الأحد، 30 نوفمبر 2014

الطاهر مكي ناقداً‮ ‬ومبدعاً‮ ‬في رسالة جامعية



             قليلة هي الرسائل الجامعية التي تتناول السيرة العلمية لشخصية لها حضور مؤثر في حياتنا الثقافية،ومن هنا تجيئ أهمية الرسالة المقدمة لقسم اللغة العربية،‮ ‬جامعة جنوب الوادي،‮ ‬التي تدور حول المسيرة العلمية للدكتور الطاهر مكي،‮ ‬وحملت عنوان‮ »‬الطاهر مكي ناقداً‮ ‬ومبدعاً‮« ‬حصلت عنها الباحثة مني عبدالعظيم محمد،‮ ‬علي درجة الماجستير بإشراف الشاعر الدكتور محمد أبوالفضل بدران أستاذ النقد الحديث،‮ ‬والدكتور السيد محمد علي‮.‬
جاءت الرسالة في ثمانية فصول،‮ ‬في الأول تناولت الباحثة السيرة الذاتية للدكتور مكي صورت فيه الكثير من العوامل الحياتية التي أثرت في كتاباته،‮ ‬وجعلته صاحب أسلوب متميز من بين أقرانه،‮ ‬وكان من بين هذه العوامل،‮ ‬القرية،‮ ‬مسقط رأس د‮. ‬مكي،‮ ‬بما تحمله من ظروف نشأته،‮ ‬وتعليمه،‮ ‬يليها الصحافة التي تعلق بها د‮. ‬مكي منذ صباه،‮ ‬وعلي المدي البعيد نجد شاعر الربابة،‮ ‬والذي كان‮ ‬يتشوق د‮. ‬مكي لسماعه في مولد الأمير‮ ‬غانم،‮ ‬وأخيراً‮ ‬كانت البعثة إلي اسبانيا والتي عرف من خلالها نوعاً‮ ‬آخر من الأدب،‮ ‬وهو الأدب الأندلسي‮.‬
واختتمت الباحثة هذا الفصل بالحديث عن أهمية ما أنجزه د‮. ‬مكي من مؤلفات علي المستوي العربي،‮ ‬حيث إنه أثري المكتبة العربية بالعديد من الكتب في جميع المجالات‮: ‬النقد،‮ ‬الأدب المقارن،‮ ‬الأدب الأندلسي،‮ ‬الأدب العربي،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن ترجماته لكثير من المستشرقين في لغات مختلفة‮.‬
وفي الفصل الثاني تناولت الدراسة جهود الطاهر مكي في مجال النقد،‮ ‬قامت الباحثة بتحليل كتبه‮  ‬في مجال الأدب المقارن وحملت عنوان‮ (‬مجالات البحث في الأدب المقارن‮)‬،‮ ‬وكانت في‮: ‬الترجمة،‮ ‬الكتب والموضوعات،‮ ‬الرحلة والرحالة‮ (‬الوسطاء،‮ ‬الكتّاب،‮ ‬والمؤلفون‮) ‬دراسة التأثير والتأثر‮.‬
وبعد أن انتهت الباحثة من ذلك،‮ ‬عقدت مقارنتين أولاهما بين المتنبي،‮ ‬وابن هانئ،‮ ‬والأخري بين ملحمتي‮ (‬السيد والسيرة الهلالية‮) ‬كما قامت بتحليل ودراسة كتاب‮ (‬الأدب الإسلامي المقارن‮) ‬باعتباره أحد فروع الأدب المقارن‮.‬
وتعرضت الباحثة لمجموعة من نظريات الأدب المقارن التنظيري ومنها‮: ‬نظرية هردر،‮ ‬نظرية تين،‮ ‬نظرية زولا،‮ ‬نظرية تكست‮.‬
وفي حقل المقال جاءت مقالات د‮. ‬مكي وهي كثيرة ومتعددة،‮ ‬منها المقال الأدبي،‮ ‬المقال اللغوي،‮ ‬المقال السياسي‮.. ‬كما كان له نوع آخر من الإبداع وضعته الباحثة تحت عنوان‮ (‬مقدمات الكتب‮) ‬حيث قدم مكي للكثير من الكتب في مجالات مختلفة،‮ ‬كان ضمن ما قدم كتاب‮ (‬بابلو نيرودا شاعر الحب والنضال‮).‬
ومن بين جهود د‮. ‬مكي العلمية أيضاً‮ ‬ما قدمه للدراسات الأندلسية حيث كان الأدب الأندلسي،‮ ‬إحدي البصمات المميزة في أعمال د‮. ‬مكي،‮ ‬فقامت الباحثة بتحليل ودراسة كتاب‮ (‬دراسات عن ابن حزم الأندلسي وكتابه طوق الحمامة‮)‬،‮ ‬وبينت علاقة هذا الكتاب بالمخطوطة الأساسية وهي‮ (‬طوق الحمامة في الألفة والآلاف‮) ‬لابن حزم الأندلسي القرطبي‮.‬
ومن جهود د‮. ‬مكي في الترجمة،‮ ‬أفردت الدراسة له العديد من التراجم‮..‬
عن الفرنسية‮: ‬الشعر الأندلسي في عصر الطوائف‮ (‬هنري بيريس‮)‬،‮ (‬الحضارة المصرية في اسبانيا‮) ‬ليفي بروفنسال،‮ (‬هذه المرأة لي‮) ‬رواية لجورج سيمنون،‮ ‬مع مقدمة عن حياته وفنه،‮ ‬والرواية البوليسية عامة صدرت عن كتاب الهلال عام‮ ‬1989
وعن الإسبانية ترجم‮: ‬من شعراء الأندلس والمتنبي‮ (‬إمبليو‮ ‬غرسيه‮ ‬غومث‮)‬،‮ ‬الفن العربي في اسبانيا وصقلية فون شاك،‮ ‬والشعر العربي في إسبانيا وصقلية‮) ‬مناهج النقد الأدبي‮ (‬انريك اندرسون‮) ‬ملحمة السيد،‮ ‬التربية الإسلامية في الأندلس أصولها المشرقة وتأويلاتها الغربية‮ (‬خوليان ريبيرا‮).‬
وعن الإنجليزية ترجمة الرمزية‮ (‬أنابلكيان‮)‬،‮ ‬الثقافة واللغة والتعليم في مصر الحديثة‮ (‬لويز آرمين‮).‬
وفي مجال التحقيق‮: ‬حقق‮ (‬طوق الحمامة في الألفة والآلاف لابن حزم الأندلسي والأخلاق والسير في مداواة النفوس،‮ ‬تحفة الأنفس في شعار سكان الأندلس لابن هذيل‮.‬
وفي مجال الإبداع،‮ ‬كان عمله‮ (‬السلطان‮ ‬يستفتي شعبه وحكايات أخري،‮ ‬بابلونيرودا شاعر الحب والنضال‮.‬
وعن نشاطه الثقافي،‮ ‬تم انتخاب د‮. ‬مكي عضواً‮ ‬بمجمع اللغة العربية،‮ ‬كما تم اختياره عضواً‮ ‬بالمجلس القومي للثقافة والفنون والآداب،‮ ‬وعضواً‮ ‬بلجنة منح الجوائز العربية‮ (‬العويس في الإمارات،‮ ‬البابطين،‮ ‬التقدم العلمي بدولة الكويت‮).‬
حصل د‮. ‬مكي علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي عام‮ ‬1990،‮ ‬جائزة الدولة‮ ‬التقديرية عام‮ ‬1992





الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

طوق الحمامة.. لسان الحب في كل العصور


يعد كتاب «طوق الحمامة في الألفة والألاف» من أروع وأجمل ما خط من أدب العصر الوسيط في دراسة الحب، وقد كتبه فقيه وعالم وشاعر أندلسي من قرطبة هو ابن حزم الأندلسي الذي عرف بدفاعه عن المذهب الظاهري، لتحليله ظاهرة الحب، وأبعادها الإنسانية الواسعة، ولقدرته على سبر طبائع البشر وأغوارهم. وقد اكتسب الكتاب شهرة واسعة وترجم إلى عدة لغات في المشرق والمغرب، ما جعل منه لسان الحب في كل العصور.
مفهوم فلسفي
«طوق الحمامة» كتاب في الحب، وفي السيرة الذاتية، يقترب من الجانب العاطفي من حياة ابن حزم، والحياة العاطفية لعدد من معاصريه ورفاقه ممن شغلوا مناصب رفيعة في الإدارة والقضاء والجيش في أيامه، كما جمع ابن حزم في كتابه ما بين الفكرة بمفهومها الفلسفي وما بين الواقع التاريخي..
فكان بذلك محلقاً بأفكاره، وراسخاً على الأرض بقدميه، جريئاً وصريحاً ومتحرراً من الخوف ومن التزمت، وقد دعم أفكاره بحكايات سمعها أو عاشها، واختار لها العديد من الأشعار المناسبة. ولم تفقد النتائج التي توصل إليها بريقها إلى اليوم، وهي تقف اليوم في مستوى أرقى الدراسات عن الحب.
رحلة الكتاب
يشير الدكتور الطاهر أحمد مكي أنه في نهاية النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي، قام السفير الهولندي المستشرق فون وارنر بدراسة المخطوطات العربية خلال فترة انتدابه سفيراً في الأستانة من سنة 1644 إلى 1665 م،..
وفي ذلك الوقت توفي حاجي خليفة الذي كان يملك واحدة من أكبر مكتبات الأستانة، فاشترى فون وارنر الكثير من المخطوطات ممن آل إليهم أمر مكتبة حاجي خليفة فكان من بين هذه المخطوطات مخطوط «طوق الحمامة»، الذي قُدر له أن يستقر في مكتبة ليدن بهولندا، لمدة 175 عاماً، إلى أن جاء مطلع القرن التاسع عشر، حيث قام المستشرق الهولندي رينهارت بإصدار أول طبعة لفهرس المخطوطات العربية في جامعة ليدن، عرف العالم من خلالها مخطوطة «طوق الحمامة».
النص العربي
ودام الحال إلى أن قام المستشرق الروسي د. ك. بتروف بنشر النص العربي لطوق الحمامة كاملا، في سلسلة كتب كانت تصدرها كلية الآداب في جامعة بطرسبرج. وطبع في مطبعة «بريل» العربية في ليدن عام 1914. وبعد سبعة عشر عاماً قام السيد محمد ياسين عرفة، صاحب مكتبة عرفة في دمشق، بطبع النص العربي ثانية عام 1930..
ولم يجر تغييراً كبيراً عن نسخة بتروف، إلى أن صدرت الطبعة الثالثة عام 1949 على يد المستشرق الفرنسي ليون برشيه في الجزائر، وبعدها بعام، أي عام 1950 قام الأستاذ حسن كامل الصيرفي بطباعة النسخة الرابعة للكتاب في القاهرة. لكن هذه الطبعة جاءت أسوأ مما صدر من طبعات، لجهل الصيرفي بتاريخ الأندلس وحضارتها.
طبعات أخرى
ومن ثم تقدم الدكتور الطاهر أحمد مكي بضبط نص الكتاب وتحرير هوامشه، في طبعة صدرت عن دار المعارف المصرية عام 1975، وفي عام 1993 حقق الدكتور إحسان عباس الكتاب ونشره، وهناك طبعات أخرى كثيرة، كما قام الدكتور حاتم بن محمد الجفري بوضع كتاب عام 2009 بعنوان «الحب..أعزك الله.
.قراءة جديدة ورؤية معاصرة لكتاب طوق الحمامة في الألفة والألاف». وحين وقف المستشرق دوزي على كتاب ابن حزم استكثر على العرب وعلى المسلمين هذا المؤلف برغم علمانيته وعدم تعاطفه مع الكنيسة ورجال الدين المسيحي، وقال إن هذا الغزل العفيف لا تعرفه الأخلاق العربية ولا الديانة الإسلامية وأنه تحدر إلى ابن حزم إرثاً من أجداده الأول المسيحيين، ما جعل المستشرق اسين بلاثيوس يتصدى له مفنداً آراءه في دراسة عن ابن حزم.
تعريف الحب
في بداية كتابه يحاول ابن حزم تعريف الحب فيقول: «الحب أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالته عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل. وقد أحب من الخلفاء المهديين والأئمة الراشدين كثير، منهم بأندلسنا عبدالرحمن بن معاوية لدعجاء، والحكم بن هشام وعبدالرحمن بن الحكم وشغفه بطروب أم عبدالله..
ومحمد بن عبدالرحمن وأمره مع غزلان أم بنيه عثمان والقاسم والمطرف معلوم، والحكم المستنصر وافتتانه بصبح أم هشام المؤيد بالله رضي الله عنه، وعن جميعهم، وامتناعه عن التعرض للولد من غيرها.. ومثل هذا كثير. ولولا أن حقوقهم على المسلمين واجبة، وإنما يجب أن نذكر من أخبارهم ما فيه الحزم وإحياء الدين..
وإنما هو شيء كانوا ينفردون به في قصورهم مع عيالهم فلا ينبغي الإخبار به عنهم، لأوردت من أخبارهم في هذا الشأن غير قليل». ويتابع ابن حزم تعريف الحب في فقرات أخرى: «والحب، أعزك الله، داء عياء، وفيه الدواء منه على قدر المعاملة، ومقام مستلذ، وعلة مشتهاة، لا يود سليمها البرء، ولا يتمنى عليلها الإفاقة».
علامات
ويستطرد «وللحب علامات يقفوها الفطن ويهتدي إليها الذكي. فأولها إدمان النظر، والعين باب النفس الشارع، وهي المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها، والمعربة عن بواطنها، فترى الناظر لا يطرف، يتنقل بتنقل المحبوب، وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال.
ومن علاماته أنك ترى المحب يحب أهل محبوبه وقرابته وخاصته حتى يكونوا أحظى لديه من أهله ونفسه ومن جميع خاصته. والبكاء من علامات المحب ولكن يتفاضلون فيه. فمنهم غزير الدمع هامل الشؤون، تجيبه عينه، وتحضره عبرته إذا شاء.
 ومنهم جَمود العين، عديم الدمع، وأنا منهم. ومن علاماته أنك تجد المحب يستدعي سماع اسم من يحب، ويستلذ الكلام في أخباره، ويجعلها هجيراه، ولا يرتاح لشيء ارتياحه لها، ولا ينهنهه عن ذلك تخوف أن يفطن السامع، ويفهم الحاضر، وحبك الشيء يعمي ويصم. فلو أمكن أن لا يكون حديث في مكان يكون فيه إلا ذكر من يحبه لما تعداه، ومن عجيب ما يقع في الحب طاعة المحب لمحبوبه، وصرفه طباعه قسراً إلى طباع من يحب.
وترى المرء شرس الخلق، صعب الشكيمة، جموح القيادة، ماضي العزيمة، حمي الأنف، أبي الخسف، فما هو إلا أن يتنسم نسيم الحب، ويتورط غمره، ويعوم في بحره، فتعود الشراسة ليانًا، والصعوبة سهولة، والمضاء كلالة، والحمية استسلاماً».
وابن حزم يطيل العجب من كل من يدعي أنه يحب من نظرة واحدة، يقول: «ولا أكاد أصدقه، ولا أجعل حبه إلا ضرباً من الشهوة..
وأما أن يكون في ظني متمكناً من صميم الفؤاد، نافذاً في حجاب القلب، فما أقدر ذلك، وما لصق بأحشائي حب قط إلا مع الزمن الطويل، وبعد ملازمة الشخص لي دهراً، وأخذي معه في كل جد وهزل.. وكذلك أنا في السلو والتوقي. فما نسيت وداً لي قط، وإن حنيني إلى كل عهد تقدم لي ليغصني بالطعام ويشرقني بالماء. وقد استراح من لم تكن هذه صفته».
حديث الوصل
ويتحدث عن الوصل : «ومن وجوه العشق الوصل، وهو خط رفيع، ومرتبة سرية، ودرجة عالية، وسعد طالع، بل هو الحياة المجددة، والعيش السني، والسرور الدائم، ورحمة من الله عظيمة. ولولا أن الدنيا دار ممر ومحنة وكدر، والجنة دار جزاء وأمان من المكاره، لقلنا إن وصل المحبوب هو الصفاء الذي لا كدر فيه، والفرح الذي لا شائبة فيه ولا حزن معه، وكمال الأماني ومنتهى الأراجي..
ولقد جربت اللذات على تصرفها، وأدركت الحظوظ على اختلافها، فما للدنو من السلطان، ولا للمال المستفاد، ولا الوجود بعد العدم، ولا الأوبة بعد طول الغيبة، ولا الأمن بعد الخوف، ولا التروح على المال، من الموقع في النفس، ما للوصل بعد طول الامتناع، وحلول الهجر، حتى يتأجج عليه الجوى، ويتوقد لهيب الشوق، وتتضرم نار الرجاء..
وما أصناف النبات بعد غِبّ القطر، ولا إشراق الأزاهير بعد إقلاع السحاب الساريات، ولا خرير المياه المتخللة لأفانين النوار، ولا تأنق القصور البيض وقد أحدقت بها الرياض الخضر، بأحسن من وصل حبيب قد رضيت أخلاقه، وحمدت غرائزه، وتقابلت في الحسن أوصافه».
نزوع عُذري
كلمات ابن حزم لا ينقصها لتكون قد كتبت اليوم سوى تحديث بالعبارات لا أكثر، لأن المعاني فيها غضة نضرة تعبر عن القلب البشري بتباريحه وشجونه، وفي كل زمن. ولا يكتفي ابن حزم بالتنظير، وإنما ينقل أخباراً شتى عن المحبين، ومنهم هو بالذات فيحدثنا عن عشقه لبعض الجواري اللواتي عملن في بيته أو بيت أهله، وكان والده من وجهاء قرطبة، ووزيراً لحاكمها في وقت من الأوقات.
الشاعر الفقيه
علي بن حزم الأندلسي ولد في قرطبة 384 هـ، وتوفي 456 للهجرة، ويعد من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفاً وتأليفاً، وهو إمام حافظ، فقيه، ومتكلم، أديب، وشاعر، وناقد محلل، بل وصفه البعض بالفيلسوف. كان وزيراً سياسياً، من كتبه: «الفصل في الملل والأهواء والنحل»، «المحلى شرح المجلى»، «الإحكام في أصول الأحكام»، «الرسالة الباهرة»، «ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل».
شعرية العنوان
يأتي عنوان الكتاب «طوق الحمامة» منكفئاً على الشعرية والغموض، إنه عنوان شعري خالص، يفتح أبواباً للتأويل والتحليق، لما يملكه من طاقة إيحائية لا تنكر.
وبغض النظر عن دلالة الحمامة التي طالما كانت رسول المحبين، وطالما مثلت الكائن البريء الرقيق الذي غالبا ما تُسقَط عليه مشاعر التعاطف والفهم والتعزي، وبغض النظر أيضاً عن دلالة الطوق بما هو سمة جمالية، وحصار من الألفة والاحتواء فإن بقية العنوان أو فرعه في الأُلْفة والأُلاّف، فيميل غالباً إلى الوضوح والتحديد، ويشير إلى معالجة الكتاب لعلائق وصلات قد تكون أعم من الحب ودرجاته.
شيم الكرام
يقول ابن حزم في «طوق الحمامة»، «من حميد الغرائز، وكريم الشيم، وفاضل الأخلاق في الحب وغيره الوفاء، وإنه لمن أقوى الدلائل، وأوضح البراهين على طيب الأصل وشرف العنصر، وهو يتفاضل بالتفاضل اللازم للمخلوقات». وفي باب البين، أو الفراق، يكتب فقيه قرطبة قائلاً:
«وقد علمنا أنه لابد لكل مجتمع من افتراق، ولكل دان من تناء. وتلك عادة الله في العباد والبلاد، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين. وما شيء من داوهي الدنيا يعدل الافتراق، ولو سالت الأرواح به فضلاً عن الدموع كان قليلاً. وسمع بعض الحكماء قائلاً يقول: الفراق أخو الموت، فقال: بل الموت أخو الفراق!».
أبواب الكتاب
ضم الكتاب مجموعة أبواب، من ضمنها؛ باب ذكر من أحب في النوم، باب من أحب من نظرة واحدة، باب التعريض بالقول، باب الإشارة بالعين، باب المراسلة، باب السفير، باب الإذاعة، باب العاذل، باب الوصل، باب الوفاء، وباب الموت. وخير ما ختم به ابن حزم كتابه باب الكلام في قبح المعصية، وباب الكلام في فضل التعفف استشهد فيهما بالآيات والأحاديث عن قبح المعصية وفضل التعفف، فلئن كان القلب يخرج عن طوع صاحبه ويميل ويحب والشخص غير ملوم على هوى قلبه فإنه يحاسب على فعله، كأنما الكاتب في هذين البابين يحاول أن يقول: «إذا فقدت قلبك، حاول أن لا تفقد عقلك».

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

الطاهر أحمد مكي ومحطات بين الأدب والأندلس وتحقيق التراث

       

       
                  الدكتور الطاهر أحمد مكى أحد رواد مدرسة دار العلوم تعدد نشاطه بين الصحافة التى بدأ فيها العمل مبكرا وهو مازال طالبا حيث محرراً ومصححاً فى العديد من صحف ما قبل ثورة يوليو 1952، وبين الأدب العربى فى كل العصور إن كانت دراساته فى الأدب الأندلس أكثر وأغزر وأعم ..هو من الرعيل الأول الذين ابتعثوا إلى الأندلس عقب تخرجه فى كلية دار العلوم عام 1952 ويمكث هناك قرابة التسع سنوات تواجهه الصعاب حتى انتصر عليها وعاد إلى مصر ليعمل أستاذاً للدراسات الأدبية فى ذات الكلية، وتبدأ رحلته فى البحث العلمى لينتج كتبا طبعا عشرات المرات وهى التى طبقت شهرتها الآفاق فى الشرق والغرب منها ما هو محقق ومؤلف ومترجم .  ولد الطاهر أحمد مكي بمدينة إسنا بمحافظة قنا فى السابع من أبريل 1924م، تخرج في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة مع مرتبة الشرف 1952م ، ثم حصل على الدكتوراه بامتياز فى الآداب والفلسفة بتقدير ممتاز من كلية الآداب بمدريد 1961م، فهو من الرعيل الأول الذين درسوا الأدب الأندلسي فى عقر داره، منهم: محمود على مكي، وأحمد هيكل، وغيرهم..  عمل مدرساً، فأستاذاً مساعداً، فأستاذاً، فرئيسا لقسم الدراسات الأدبية، فوكيلاًً للكلية للدراسات العليا والبحوث في كلية دار العلوم .  أثرى المكتبة العربية بالعديد من الأعمال القيمة وتنوعت من التأليف والترجمة والإبداع والترجمة فى كل العصور الأدبية القديمة والحديثة، الشعر والنقد والقصة والرواية  من أشهرها: "امرؤ القيس حياته وشعره"، و"دراسات فى مصادر الأدب"، و"دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة"، و"ملحمة السيد"، و"القصة القصيرة: دراسات ومختارات"، و"الشعر العربي المعاصر، روائعه ومدخل لقراءته"، كما ترجم عن الفرنسية "الحضارة العربية فى أسبانيا "للمستشرق ليفي بروفنسال، وعن الأسبانية أعمال كبار المستشرقين من أمثال: "غومث"، و"ريبرا" من أشهرها: "مع شعراء الأندلس والمتنبي"، لغرسيه غومث، "التربية الإسلامية فى الأندلس لـ"خوليان ريبيرا" كما أنه عضو فى العديد من الهيئات منها: مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضو مجلس إدارة دار الكتب المصرية وغيرها ..     وكان الهروع إليه فى دوحته بين كتبه وأبحاثه، يستنشق عبير الذكريات ويستقبل أصدقائه وأبنائه الدارسين، يجيب عليهم في تواضع جم، وتحدثنا معه عن مشكلات الأدب والأدباء اليوم وعن ذكرياته الأندلسية وعلاقته بالمستشرقين وعن تحقيق التراث العربي وهمومه.   لماذا غابت القدوة الأدبية اليوم عما ذي قبل؟ - تراجعت فى مصر أشياءً كثيرة ومنها الأدب والإنسان ثمرة التكوين والتربية والمناخ  والعظام الذين سبقوا الثورة ، ونقتدي بهم ونراهم، تكونوا على ثقافة حقيقية فى مناخ ديمقراطي أو بمعنى (الأدب لم يكن مؤمما) وإذا أردنا أن ننهض ونستعيد مكانتنا فيجب عمل الأتي: 1)    ثقافة حقيقية يتربى عليها الأديب. 2)    طموحات عظمى يحلم بها الأديب. 3)    مناخ ديمقراطي يسمح له بأن يعبر عن هذه الطموحات الكبرى فيجيء تعبيره يمثل الطموح الذى يصبو إليه ..    وفى غياب الأصيل، تسود البضاعة الفاسدة عند غيبة البضاعة الجيدة ولكي تظهر شخصية أدبية عظيمة لابد أن تتغذى غذاءً جيداً، فالغذاء ملوثاً ويأتي الناتج ملوثاً، وهناك هيئات كثيرة تشجع هذا التلوث، لا تريد فكراً قوياً، وإنما تريد أنصاف المثقفين الذين يشترون بمبالغ زهيدة لا تكلف كثيراً..   ومن مظاهر الديمقراطية التى نفتقدها حرية تكوين الأحزاب، كما أن الجمعيات الأهلية تعانى من التضييق ومن الرقابة وقبل ذلك كله وبعد لا يمكن أن تنهض فى ظل الأحكام العرفية ونحن منذ عام 1981م نعيش الأحكام العرفية ..   لماذا انحدر تحقيق التراث على هذه الحالة المزرية؟ - يتوازى مع النهضة العملية والأدبية ، بعث التراث القديم، وقد أفرزت مصر مدرسة تحقيق قديماً، عدداً لا بأس به من الأساتذة: مصريون وعرب تربوا فى مصر، ولكن أصابها ما أصاب قواعد التحقيق وقد ودعنا منذ عشر سنوات آخر الجنود العظماء وهو الدكتور محمود محمد الطناحى.   وماذا أسديت لهذا التراث العظيم؟ - مشكلتي أنني موزع الاهتمام، وأن التدريس بالجامعة يفرض على فرضاً اتجاهات معينة، ولكنني لم استطع أن أتوقف عن كتابين عظيمين، وهما: "طوق الحمامة في الألفة والآلاف" و"الأخلاق والسير في مداوة النفوس" وكلاهما لابن حزم الأندلسي وبين يدي كتابين آخرين "تحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس" لابن هُذيل، و"الوافي في علم القوافي" لأبى البقاء الرُندى – وهذا أول كتاب له بعد المرثية الشعرية العظيمة له التي قدمها الأستاذ محمد عبدالله عنان.   هناك في حياة د. الطاهر لحظة عظيمة وهى الأندلس، كيف كانت؟ وكيف تمثل فى حياتك؟ - كانت الأندلس والذهاب إليها نقطة التحول العملي، وقبل الوصول إليها كنت أحلم وأطمح، وبعد الوصول إليها أعطتني وسائل (آليات) تحقيق الطموحات والأحلام فهي تمثل محطة فاصلة فى تاريخ حياتي، رأيت عالماً جديداً، فشغلت بمعرفة الأسباب التي جعلته يصل إلى هذا الرقى والتي تمنيتها لوطني، واحترام الإنسان هناك شيئاً أساسياً مع أن احترام الإنسان  فى الأصل مبدأ إسلامي: (ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم فى البر والبحر) ولكن وجدت احترام الإنسان واقعاً موجوداً هناك مما هو موجود فى بلادنا ، هذا الانفتاح غذى ما عندي، وطعمه بزاد ما كان يمكن أن يتوفر لي لو لم أذهب إلى "أسبانيا"..   ما حقيقة ما يشاع هناك من تعصب وكره للعرب وضد اعتبار الفترة الإسلامية كجزء من التاريخ الأسباني؟ .. -  التعصب محصور داخل الكنيسة فقط ، أما الرجل الأسباني العادي إذا لم يكن عميلاً للكنيسة ، فلا يعرف هذا التعصب . ولكن ثمة شك فى أن هناك فترات أخرى عرفت فيها أسبانيا حرية واسعة كالعصر الجمهوري (1933 -1937) ولكن سقوط العصر الجمهوري وانتشار الفاشية كلف أسبانيا ثمناً غالياً فقتل عشرات الأدباء والمفكرين مثل "لوركا " ، وهجر ألاف منهم إلى أمريكا اللاتينية وأحدثوا ثورة مثل:"ليون فيليب"، و"روفائيل ألبرتى"، و"خوان رامون خمينيث"، وغيرهم ..   ما هي علاقتك بالمستشرقين فى الماضي والحاضر؟ - المستشرقون لا يكتبون لنا وإنما يكتبون لأهليهم ولأوطانهم و"الرائد لا يكذب أهله" كما هو شائع ، ولكن الذي يحدث أن بعضهم  غير متمكن من اللغة العربية، فلا يفهم النص ويبنى أحكاما على النص الخاطئ، فتجيء بعض أحكامهم خاطئة، ولكنهم لا يتعمدون الخطأ، لأنه فى الأساس لا يكتب ولا يتصور أن ما يكتبه سوف يقرأ فى بلادنا، هم طبعا يكتبون بحياد وموضوعية، لا يجاملون، ولا يسكتون عن أخطائنا ولا يزينون ما هو قبيح، أما كلامهم عن عصور الانحدار ومنها: العصر المملوكي مثلا فهم ينظرون إليه من منظور سياسي وإقتصادى وهم يضعون فى المقام الأول أين يقف النظام السياسي من مصلحة الشعب وهو نفس ما يطبقونه فى بلادهم ..    أما ذكرياتي معهم فهم أناس أساتذة فى جامعات تعاملوا معنا كطلاب فوجدنا منهم كل الرعاية وكل المعاونة ولم يظهر لنا فى أيه لحظة من اللحظات أي عداء أو إهمالاً أو تشفى وصادقت كثير منهم مثل "أميليو جارثيا غومث"، فهو الذى أشرف على دراساتي العليا هناك وغيرهم...
 اقرأ المقال الاصلى فى المصريون           حوار/ أبو الحسن الجمّال الأحد, 02 نوفمبر 2014 16:53

اقرأ المقال الاصلى فى المصريون : رابط المصدر.