن الأسلوب العلمي الجاد، ومن هنا نقول إن تعليم اللغة العربية في حاجة الآن إلى كثير من الدراسات العلمية الواقعية المتنوعة التي تتناول بأسلوب علمي فلسفة تدريسها ومداخل تعليمها وطرائق تدريسها.
وفي الوقت الذي تغيرت فيه النظرة إلى اللغة وإلى تعليمها من كونها مجموعة من المعلومات والمعارف اللغوية الأكاديمية التي يتعلمها التلميذ عن اللغة إلى كونها أداءً لغويًّا يستند إلى مجموعة من المهارات اللغوية، و من المعلوم أن النظر إلى تعليم اللغة بوصفها مهارة يختلف تمامًا عن تعليمها بوصفها مجموعة من المعلومات والمعارف المتفرقة، لذا نعجب من أننا نجد أنفسنا ما زلنا ندور في الفلك التقليدي لتعليم لغتنا دون مدخل علمي وهو العرف الذي استقرت عليه المناهج منذ سنوات طويلة في تعليم اللغة العربية في كل الدول العربية تقريبًا، ونادت مؤتمرات التطوير بإعادة النظر فيه، هذا العرف الذي يفصِّل المادة إلى فروع متوازية هي القراءة والنحو والأدب والنصوص والإملاء والتعبير...إلخ وهو عرف لا يتمشى مع كون اللغة العربية كلاًّ متكاملاً وأن النمو اللغوي عملية تكاملية تراكمية.
لذا فالرؤية المقترحة رؤية جديدة لتعليم اللغة في ضوئها يمكن إعادة النظر بشكل جذري وثوري في تعليم اللغة العربية فيى مدارسنا بحيث تتغير الصورة تمامًا إلى الدرجة التي يمكن أن نكتشف معها أننا لم نكن نُعلِّم اللغة على الإطلاق لأننا كنا ننطلق في تعليمها من غير منطلق علمي، وفي غيبة منظور علمي يستند إلى مبادئ وحقائق وأسس ومسلمات لا تقبل الجدل.
إن البداية الصحيحة لكل من يتصدّى لتعليم اللغة وتدريسها أن يتعرَّف بوضوح وبشكلٍ إجرائي مدخلَه العلمي الفلسفي وطريقته وفنِّيَّاته وإجراءاته لتدريس اللغة وتعليمها .
مع القرن العشرين وازدهار الثورة الصناعية و تطور الاكتشافات العلمية والتقنية، أضحت اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الإنجليزية ذات قيمة كبرى في التواصل ونقل التكنولوجيا. واقترنت هذه اللغات بتطور الاقتصاد الرأسمالي والمخترعات الحديثة وتقنيات التواصل الرقمي والفضائي والإعلامي، و ترتب على هذا أن أصبحت اللغة الإنجليزية أداة للتدريس في الجامعات والتكوين والتراسل والدخول في العولمة واستيراد الأسلحة ونقل نتائج الطب ونظريات العلوم والآداب. وهُمِّشَت اللغات الوطنية للشعوب المغلوبة على أمرها كالدول العربية والإفريقية والآسيوية. وكل من أراد أن يتحضر أو يريد الحصول على الشغل فلابد أن يتمكن من اللغات الأجنبية لمسايرة متطلبات الانفتاح وجدلية التواصل وخصوصيات العالم الجديد الذي يسبح في قرية صغيرة وعالم جديد ذي القطب الواحد.
إن مؤسساتنا ومعاهدنا وجامعاتنا التي لم تعد قادرة على مواكبة التطورات العلمية الهائلة والمخترعات التقنية العديدة التي شهدتها العقود الأخيرة وخاصة في مجال المعرفة الرقمية والاتصالات والاقتصاد. وأصبحت اللغة العربية عاجزة عن منافسة اللغات الأجنبية ومن بينها الإنجليزية التي أصبحت لغة العلم والتكنولوجيا. والسبب في ذلك قصور العرب والمسلمين عن الإبداع والاختراع والاكتشاف، والاتكال على الغرب في استيراد النظريات ونقل التكنولوجيا والمعارف العلمية التي استوجبت الإلمام بهذه اللغات للتدريس بها، والتعامل بها في الأسواق والإدارة ومراكز التعليم. وكان من نتائج هذا أن تخلى الباحثون العرب والعلماء المسلمون عن توظيف اللغة العربية لأنها لم تعد لغة العلم، كما أن جل المخترعات والمنجزات المعرفية والفنية والأدبية تكتب باسم أصحابها وبمصطلحات أجنبية من الصعب ترجمتها أو تعريبها أو تحويرها توليدا أو اشتقاقا. كما أن اللغة لها علاقة جدلية بالفكر، فكلما كان هناك إبداع فكري متطور كانت اللغة على حال هذا الفكر، وكلما انحط الفكر كانت اللغة على منواله منحطة ومتخلفة وعاجزة عن المواكبة والمسايرة.
إن من الأسباب التي تجعلنا أيضا غير قادرين على الإبداع العلمي والإنتاج التكنولوجي والثقافي باللغة العربية تبعيتنا للغرب حيث أصبحنا نسير في فلك دول المركز نستورد كل شيء من هذه الدول المتقدمة، ومن ثم صرنا عالة على غير مستهلكين غير منتجين ولا مبدعين.كما أن انعدام الوعي وعدم الثقة في قدراتنا وعدم الاعتزاز بلغاتنا يمنعنا من التعبير بالعربية ونلتجئ إلى اللغات الأخرى قصد إعداد البحوث والمقالات والكتب قصد اللحاق بالركب الحضاري العالمي .
وقد دفعت العولمة كثيرا من اللغات الوطنية للشعوب الضعيفة المغلوبة أوالتابعة لدول الشمال أو المنطوية على نفسها انغلاقا وحصارا إلى الاندثار والموت، وبالتالي تعززت اللغة الإنجليزية باعتبارها لغة الحضارة والحياة المعاصرة والتواصل العالمي؛ مما أثر ذلك سلبا على الإنسان العربي ولغته التي لم تعد قادرة على المواكبة الفورية للمستجدات المعرفية والعلمية والتقنية المعاصرة الهائلة في زخمها الإنتاجي بعد تطور الوسائل الرقمية والأقمار الفضائية الاصطناعية بسبب انعدام الاستراتيجيات السياسية والتربوية الحقيقية الكفيلة بتطوير اللغة العربية وتهذيبها وجعلها لغة العلم والتقنية والتدريس والمعاملات الإدارية والاقتصادية.
إن كلية دار العلوم جامعة القاهرة تحمل على عاتقها على مدى أكثر من مائة وأربعين عاما همومَ العربية وقضاياها، وقد عقدنا عدة مؤتمرات وندوات تتدراس أمر اللغة العربية وواقعها ومستقبلها ومستقبل تعليمها، وكان من آخرها مؤتمران لهما علاقة بما نتحدث عنه ؛ أما الأول فكان بعنوان اللغة العربية في التعليم العام، وعقد عام 2004م، وأما الثاني فكان بعنوان التعليم باللغات الأجنبية في العالم العربي، وعقد عام 2006 م، اجتمع في كل مؤتمر أربعون باحثًا عربيًّا من الكويت وسوريا والأردن والسعودية واليمن و مصر والسودان و ليبيا والمغرب، ومن علماء التربية والنفس والاجتماع واللغة.
وقد خرج المؤتمران بعدد من التوصيات من أهمها :
1)  وجوب الانطلاق إلى منظومة الإصلاح اللغوي على المستوى العربي من خلال الاتفاق على تبني آليات مناسبة في تطوير مناهج اللغة العربية في التعليم العام والعالي، إلى جانب دراسة تجارب تعريب العلوم في بعض بلادنا العربية من باب الدعم والتشجيع والإفادة، إلى جانب وجوب النظر في دور خريطة الإعلام في سياق نشر لغتنا بين أبنائها على غرار ما تصنفه بعض المراكز المتخصصة من نشرها بين الناطقين بغيرها بصور منهجية عصرية جادة.
2)  تجاوز قضية التوصيات وثقافة الكلام إلى ثقافة الإنجاز والعمل، والاتجاه إلى تحديد مشروعات، وصناعة برامج عمل عربية، تمثل إرهاصًا حقيقيًّا للتكامل العربي المنشود باعتباره الخيار الوحيد لأبناء هذه الأمة حين يصححون المسارات التعليمية عبر برامج الإصلاح من الداخل، مع رفض أي تدخل أجنبي أو ضغوط من الخارج أيا كانت صورها ومصادرها في مناهجنا العربية، وإن حدث عرضًا، نتيجة احتلال أو هيمنة مؤقتة، فمن المتوقع أن يظل الأمر بمثابة جملة اعتراضية لا تعطل مسار الذاكرة القومية، حين تجنح إلى الاحتفاظ بأغلى ممتلكاتها وأبرز مقومات الهوية والكيان لدى أبنائها بما يجب التنبه إلى ما ورائها من أخطار يجب تداركها على الفور.
3)  إعادة النظر في مناهج مدارس اللغات، وتنقيتها، وبسط سيادة الدول العربية ممثلة في وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي على مقررات هذه المدارس، واساليب التقويم فيها، واعتماد درجاتها العلمية، وأن يكون للغة العربية موضع الصدارة في هذه المدارس، ولا تُهمل أو تُحْصَر في زاوية ضيقة.
4)  يُخاطَب القادرون والغيورون على العربية من أبناء هذا الوطن وهم كُثْر، في محاولة إنشاء مدارس حديثة بمصروفات، تقوم بتدريس اللغة العربية واللغات الأجنبية، ويُراعى فيها مظاهر الجذب الموجودة في المدارس الأجنبية، ويقترح المؤتمر أن تدخل هذه المدارس تحت منظومة التعليم الموازي، ويخضع لإشراف الدولة ووزارة التربية والتعليم، ويتمتع طلاب هذه المدارس بنفس الامتيازات الممنوحة للطلاب في مدارس اللغات الأجنبية.
5)  محاولة وضع منظومة تعليمية متكاملة ذات خطوات علمية محددة تقود كل واحدة إلى الأخرى، ووضع الخطوات الإجرائية والتنفيذية لهذا المشروع، ثم يُطبق على بعض الدول العربية، ويعمم فيما بعد.
6)   للتعليم رافد واحد، ويترتب على تعدد الروافد التعليمية ضياع شخصية اللغة ثم الأمة، ومن ثَمَّ يتأثر الرأي العام.
7)  أن تتم الاستعانة بآلات التقنية الحديثة، والحاسوب، ووسائل الجذب في شد انتباه التلاميذ، وإصلاح حال المعلم، والارتقاء به نفسيا وماديا وعلميا وإلمامه بعلوم العصر وفنونه، فلابد من تزويد معلمي اللغة العربية بثقافة العصر وتدريبهم على استخدام أحدث التقنيات في تدريس العربية .
8)  ضرورة الاهتمام بالترجمة بوصفها أداة للتفاعل بين الثقافات، ونقل معارفنا وعاداتنا وقيمنا إلى الآخر، وكما نأخذ نعطي، ويصل إلينا فكر الآخر، ومظاهر تقدمه العلمي، ويراعى إسهام الكليات المعنية بدراسة اللغات والترجمة في هذا الجانب، وبيان البحوث الحديثة، ووسائل التشويق والجذب، والعوامل التي تلقي في نفوس الطلاب حب لغتهم القومية، والأخذ بقدر مقبول من اللغات الأخرى.
9)  على وسائل الإعلام بث الوعي، ونمو الشعور القومي في نفوس أبناء العربية وإقناعهم بأنها لا تقل أهمية عن غيرها من اللغات التي يعتز بها أهلها، ويستعملونها في تدريس العلوم النظرية والتجريبية.
10)  زيادة مساحة عدد الساعات التي تستخدم العربية في وسائل الإعلام لترسيخ ملكات النمو اللغوي والمهارات اللغوية والقدرة على الإبداع لدى الطلاب.
11)  بناء أهداف تعليم اللغة العربية في مراحل التعليم العام على نحو محدد قابل للتطبيق، مع مراعاة النظر المستقبلي في إعداد هذه الأهداف.
12)  جعل اللغة العربية لغة التعليم الجامعي والعام في جميع التخصصات في البلاد العربية؛ حفظًا للهوية العربية والإسلامية، وتفعيلا لإبداع العقلية العربية.
13)  الدعوة الملحة إلى تكامل الجهود العلمية في البلاد العربية في سبيل إنشاء مركز لعلم اللغة التطبيقي، يقوم بمهام البحوث التطبيقية، ويعمل على الإفادة من بعض المعطيات التي تتوافق مع لغتنا الشريفة، وذلك من أجل تجاوز مبدأ التنظير إلى ميدان التطبيق في حقل تعليم اللغة العربية.
14)  تخصيص بعض المدارس في المراحل التعليمية المختلفة لتجريب طرائق التدريس الجيدة، ومن أهمها التعلم التعاوني، حل المشكلات، التعلم بالنشاط.
15)  بناء جسور من العلاقات بين وزارات التربية والتعليم، وبين أقسام اللغة العربية في الجامعات العربية؛ للإفادة من الكفايات الأكاديمية في تلك الأقسام عند بناء المناهج وتأليف الكتب الدراسية. إن تعاون اللغويين والتربويين والعاملين بالتعليم أمر ضروري لتحقيق أهداف العملية التعليمية وتطويرها باستمرار.
16)  إن اللغة العربية ليست ـ ولا ينبغي أن تُعَدّ ـ فحسب مادة دراسية كغيرها من المواد التي تدرَّس بالتعليم يمتحن فيها الطالب ويقدر على استظهارها، بل هي أداة للتعليم في كل مراحل حياة الطالب في المدرسة وفي الجامعة، وفي العمل وفي كل شئون الحياة . إنها أداة يفكر بها ويعبر بها ويؤثر بها، بل قل يقضي كثيرًا من حاجاته بها.
17)  إذا كان للغة العربية هذا الدور المؤثر في حياتنا التعليمية والعلمية والثقافية فلابد أن تلقى دعمًا وعناية من كل أفراد المجتمع وهيئاته ومؤسساته جميعًا لا مسئولية الوزارة المعنيَّة فحسب أو مسئولية معلم العربية وحده، وينبغي ألا تُزاحَم بالعامية أو يُسْتَبْدَل بها غيرها من اللغات.

****



(*) الأستاذ المتفرغ بكلية دار العلوم ، وعميدها السابق.