الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

الطاهر مكي عن رحيل صنّاجة دار العلوم: خسارتنا كبيرة في غياب «أبوهمام»


أعرب الدكتور الطاهر أحمد مكي، رئيس قسم الدرسات الأدبية بكلية دار العلوم، بجامعة القاهرة، عن حزنه الشديد لفقدانه كنز الشعر الذي طالما كان حلمه توحد العرب وتماسكهم.
وأشار "مكى" في تصريحات صحفية مساء اليوم، إلى أن صنّاجة دار العلوم "أبو همام" كان أكاديمي في الشعر العربي، بالإضافة إلى أنه أحد الأصوات الشعرية المتميزة، وعمل على إصدار الكثير من الكتب من ضمنها 6 دواوين شعرية، وعمل على جمعها معًا في كتاب واحد.
وشدد على أنّ أشهر الدواوين التي ألّفها هي "الخوف من المطر"، و"لزوميات وقصائد أخرى"، و"هدير الصمت"، و"مقام المنسرح"، و"أغانى العاشق الأندلسى"، و"زهرة النار"، بالإضافة إلى العديد من الكتب في الدراسات الأدبية والنقدية، التي تم ترجمتها إلى اللغات الإسبانية والفرنسية.
كان الموت قد غيّب في الساعات الأولى من صباح أمس الثلاثاء، الشاعر الدكتور الدّرعمي المجمعي عبد اللطيف عبد الحليم الشهير بـ"أبو همام"، بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر 69 عامًا في مستشفى المنيل التخصصي بجزيرة الروضة.
وأبو همام تلميذ الأستاذ العقاد، وشيخ المحققين أبو فهر محمود شاكر، وهو أستاذ بقسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وعضو مجمع اللغة العربية، ومقرر اللجنة الدائمة للغة العربية لترقية الأساتذة المساعدين بالمجلس الأعلى للجامعات، وعملاق الكلمة والشاعر المفلق والناقد الحاذق.
ولد "أبو همام" عام 1945 في قرية طوخ دلكة، محافظة المنوفية، وحفظ القرآن، ثم التحق بالمعهد الأزهري بشبين الكوم, ثم بالمعهد النموذجي للأزهر بالقاهرة, ثم التحق بكلية دار العلوم وتخرج فيها 1970, وعين فيها معيدا، ثم حصل على الماجستير 1974, ثم سافر فى بعثة دراسية إلى جامعة مدريد عام 1976، وحصل منها على درجتي الليسانس والماجستير مرة أخرى، ثم على دكتوراه الدولة بتقدير ممتاز من جامعة مدريد 1983، وعاد إلى مصر وعين أستاذًا ورئيسا لقسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم.
المصدر: http://www.tahrirnews.com/life/details.php?ID=320986#.VJk9GUgKA

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

إشكالية "الأدب المقارن" في الجامعات العربية.


"إرم" تناقش مع أكاديميين إشكالية هذا الفرع الذي يسهم في تغذية الشخصية القومية، ويوسع أفق الدارس من خلال دراسته للصلات العالمية للأدب.
القاهرة- من هند عبد الحليم
أشار عدد من الأكاديميين إلى إشكالية عدم الاهتمام بفرع مهم من فروع الآداب، وهو الأدب المقارن، رغم أهميته البالغة في خروج الآداب القومية من عزلتها. 
ويعرف رائد الدراسات المقارنة في العالم العربي، الدكتور محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن بأنه: "دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن نطاق اللغة القومية التي كُتب بها"، إذ يعنى بدراسة ما هو فردي في الإنتاج الأدبي ويعنى أيضا بدراسة الأفكار الأدبية والقوالب العامة، ويعنى كذلك بقضية التأثير بين الآداب في النواحي الفنية للصياغة شعريا أو نثريا.

كما أنه يسهم في تغذية الشخصية القومية، ويوسع أفق الدارس من خلال دراسته للصلات العالمية للأدب، كما تبرز أهميته في التقعيد للنقد الحديث، فهو أساس لا غنى عنه في النقد الحديث، فقواعد النقد الحديث ثمرات لبحوثه العميقة، إذ يتجه إلى البرهنة على تلك القواعد عن طريق تتبعه لطبيعة سير الآداب العالمية وكشفه عن الحقائق الأدبية والفنية والإنسانية.
ورغم ذلك لا يوجد كرسي للأدب المقارن في الجامعات العربية حتى الآن فما السبب ؟
أستاذ الأدب المقارن بجامعة القاهرة وصاحب المؤلفات العديدة في الأدب المقارن بين العربية من جهة والإسبانية والفرنسية من جهة أخرى، الدكتور الطاهر مكي، يرى أنه ليس معقولاً أن يزدهر الأدب المقارن ازدهاراً كبيراً ونحن نعاني في كل نواحي التعليم عندنا سواء الأدبية أو العلمية ، فمشكلة الأدب المقارن جزء من المشكلة العامة فهو يحتاج إلى أساتذة يجيدون أكثر من لغة أجنبية ويعرف لغة أخرى يقرأ فيها، ومن البديهي أن يطلع على أسرار لغته القومية حتى يستطيع فهم الرسالة الإنسانية للأدب المقارن الذي يكشف عن أصالة الروح القومية في صلتها بالروح الإنسانية العامة في ماضيها وحاضرها، لذا فهو عامل مهم في دراسة المجتمعات وتفهمها ودفعها إلى التعاون لخير الإنسانية جمعاء، وهو بهذا المفهوم يقضي على الغرور الذي يدفع بكل شعب إلى الاعتداد بأدبه والوقوف عند حدوده واحتقار ما عداه من آداب.

أما أستاذ الأدب الإسباني بكلية اللغات والترجمة في جامعة الأزهر، الدكتور حامد أبو أحمد، فيرى أن الأدب المقارن مجال مهم لإعادة اكتشاف مفهوم الآخر وتحليل مفهوم السيطرة، ويعين على زيادة التفاهم والتقارب بين الشعوب بمعرفة عاداتها وطريقة تفكيرها وآمالها الوطنية وآلامها القومية وتبادل المنفعة، وهذا العلم يحتاج إلى ثقافة موسوعية ونحن في زمن اختفى فيه المثقف 
الموسوعي وأصبح المتخصص في فرع معين من العلوم نصف إنسان كما قال توفيق الحكيم
http://www.eremnews.com/?id=87468

الأحد، 30 نوفمبر 2014

الطاهر مكي ناقداً‮ ‬ومبدعاً‮ ‬في رسالة جامعية



             قليلة هي الرسائل الجامعية التي تتناول السيرة العلمية لشخصية لها حضور مؤثر في حياتنا الثقافية،ومن هنا تجيئ أهمية الرسالة المقدمة لقسم اللغة العربية،‮ ‬جامعة جنوب الوادي،‮ ‬التي تدور حول المسيرة العلمية للدكتور الطاهر مكي،‮ ‬وحملت عنوان‮ »‬الطاهر مكي ناقداً‮ ‬ومبدعاً‮« ‬حصلت عنها الباحثة مني عبدالعظيم محمد،‮ ‬علي درجة الماجستير بإشراف الشاعر الدكتور محمد أبوالفضل بدران أستاذ النقد الحديث،‮ ‬والدكتور السيد محمد علي‮.‬
جاءت الرسالة في ثمانية فصول،‮ ‬في الأول تناولت الباحثة السيرة الذاتية للدكتور مكي صورت فيه الكثير من العوامل الحياتية التي أثرت في كتاباته،‮ ‬وجعلته صاحب أسلوب متميز من بين أقرانه،‮ ‬وكان من بين هذه العوامل،‮ ‬القرية،‮ ‬مسقط رأس د‮. ‬مكي،‮ ‬بما تحمله من ظروف نشأته،‮ ‬وتعليمه،‮ ‬يليها الصحافة التي تعلق بها د‮. ‬مكي منذ صباه،‮ ‬وعلي المدي البعيد نجد شاعر الربابة،‮ ‬والذي كان‮ ‬يتشوق د‮. ‬مكي لسماعه في مولد الأمير‮ ‬غانم،‮ ‬وأخيراً‮ ‬كانت البعثة إلي اسبانيا والتي عرف من خلالها نوعاً‮ ‬آخر من الأدب،‮ ‬وهو الأدب الأندلسي‮.‬
واختتمت الباحثة هذا الفصل بالحديث عن أهمية ما أنجزه د‮. ‬مكي من مؤلفات علي المستوي العربي،‮ ‬حيث إنه أثري المكتبة العربية بالعديد من الكتب في جميع المجالات‮: ‬النقد،‮ ‬الأدب المقارن،‮ ‬الأدب الأندلسي،‮ ‬الأدب العربي،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن ترجماته لكثير من المستشرقين في لغات مختلفة‮.‬
وفي الفصل الثاني تناولت الدراسة جهود الطاهر مكي في مجال النقد،‮ ‬قامت الباحثة بتحليل كتبه‮  ‬في مجال الأدب المقارن وحملت عنوان‮ (‬مجالات البحث في الأدب المقارن‮)‬،‮ ‬وكانت في‮: ‬الترجمة،‮ ‬الكتب والموضوعات،‮ ‬الرحلة والرحالة‮ (‬الوسطاء،‮ ‬الكتّاب،‮ ‬والمؤلفون‮) ‬دراسة التأثير والتأثر‮.‬
وبعد أن انتهت الباحثة من ذلك،‮ ‬عقدت مقارنتين أولاهما بين المتنبي،‮ ‬وابن هانئ،‮ ‬والأخري بين ملحمتي‮ (‬السيد والسيرة الهلالية‮) ‬كما قامت بتحليل ودراسة كتاب‮ (‬الأدب الإسلامي المقارن‮) ‬باعتباره أحد فروع الأدب المقارن‮.‬
وتعرضت الباحثة لمجموعة من نظريات الأدب المقارن التنظيري ومنها‮: ‬نظرية هردر،‮ ‬نظرية تين،‮ ‬نظرية زولا،‮ ‬نظرية تكست‮.‬
وفي حقل المقال جاءت مقالات د‮. ‬مكي وهي كثيرة ومتعددة،‮ ‬منها المقال الأدبي،‮ ‬المقال اللغوي،‮ ‬المقال السياسي‮.. ‬كما كان له نوع آخر من الإبداع وضعته الباحثة تحت عنوان‮ (‬مقدمات الكتب‮) ‬حيث قدم مكي للكثير من الكتب في مجالات مختلفة،‮ ‬كان ضمن ما قدم كتاب‮ (‬بابلو نيرودا شاعر الحب والنضال‮).‬
ومن بين جهود د‮. ‬مكي العلمية أيضاً‮ ‬ما قدمه للدراسات الأندلسية حيث كان الأدب الأندلسي،‮ ‬إحدي البصمات المميزة في أعمال د‮. ‬مكي،‮ ‬فقامت الباحثة بتحليل ودراسة كتاب‮ (‬دراسات عن ابن حزم الأندلسي وكتابه طوق الحمامة‮)‬،‮ ‬وبينت علاقة هذا الكتاب بالمخطوطة الأساسية وهي‮ (‬طوق الحمامة في الألفة والآلاف‮) ‬لابن حزم الأندلسي القرطبي‮.‬
ومن جهود د‮. ‬مكي في الترجمة،‮ ‬أفردت الدراسة له العديد من التراجم‮..‬
عن الفرنسية‮: ‬الشعر الأندلسي في عصر الطوائف‮ (‬هنري بيريس‮)‬،‮ (‬الحضارة المصرية في اسبانيا‮) ‬ليفي بروفنسال،‮ (‬هذه المرأة لي‮) ‬رواية لجورج سيمنون،‮ ‬مع مقدمة عن حياته وفنه،‮ ‬والرواية البوليسية عامة صدرت عن كتاب الهلال عام‮ ‬1989
وعن الإسبانية ترجم‮: ‬من شعراء الأندلس والمتنبي‮ (‬إمبليو‮ ‬غرسيه‮ ‬غومث‮)‬،‮ ‬الفن العربي في اسبانيا وصقلية فون شاك،‮ ‬والشعر العربي في إسبانيا وصقلية‮) ‬مناهج النقد الأدبي‮ (‬انريك اندرسون‮) ‬ملحمة السيد،‮ ‬التربية الإسلامية في الأندلس أصولها المشرقة وتأويلاتها الغربية‮ (‬خوليان ريبيرا‮).‬
وعن الإنجليزية ترجمة الرمزية‮ (‬أنابلكيان‮)‬،‮ ‬الثقافة واللغة والتعليم في مصر الحديثة‮ (‬لويز آرمين‮).‬
وفي مجال التحقيق‮: ‬حقق‮ (‬طوق الحمامة في الألفة والآلاف لابن حزم الأندلسي والأخلاق والسير في مداواة النفوس،‮ ‬تحفة الأنفس في شعار سكان الأندلس لابن هذيل‮.‬
وفي مجال الإبداع،‮ ‬كان عمله‮ (‬السلطان‮ ‬يستفتي شعبه وحكايات أخري،‮ ‬بابلونيرودا شاعر الحب والنضال‮.‬
وعن نشاطه الثقافي،‮ ‬تم انتخاب د‮. ‬مكي عضواً‮ ‬بمجمع اللغة العربية،‮ ‬كما تم اختياره عضواً‮ ‬بالمجلس القومي للثقافة والفنون والآداب،‮ ‬وعضواً‮ ‬بلجنة منح الجوائز العربية‮ (‬العويس في الإمارات،‮ ‬البابطين،‮ ‬التقدم العلمي بدولة الكويت‮).‬
حصل د‮. ‬مكي علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي عام‮ ‬1990،‮ ‬جائزة الدولة‮ ‬التقديرية عام‮ ‬1992





الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

طوق الحمامة.. لسان الحب في كل العصور


يعد كتاب «طوق الحمامة في الألفة والألاف» من أروع وأجمل ما خط من أدب العصر الوسيط في دراسة الحب، وقد كتبه فقيه وعالم وشاعر أندلسي من قرطبة هو ابن حزم الأندلسي الذي عرف بدفاعه عن المذهب الظاهري، لتحليله ظاهرة الحب، وأبعادها الإنسانية الواسعة، ولقدرته على سبر طبائع البشر وأغوارهم. وقد اكتسب الكتاب شهرة واسعة وترجم إلى عدة لغات في المشرق والمغرب، ما جعل منه لسان الحب في كل العصور.
مفهوم فلسفي
«طوق الحمامة» كتاب في الحب، وفي السيرة الذاتية، يقترب من الجانب العاطفي من حياة ابن حزم، والحياة العاطفية لعدد من معاصريه ورفاقه ممن شغلوا مناصب رفيعة في الإدارة والقضاء والجيش في أيامه، كما جمع ابن حزم في كتابه ما بين الفكرة بمفهومها الفلسفي وما بين الواقع التاريخي..
فكان بذلك محلقاً بأفكاره، وراسخاً على الأرض بقدميه، جريئاً وصريحاً ومتحرراً من الخوف ومن التزمت، وقد دعم أفكاره بحكايات سمعها أو عاشها، واختار لها العديد من الأشعار المناسبة. ولم تفقد النتائج التي توصل إليها بريقها إلى اليوم، وهي تقف اليوم في مستوى أرقى الدراسات عن الحب.
رحلة الكتاب
يشير الدكتور الطاهر أحمد مكي أنه في نهاية النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي، قام السفير الهولندي المستشرق فون وارنر بدراسة المخطوطات العربية خلال فترة انتدابه سفيراً في الأستانة من سنة 1644 إلى 1665 م،..
وفي ذلك الوقت توفي حاجي خليفة الذي كان يملك واحدة من أكبر مكتبات الأستانة، فاشترى فون وارنر الكثير من المخطوطات ممن آل إليهم أمر مكتبة حاجي خليفة فكان من بين هذه المخطوطات مخطوط «طوق الحمامة»، الذي قُدر له أن يستقر في مكتبة ليدن بهولندا، لمدة 175 عاماً، إلى أن جاء مطلع القرن التاسع عشر، حيث قام المستشرق الهولندي رينهارت بإصدار أول طبعة لفهرس المخطوطات العربية في جامعة ليدن، عرف العالم من خلالها مخطوطة «طوق الحمامة».
النص العربي
ودام الحال إلى أن قام المستشرق الروسي د. ك. بتروف بنشر النص العربي لطوق الحمامة كاملا، في سلسلة كتب كانت تصدرها كلية الآداب في جامعة بطرسبرج. وطبع في مطبعة «بريل» العربية في ليدن عام 1914. وبعد سبعة عشر عاماً قام السيد محمد ياسين عرفة، صاحب مكتبة عرفة في دمشق، بطبع النص العربي ثانية عام 1930..
ولم يجر تغييراً كبيراً عن نسخة بتروف، إلى أن صدرت الطبعة الثالثة عام 1949 على يد المستشرق الفرنسي ليون برشيه في الجزائر، وبعدها بعام، أي عام 1950 قام الأستاذ حسن كامل الصيرفي بطباعة النسخة الرابعة للكتاب في القاهرة. لكن هذه الطبعة جاءت أسوأ مما صدر من طبعات، لجهل الصيرفي بتاريخ الأندلس وحضارتها.
طبعات أخرى
ومن ثم تقدم الدكتور الطاهر أحمد مكي بضبط نص الكتاب وتحرير هوامشه، في طبعة صدرت عن دار المعارف المصرية عام 1975، وفي عام 1993 حقق الدكتور إحسان عباس الكتاب ونشره، وهناك طبعات أخرى كثيرة، كما قام الدكتور حاتم بن محمد الجفري بوضع كتاب عام 2009 بعنوان «الحب..أعزك الله.
.قراءة جديدة ورؤية معاصرة لكتاب طوق الحمامة في الألفة والألاف». وحين وقف المستشرق دوزي على كتاب ابن حزم استكثر على العرب وعلى المسلمين هذا المؤلف برغم علمانيته وعدم تعاطفه مع الكنيسة ورجال الدين المسيحي، وقال إن هذا الغزل العفيف لا تعرفه الأخلاق العربية ولا الديانة الإسلامية وأنه تحدر إلى ابن حزم إرثاً من أجداده الأول المسيحيين، ما جعل المستشرق اسين بلاثيوس يتصدى له مفنداً آراءه في دراسة عن ابن حزم.
تعريف الحب
في بداية كتابه يحاول ابن حزم تعريف الحب فيقول: «الحب أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالته عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل. وقد أحب من الخلفاء المهديين والأئمة الراشدين كثير، منهم بأندلسنا عبدالرحمن بن معاوية لدعجاء، والحكم بن هشام وعبدالرحمن بن الحكم وشغفه بطروب أم عبدالله..
ومحمد بن عبدالرحمن وأمره مع غزلان أم بنيه عثمان والقاسم والمطرف معلوم، والحكم المستنصر وافتتانه بصبح أم هشام المؤيد بالله رضي الله عنه، وعن جميعهم، وامتناعه عن التعرض للولد من غيرها.. ومثل هذا كثير. ولولا أن حقوقهم على المسلمين واجبة، وإنما يجب أن نذكر من أخبارهم ما فيه الحزم وإحياء الدين..
وإنما هو شيء كانوا ينفردون به في قصورهم مع عيالهم فلا ينبغي الإخبار به عنهم، لأوردت من أخبارهم في هذا الشأن غير قليل». ويتابع ابن حزم تعريف الحب في فقرات أخرى: «والحب، أعزك الله، داء عياء، وفيه الدواء منه على قدر المعاملة، ومقام مستلذ، وعلة مشتهاة، لا يود سليمها البرء، ولا يتمنى عليلها الإفاقة».
علامات
ويستطرد «وللحب علامات يقفوها الفطن ويهتدي إليها الذكي. فأولها إدمان النظر، والعين باب النفس الشارع، وهي المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها، والمعربة عن بواطنها، فترى الناظر لا يطرف، يتنقل بتنقل المحبوب، وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال.
ومن علاماته أنك ترى المحب يحب أهل محبوبه وقرابته وخاصته حتى يكونوا أحظى لديه من أهله ونفسه ومن جميع خاصته. والبكاء من علامات المحب ولكن يتفاضلون فيه. فمنهم غزير الدمع هامل الشؤون، تجيبه عينه، وتحضره عبرته إذا شاء.
 ومنهم جَمود العين، عديم الدمع، وأنا منهم. ومن علاماته أنك تجد المحب يستدعي سماع اسم من يحب، ويستلذ الكلام في أخباره، ويجعلها هجيراه، ولا يرتاح لشيء ارتياحه لها، ولا ينهنهه عن ذلك تخوف أن يفطن السامع، ويفهم الحاضر، وحبك الشيء يعمي ويصم. فلو أمكن أن لا يكون حديث في مكان يكون فيه إلا ذكر من يحبه لما تعداه، ومن عجيب ما يقع في الحب طاعة المحب لمحبوبه، وصرفه طباعه قسراً إلى طباع من يحب.
وترى المرء شرس الخلق، صعب الشكيمة، جموح القيادة، ماضي العزيمة، حمي الأنف، أبي الخسف، فما هو إلا أن يتنسم نسيم الحب، ويتورط غمره، ويعوم في بحره، فتعود الشراسة ليانًا، والصعوبة سهولة، والمضاء كلالة، والحمية استسلاماً».
وابن حزم يطيل العجب من كل من يدعي أنه يحب من نظرة واحدة، يقول: «ولا أكاد أصدقه، ولا أجعل حبه إلا ضرباً من الشهوة..
وأما أن يكون في ظني متمكناً من صميم الفؤاد، نافذاً في حجاب القلب، فما أقدر ذلك، وما لصق بأحشائي حب قط إلا مع الزمن الطويل، وبعد ملازمة الشخص لي دهراً، وأخذي معه في كل جد وهزل.. وكذلك أنا في السلو والتوقي. فما نسيت وداً لي قط، وإن حنيني إلى كل عهد تقدم لي ليغصني بالطعام ويشرقني بالماء. وقد استراح من لم تكن هذه صفته».
حديث الوصل
ويتحدث عن الوصل : «ومن وجوه العشق الوصل، وهو خط رفيع، ومرتبة سرية، ودرجة عالية، وسعد طالع، بل هو الحياة المجددة، والعيش السني، والسرور الدائم، ورحمة من الله عظيمة. ولولا أن الدنيا دار ممر ومحنة وكدر، والجنة دار جزاء وأمان من المكاره، لقلنا إن وصل المحبوب هو الصفاء الذي لا كدر فيه، والفرح الذي لا شائبة فيه ولا حزن معه، وكمال الأماني ومنتهى الأراجي..
ولقد جربت اللذات على تصرفها، وأدركت الحظوظ على اختلافها، فما للدنو من السلطان، ولا للمال المستفاد، ولا الوجود بعد العدم، ولا الأوبة بعد طول الغيبة، ولا الأمن بعد الخوف، ولا التروح على المال، من الموقع في النفس، ما للوصل بعد طول الامتناع، وحلول الهجر، حتى يتأجج عليه الجوى، ويتوقد لهيب الشوق، وتتضرم نار الرجاء..
وما أصناف النبات بعد غِبّ القطر، ولا إشراق الأزاهير بعد إقلاع السحاب الساريات، ولا خرير المياه المتخللة لأفانين النوار، ولا تأنق القصور البيض وقد أحدقت بها الرياض الخضر، بأحسن من وصل حبيب قد رضيت أخلاقه، وحمدت غرائزه، وتقابلت في الحسن أوصافه».
نزوع عُذري
كلمات ابن حزم لا ينقصها لتكون قد كتبت اليوم سوى تحديث بالعبارات لا أكثر، لأن المعاني فيها غضة نضرة تعبر عن القلب البشري بتباريحه وشجونه، وفي كل زمن. ولا يكتفي ابن حزم بالتنظير، وإنما ينقل أخباراً شتى عن المحبين، ومنهم هو بالذات فيحدثنا عن عشقه لبعض الجواري اللواتي عملن في بيته أو بيت أهله، وكان والده من وجهاء قرطبة، ووزيراً لحاكمها في وقت من الأوقات.
الشاعر الفقيه
علي بن حزم الأندلسي ولد في قرطبة 384 هـ، وتوفي 456 للهجرة، ويعد من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفاً وتأليفاً، وهو إمام حافظ، فقيه، ومتكلم، أديب، وشاعر، وناقد محلل، بل وصفه البعض بالفيلسوف. كان وزيراً سياسياً، من كتبه: «الفصل في الملل والأهواء والنحل»، «المحلى شرح المجلى»، «الإحكام في أصول الأحكام»، «الرسالة الباهرة»، «ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل».
شعرية العنوان
يأتي عنوان الكتاب «طوق الحمامة» منكفئاً على الشعرية والغموض، إنه عنوان شعري خالص، يفتح أبواباً للتأويل والتحليق، لما يملكه من طاقة إيحائية لا تنكر.
وبغض النظر عن دلالة الحمامة التي طالما كانت رسول المحبين، وطالما مثلت الكائن البريء الرقيق الذي غالبا ما تُسقَط عليه مشاعر التعاطف والفهم والتعزي، وبغض النظر أيضاً عن دلالة الطوق بما هو سمة جمالية، وحصار من الألفة والاحتواء فإن بقية العنوان أو فرعه في الأُلْفة والأُلاّف، فيميل غالباً إلى الوضوح والتحديد، ويشير إلى معالجة الكتاب لعلائق وصلات قد تكون أعم من الحب ودرجاته.
شيم الكرام
يقول ابن حزم في «طوق الحمامة»، «من حميد الغرائز، وكريم الشيم، وفاضل الأخلاق في الحب وغيره الوفاء، وإنه لمن أقوى الدلائل، وأوضح البراهين على طيب الأصل وشرف العنصر، وهو يتفاضل بالتفاضل اللازم للمخلوقات». وفي باب البين، أو الفراق، يكتب فقيه قرطبة قائلاً:
«وقد علمنا أنه لابد لكل مجتمع من افتراق، ولكل دان من تناء. وتلك عادة الله في العباد والبلاد، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين. وما شيء من داوهي الدنيا يعدل الافتراق، ولو سالت الأرواح به فضلاً عن الدموع كان قليلاً. وسمع بعض الحكماء قائلاً يقول: الفراق أخو الموت، فقال: بل الموت أخو الفراق!».
أبواب الكتاب
ضم الكتاب مجموعة أبواب، من ضمنها؛ باب ذكر من أحب في النوم، باب من أحب من نظرة واحدة، باب التعريض بالقول، باب الإشارة بالعين، باب المراسلة، باب السفير، باب الإذاعة، باب العاذل، باب الوصل، باب الوفاء، وباب الموت. وخير ما ختم به ابن حزم كتابه باب الكلام في قبح المعصية، وباب الكلام في فضل التعفف استشهد فيهما بالآيات والأحاديث عن قبح المعصية وفضل التعفف، فلئن كان القلب يخرج عن طوع صاحبه ويميل ويحب والشخص غير ملوم على هوى قلبه فإنه يحاسب على فعله، كأنما الكاتب في هذين البابين يحاول أن يقول: «إذا فقدت قلبك، حاول أن لا تفقد عقلك».

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

الطاهر أحمد مكي ومحطات بين الأدب والأندلس وتحقيق التراث

       

       
                  الدكتور الطاهر أحمد مكى أحد رواد مدرسة دار العلوم تعدد نشاطه بين الصحافة التى بدأ فيها العمل مبكرا وهو مازال طالبا حيث محرراً ومصححاً فى العديد من صحف ما قبل ثورة يوليو 1952، وبين الأدب العربى فى كل العصور إن كانت دراساته فى الأدب الأندلس أكثر وأغزر وأعم ..هو من الرعيل الأول الذين ابتعثوا إلى الأندلس عقب تخرجه فى كلية دار العلوم عام 1952 ويمكث هناك قرابة التسع سنوات تواجهه الصعاب حتى انتصر عليها وعاد إلى مصر ليعمل أستاذاً للدراسات الأدبية فى ذات الكلية، وتبدأ رحلته فى البحث العلمى لينتج كتبا طبعا عشرات المرات وهى التى طبقت شهرتها الآفاق فى الشرق والغرب منها ما هو محقق ومؤلف ومترجم .  ولد الطاهر أحمد مكي بمدينة إسنا بمحافظة قنا فى السابع من أبريل 1924م، تخرج في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة مع مرتبة الشرف 1952م ، ثم حصل على الدكتوراه بامتياز فى الآداب والفلسفة بتقدير ممتاز من كلية الآداب بمدريد 1961م، فهو من الرعيل الأول الذين درسوا الأدب الأندلسي فى عقر داره، منهم: محمود على مكي، وأحمد هيكل، وغيرهم..  عمل مدرساً، فأستاذاً مساعداً، فأستاذاً، فرئيسا لقسم الدراسات الأدبية، فوكيلاًً للكلية للدراسات العليا والبحوث في كلية دار العلوم .  أثرى المكتبة العربية بالعديد من الأعمال القيمة وتنوعت من التأليف والترجمة والإبداع والترجمة فى كل العصور الأدبية القديمة والحديثة، الشعر والنقد والقصة والرواية  من أشهرها: "امرؤ القيس حياته وشعره"، و"دراسات فى مصادر الأدب"، و"دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة"، و"ملحمة السيد"، و"القصة القصيرة: دراسات ومختارات"، و"الشعر العربي المعاصر، روائعه ومدخل لقراءته"، كما ترجم عن الفرنسية "الحضارة العربية فى أسبانيا "للمستشرق ليفي بروفنسال، وعن الأسبانية أعمال كبار المستشرقين من أمثال: "غومث"، و"ريبرا" من أشهرها: "مع شعراء الأندلس والمتنبي"، لغرسيه غومث، "التربية الإسلامية فى الأندلس لـ"خوليان ريبيرا" كما أنه عضو فى العديد من الهيئات منها: مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضو مجلس إدارة دار الكتب المصرية وغيرها ..     وكان الهروع إليه فى دوحته بين كتبه وأبحاثه، يستنشق عبير الذكريات ويستقبل أصدقائه وأبنائه الدارسين، يجيب عليهم في تواضع جم، وتحدثنا معه عن مشكلات الأدب والأدباء اليوم وعن ذكرياته الأندلسية وعلاقته بالمستشرقين وعن تحقيق التراث العربي وهمومه.   لماذا غابت القدوة الأدبية اليوم عما ذي قبل؟ - تراجعت فى مصر أشياءً كثيرة ومنها الأدب والإنسان ثمرة التكوين والتربية والمناخ  والعظام الذين سبقوا الثورة ، ونقتدي بهم ونراهم، تكونوا على ثقافة حقيقية فى مناخ ديمقراطي أو بمعنى (الأدب لم يكن مؤمما) وإذا أردنا أن ننهض ونستعيد مكانتنا فيجب عمل الأتي: 1)    ثقافة حقيقية يتربى عليها الأديب. 2)    طموحات عظمى يحلم بها الأديب. 3)    مناخ ديمقراطي يسمح له بأن يعبر عن هذه الطموحات الكبرى فيجيء تعبيره يمثل الطموح الذى يصبو إليه ..    وفى غياب الأصيل، تسود البضاعة الفاسدة عند غيبة البضاعة الجيدة ولكي تظهر شخصية أدبية عظيمة لابد أن تتغذى غذاءً جيداً، فالغذاء ملوثاً ويأتي الناتج ملوثاً، وهناك هيئات كثيرة تشجع هذا التلوث، لا تريد فكراً قوياً، وإنما تريد أنصاف المثقفين الذين يشترون بمبالغ زهيدة لا تكلف كثيراً..   ومن مظاهر الديمقراطية التى نفتقدها حرية تكوين الأحزاب، كما أن الجمعيات الأهلية تعانى من التضييق ومن الرقابة وقبل ذلك كله وبعد لا يمكن أن تنهض فى ظل الأحكام العرفية ونحن منذ عام 1981م نعيش الأحكام العرفية ..   لماذا انحدر تحقيق التراث على هذه الحالة المزرية؟ - يتوازى مع النهضة العملية والأدبية ، بعث التراث القديم، وقد أفرزت مصر مدرسة تحقيق قديماً، عدداً لا بأس به من الأساتذة: مصريون وعرب تربوا فى مصر، ولكن أصابها ما أصاب قواعد التحقيق وقد ودعنا منذ عشر سنوات آخر الجنود العظماء وهو الدكتور محمود محمد الطناحى.   وماذا أسديت لهذا التراث العظيم؟ - مشكلتي أنني موزع الاهتمام، وأن التدريس بالجامعة يفرض على فرضاً اتجاهات معينة، ولكنني لم استطع أن أتوقف عن كتابين عظيمين، وهما: "طوق الحمامة في الألفة والآلاف" و"الأخلاق والسير في مداوة النفوس" وكلاهما لابن حزم الأندلسي وبين يدي كتابين آخرين "تحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس" لابن هُذيل، و"الوافي في علم القوافي" لأبى البقاء الرُندى – وهذا أول كتاب له بعد المرثية الشعرية العظيمة له التي قدمها الأستاذ محمد عبدالله عنان.   هناك في حياة د. الطاهر لحظة عظيمة وهى الأندلس، كيف كانت؟ وكيف تمثل فى حياتك؟ - كانت الأندلس والذهاب إليها نقطة التحول العملي، وقبل الوصول إليها كنت أحلم وأطمح، وبعد الوصول إليها أعطتني وسائل (آليات) تحقيق الطموحات والأحلام فهي تمثل محطة فاصلة فى تاريخ حياتي، رأيت عالماً جديداً، فشغلت بمعرفة الأسباب التي جعلته يصل إلى هذا الرقى والتي تمنيتها لوطني، واحترام الإنسان هناك شيئاً أساسياً مع أن احترام الإنسان  فى الأصل مبدأ إسلامي: (ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم فى البر والبحر) ولكن وجدت احترام الإنسان واقعاً موجوداً هناك مما هو موجود فى بلادنا ، هذا الانفتاح غذى ما عندي، وطعمه بزاد ما كان يمكن أن يتوفر لي لو لم أذهب إلى "أسبانيا"..   ما حقيقة ما يشاع هناك من تعصب وكره للعرب وضد اعتبار الفترة الإسلامية كجزء من التاريخ الأسباني؟ .. -  التعصب محصور داخل الكنيسة فقط ، أما الرجل الأسباني العادي إذا لم يكن عميلاً للكنيسة ، فلا يعرف هذا التعصب . ولكن ثمة شك فى أن هناك فترات أخرى عرفت فيها أسبانيا حرية واسعة كالعصر الجمهوري (1933 -1937) ولكن سقوط العصر الجمهوري وانتشار الفاشية كلف أسبانيا ثمناً غالياً فقتل عشرات الأدباء والمفكرين مثل "لوركا " ، وهجر ألاف منهم إلى أمريكا اللاتينية وأحدثوا ثورة مثل:"ليون فيليب"، و"روفائيل ألبرتى"، و"خوان رامون خمينيث"، وغيرهم ..   ما هي علاقتك بالمستشرقين فى الماضي والحاضر؟ - المستشرقون لا يكتبون لنا وإنما يكتبون لأهليهم ولأوطانهم و"الرائد لا يكذب أهله" كما هو شائع ، ولكن الذي يحدث أن بعضهم  غير متمكن من اللغة العربية، فلا يفهم النص ويبنى أحكاما على النص الخاطئ، فتجيء بعض أحكامهم خاطئة، ولكنهم لا يتعمدون الخطأ، لأنه فى الأساس لا يكتب ولا يتصور أن ما يكتبه سوف يقرأ فى بلادنا، هم طبعا يكتبون بحياد وموضوعية، لا يجاملون، ولا يسكتون عن أخطائنا ولا يزينون ما هو قبيح، أما كلامهم عن عصور الانحدار ومنها: العصر المملوكي مثلا فهم ينظرون إليه من منظور سياسي وإقتصادى وهم يضعون فى المقام الأول أين يقف النظام السياسي من مصلحة الشعب وهو نفس ما يطبقونه فى بلادهم ..    أما ذكرياتي معهم فهم أناس أساتذة فى جامعات تعاملوا معنا كطلاب فوجدنا منهم كل الرعاية وكل المعاونة ولم يظهر لنا فى أيه لحظة من اللحظات أي عداء أو إهمالاً أو تشفى وصادقت كثير منهم مثل "أميليو جارثيا غومث"، فهو الذى أشرف على دراساتي العليا هناك وغيرهم...
 اقرأ المقال الاصلى فى المصريون           حوار/ أبو الحسن الجمّال الأحد, 02 نوفمبر 2014 16:53

اقرأ المقال الاصلى فى المصريون : رابط المصدر.

الأحد، 28 سبتمبر 2014

دعوة للكتابة في صحيفة دار العلوم.

نظرا للتاريخ العلمي المشرف للأستاذ الدكتور/ الطاهر أحمد مكي، الأستاذ المتفرغ بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وما يتمتع به سيادته من سيرة علمية طيبة وإسهامات متعددة في مجالات الأدب العربي عامة والنقد الأدبي ومناهجه ... فقد قرر مجلس إدارة جماعة دار العلوم بالقاهرة أن يصدر عددا خاصا من صحيفة دار العلوم والتي تصدرها جماعة دار العلوم؛ ليسجل التاريخ العلمي لهذا العالم البارز من أعلام دار العلوم، بمجموعة من الدراسات العلمية والشهادات الشخصية.
وجماعة دار العلوم تدعوكم للمشاركة في هذا العمل الذي سيسجل جزءا من تاريخ أصحاب العطاء العلمي المتميز...
مع العلم بأن آخر موعد لتسليم الأعمال هو آخر مارس 2015م .
ترسل الأعمال على:
نادي دار العلوم - 19 شارع التوفيقية – القاهرة.
باسم المنسق/ عبد المجيد بركات.
أو ترسل الأعمال الكترونيا على:

هذا قسم من رسالة بريدية وصلتني من المجلة.
تحياتي....
د. محمود النوبي أحمد – منسق الموقع/المدونة.



الاثنين، 1 سبتمبر 2014

اللغة العربية غريبة اليد واللسان في وسائل الإعلام العربية.

د. الطاهر أحمد مكي: ما يحدث من تدني لمستوى اللغة العربية وخاصة في وسائل الاعلام يمثل انحدارا في استخدام اللغة القومية.

القاهرة ـ من سارة محفوظ

تزايدت بشكل كبير العوامل التي تؤثر على اللغة العربية كمعبر أساسي عن الثقافة والهوية العربيتين، ومن أبرز المخاطر التي تهدد اللغة العربية اليوم هو تزايد الاعتماد على المصطلحات الأجنبية خاصة بالفضائيات العربية الناطق بلسان العرب وأحد أبرز الأدوات لنشر الثقافة العربية، فقد سقطت الفضائيات العربية في فخ اللغة الإنجليزية، ويحرص المذيعون والمذيعات على تطعيم حديثهم بإدخال كلمات أجنبية، وهو ما يهدد مستقبل اللغة على أهم منافذها الحديثة، فهل السبب أن مصطلحات اللغة العربية قاصرة ولم تعد تواكب تطورات العصر؟ أم هو تظاهر بالمدنية والثقافة الغربية؟!
وعن السبب الحقيقي وراء ذلك يقول د. محمد إبراهيم عبدالرحمن أستاذ اللغة العربية بكلية التربية جامعة عين شمس: إن الإنسان عدو ما يجهل، المذيعون والمذيعات والقائمون على هذه البرامج لو أنهم جميعاً على صلح مع اللغة العربية وعلى علم بأصولها لما هربوا من استخدامها، ونزحوا إلى مثل هذه الكلمات الفاترة. ويتساءل هل يليق أن نتعامل مع لغتنا بهذه الصور المختلطة بالألفاظ غير العربية؟! فكرامة هذه اللغة هي كرامة أهلها، وأظن أن ذلك هدف من أهداف الغزو الفكري، لذا لا بد أن يتم التنبه لهذه المؤامرة.
أما عن مستقبل اللغة العربية في ضوء هذه الظاهرة الخطيرة فيرى د. عبدالرحمن، أن الأمر يزيد خطورة إلى خطورته وخوفاً من أخطر المظاهر على حضارتنا العربية الخطر الذي يهدد اللغة الفصحى لغة قرآننا وتراثنا وحضارتنا مستقبلاً.
ويؤكد د. عبدالفتاح أبوالفتوح أستاذ أصول اللغة العربية بجامعة الأزهر أن انحدار مستوى اللغة العربية أصبح سمة عامة في حياتنا في الجامعات والمدارس وأجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، بخاصة في الفضائيات التي انتشرت في الآونة الأخيرة. وهذا يشكل خطورة كبيرة على اللغة العربية؛ لأن الفضائيات لها تأثيرها القوي على المشاهد العربي.
وفي رأي د. الطاهر أحمد مكي أستاذ الدراسات الأدبية بجامعة القاهرة: إن ما يحدث من تدني لمستوى اللغة العربية وخاصة في وسائل الاعلام يمثل انحدارا في استخدام اللغة القومية ويعطي انطباعاً للمستمع المتلقي بأن اللغة الأجنبية في درجة أرقى من لغته وهو ما يجعله يختلط في ذهنه أن رقي اللغة يستلزم التشبه بالغرب والنتيجة تكون السقوط في هوة التقليد الأعمى.
ويشدد د. مكي على ضرورة التفرقة بين مجالات استخدام التحدث بالإنجليزية أو غيرها من اللغات فيما يخصها وترك التحدث بالعربية لمجالها وتداولها وحدها دون خلط حيث إن من تخلى عن لغته فقد تخلى عن هويته وعرقه. الإعلام بطبيعة الحال له أهمية كبرى وتأثير على النشء إذ إنه له رسالة خطيرة في تعليمهم وتثقيفهم، فإذا كانت هذه اللغة الإعلامية لغة ركيكة لا ترقى إلى المستوى المطلوب فسوف تضعف اللغة العربية في نفوس الأطفال والشباب، ومن هنا لا بد من الاهتمام باللغة الفصحى خاصة في البرامج الفضائية واختيار خبراء يجيدون الحديث بالفصحى السليمة والبسيطة في آن واحد، كما يجب عقد دورات متخصصة للمذيعين والمذيعات لتعليمهم أبسط قواعد الحديث باللغة العربية السليمة الفصيحة حتى لا تصبح اللغة عربية غريبة بين أهلها.
وذهب إلى ذات المنحى د. محمد الكردي بجامعة القاهرة بأنه لا بد من المحافظة على الاستخدام السليم للغة العربية خاصة في أجهزة الإعلام لما لذلك من أثر على المتلقي.
وعلى النقيض من تلك الآراء التي ترفض استخدام المصطلحات في تداخل مع العربية يستشهد د. عبدالعزيز نبوي أستاذ اللغة العربية والدراسات الاسلامية بمقولة طه حسين "لغتنا العربية يُسر لا عُسر ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج من ألفاظ لم تكن مستعملة في العصر القديم".
• بديل دارج
وعن تأثر المشاهدين سلبا بالمذيع في استخدام لغة عربية متداخلة مع اجنبية فتقول فاطمة السيد (طالبة جامعية): إن كثرة الاستخدام للمصطلحات الأجنبية من قبل المذيعين والمذيعات تؤدي إلى نسيان المصطلحات العربية.
ويؤكد عبدالرحمن السيد (طبيب) أن الأمر يزداد خطورة في حالات استخدام تلك المصطلحات الأجنبية التي يكثر تداولها في المسلسلات والأفلام وذلك لأنها تحظى بجماهيرية أكبر كما أنها تحظى بفترة عرض أكبر على الشاشة، مشيراً إلى أنه لكثرة استخدام تلك المصطلحات الأجنبية يختفي المصطلح العربي ويستخدم الأجنبي كبديل دارج.
وقد انتقد كثير من المذيعين بالقنوات الفضائية ظاهرة استخدام كلمات أجنبية في لغة الإعلام. يقول راضي سعيد المذيع بقناة "اقرأ" الفضائية: يحزنني جداً إدخال مصطلحات أجنبية من قِبَل كثير من المذيعين على الفضائيات لأن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف بعض المذيعين والمذيعات وعدم تمكنهم من استخدام اللغة.
ويقول د. عبدالله الخولي (نائب رئيس شبكة القرآن الكريم بمصر): يمكن أن نشير إلى أن اللغة العربية أصبح لا وجود لها على ألسنة كثير من الإعلاميين، ولحقتها الغربة في العديد من البرامج الإعلامية المسموعة والمرئية فلا وجود لها إلا في نشرات الأخبار وبعض التعليقات الإخبارية، وسبب ذلك أنها تفتقر إلى القوة والسلطان اللذين يدافعان عنها ويلزمان الإعلاميين بالتمسك بها. وليس صحيحاً ما يقال إننا لو تكلمنا بها في كل برامجنا فإنها لا تصل إلى قلوب وآذان المستمعين وعقولهم.. لأن اللغة العربية هي أقصر الطرق المعبرة عن المعاني.
ويشير الخولي إلى أن معهد الإذاعة والتلفزيون في مصر يقوم بجهد مشكور في تعليم الإعلاميين اللغة العربية، فإذا خرج الإعلامي من إحدى دورات المعهد المتخصصة في اللغة العربية، فإنه يخرج مستقيم اللسان.. لكنه يفاجأ بأن يفرض عليه استخدام اللغة العامية فيما يقدم من برامج حوارية سواء كانت ثقافية أو رياضية أو اجتماعية. وإذا تحدث باللغة العربية التي تعلمها من دورات المعهد فإنه قد يُلام على ذلك بحجة أن اللغة العربية لا تكون إلا في المادة الإخبارية. (خدمة وكالة الصحافة العربية)

الاثنين، 23 يونيو 2014

رسالة من قارئ (الدكتور عثمان إمام السيد)

الدكتور عثمان إمام السيد
كنت وما زلت تلميذا لأستاذنا الدكتور الطاهر مكي في كلية التربية جامعة عين شمس منذ ما يزيد على عشرين عاماً وكنا ندخل محاضرته بل كنّا ننتظر محاضراته في : الأدب والنقد والأدب الندلسي ومصادر الأدب ، ويعجبني أسلوبه وهو يتحدّث بالمضارع في حديثه عن الماضي ولسيادته كلمات أضعها نصب عيني منذ سمعتها من سيادته وكان يقولها معلقاً على كل عالم من العلماء الذين كان يحدثنا عن كتبهم في كتاب مصادر الأدب ومنهم : المبرّد وابن بسّام وغيرهم كان يقول : ليس صحيحاً أنّ العلم والثقافة لا يدران على صاحبهما شيئاً وإن كان ذلك يتأخر !!
نعم فقد بذلنا العمر في طلب العلم وتخصصت في مجال مناهج وطرق تدريس اللغة العربية !
وتمرّ الأعوام وبينما ابحث عن اصدقاء على وجه الكتاب أو الفيس بوك أجد صورة استاذنا الدكتور الطاهر مكي تنير فاسرعت بإرسال طلب صداقة وذكرت سيادته بما كان في محاضراته وبقرابتنا في محافظة قنا فاي صعيدي يشرف بقرابته من استاذنا الدكتور الطاهر مكي .

فجزى الله الدكتور الطاهر مكي عن اللغة العربية بل والإسلام خير الجزاء وأنا أريد من يتعاون معي في إخراج كتاب عن استاذنا بعنوان ( الطاهر مكي سيرة وتحيّة دراسات في الأدب والنقد والمناهج ) إن شاء الله:
osman _ emam@hotmail.com
 01220102177 

الأحد، 15 يونيو 2014

العلاّمة الطاهر مكي لـ “رأي اليوم” : برحيل المنجرة افتقدنا مثقفا ذا موقف في زمن صار المثقفون تجار كلام.



القاهرة – “رأي اليوم” – محمود القيعي:

وصف العلاّمة د. الطاهر أحمد مكي أستاذ الأدب العربي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة رحيل المفكر المغربي الكبير د. المهدي المنجرة بأن الثقافة العربية افتقدت مثقفا وإنسانا ذا موقف، في زمن عزّ فيه أصحاب المواقف الحقيقية.

وأضاف د. الطاهر في تصريح خصّ به “رأي اليوم” أنه يحمل للمنجرة كل ود وتقدير، كونه إنسانا ومثقفا ذا موقف ،واصفا المثقفين الذين لا مواقف لهم بـ “تجار الكلام”.

وقال د. مكي إن المنجرة كان إنسانا في زمن أصبحت فيه مشاكل الحياة قادرة على هدّ العلاقات الانسانية بين الناس جميعا.

المصدر: http://www.raialyoum.com/?p=105079

الجمعة، 6 يونيو 2014

الأستاذ الدكتور الطاهر مكي يناقش رسالة الدكتوراه المقدمة من الدكتور محمود الطويل وعنوانها "لزوميات أبي العلاء - دراسة أسلوبية"


اللّغة العربيّة وتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين.


               اللّغة، أيّ لغة، دون نزاع، أوضحُ خصائص الجنس البشريّ، فهي مرآة العقل، وأداة الفكر، ووعاء المعرفة، وتاريخ أيّ لغةٍ هو تاريخ شعوبها، وازدهار أيّ حضارة مرتبط بازدهار لغتها، تسمو بسموّ المتكلّمين فيها، وتنحدر بانحدارهم.
ولغتنا العربيّة أعرق اللّغات السّامية، وأغناها أصواتاً وصرفاً ومعجماً، وهي أجمل اللّغات إيقاعاً، وأيسرها تركيباً واشتقاقاً، والحفاظ عليها مسؤوليّة الجميع، المجتمع ومؤسّسات التّعليم والتّربية والإعلام، مقروءاً ومسموعاً ومرئيّاً، والمنظّمات الثّقافية بكلّ مستوياتها.
مع التّقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات، وتفجّر المعرفة على كلّ المستويات، احتلّت اللّغة مركز الصّدارة، وتجاوز تأثيرها مجالات التّربية والثّقافة إلى المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والتّقنيّة، وإذا كانت اللّغة قد ارتبطت بالسّياسة في عصور سلفت عن طريق الخطابة، وأداتها اللّغة، وإجادتها شرط في نجاح الحاكم وشعبيّته، فهي الآن أساس الخطاب الإعلاميّ ومادّته اللّغة، والإعلام يلعب أهمّ دور في الحياة السياسيّة، وطنيّة أو قوميّة أو عالميّة.
وأدى ذلك إلى العناية باللغات القوميّة التي اندثرت، أو كانت في طريقها إلى الاندثار، في عدد من البلاد الأوروبية وغيرها، ونجح بعضها نجاحاً كاملا كما هو الحال في اللغة العبرية في فلسطين المحتلة، واللغة القطلونيّة في شمال شرقي إسبانيا، والجليقية في شمال غربيها، ولغة ويلز في بريطانيا، وأخذت هذه الظاهرة بعداً سياسياً خاصة بشعار أوروبا الموحدة، واختلف حولها المثقفون هناك، رآها بعضهم عقبة كأداء في طريق أوروبا الموحدة، ورآها آخرون مصدر طاقة ثقافية كامنة، يمكن أن تثري الحضارة الأوروبية في مختلف بلدانها.
وتجلى التأثير الاقتصادي واضحاً فيما تتمتع به الولايات المتحدة من ميزات في تنافسها الشديد مع اليابان في سوق البرمجيات، لشيوع اللغة الإنجليزية وبساطتها، وانغلاق اللغة اليابانية وصعوبتها، ومن هنا جاء اهتمام البلدين الشديد بنشر لغتيهما، والإنفاق على تعليمها في البلاد التي لا تتكلمها، فاليابان مثلا تموّل تعليم اللغة اليابانية في الجامعات المصرية وتدعمه، وتمد هذه الكليات بالمعامل اللغوية والكتب والأساتذة.
وتزداد العناية باللغة –أي لغة– أهمية حين ترتبط بتقنية الطباعة والاتصالات والبرمجيات، والدور الخطير الذي تلعبه في تطوير معمارية الحاسب على نحو ثوري حتى أنه ليعد الآن حاسباً لغويّاً، غايته كسر الحواجز التي تعاني منها بعض اللغات، كالصينية واليابانية، أملا في السيطرة على سوق المعلومات العالمي، والذي يعدّ فيه تعامل تقنية المعلومات مع لغات العالم المتعددة عاملا حاسماً في تحقيق السيطرة.
لقد فجرت تقنية المعلومات مشكلات اللغة على نحو لم يحدث من قبل، وتظهر المواجهة الشديدة بينهما الحاجة الماسة إلى التوفيق بين اللغة والحاسب حتى يتهيّأ للأولى أن تفيد من الثاني، ومن الثاني أن يستخدم الأولى في كفاءة ومن غير مشكلات في الاستخدام والتوصيل، ولن يتمّ ذلك في كفاءة إلا بجهد بالغ من الجانبين، علماء اللغة من جانب، وعلماء الحواسيب من الجانب الآخر، ولن يستطيع أيٌّ منهما أن يصل وحده إلى حلّ مشكلات هذه القضية، وهي بالغة التشابك والتعقيد.
لقد وجد علماء اللغة وعلماء الحواسب أنفسهم أمام تحدٍّ حقيقي؛ لأن ما هو متاح الآن لا يكفي لمواجهة مشكلات اللغة – الحاسب ولا بديل عن استخدام مناهج مبتكرة، وشق دروب علمية جديدة، في جوانب لم يتطرق إليها البحث العلمي من قبل، وهو ما تقوم به مراكز علمية جديدة متخصصة في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وألمانيا واليابان ومناطق أخرى من العالم.
وتصنع الأمم الحريصة على السبق والتقدم المستحيل لكي تحقق غاياتها، ولو أحنت رأسها أمام من تراهم خصومها وأعداءها، وتزهو عليهم وتتكبر بتقدمها وعلمها، وأخرى تتراجع أمام ما كانت تراه تهويمات إبداع، تستمع إليه وتدرسه، فقد تخرج من ورائه بجديد نافع.
إسرائيل تدعو أحمد زويل ليحاضرَها عن ثمرة خياله العلميّ، وقد حوّله هذا العالم المصريّ الفذّ إلى واقع علميّ بعد أن نجح في سحق الزّمن إلى وحدة (الفمتو ثانية) واحد على ألف تريليون من الثانية، التي تتعامل معها آلة تصويره الفائقة السّرعة.
ويرى الكونجرس الأمريكيّ أنّ أيّ خيال علميّ الآن يمكن أن يصبح في الغد واقعاً، وهكذا دعا كاتباً متخصّصاً في الخيال العلمي ليحاضره في مستقبل صناعة المعلومات، وهو يضع سياسة جديدة لنظم الاتّصالات في الولايات المتّحدة.
هذه العمليّة الجادّة والمتحرّرة في الوقت نفسه لم تستطع وهي تدرس قضايا اللغة لكي تجعل منها وسيلة ناجحة وميسرة يستخدمها الحاسب الآلي، أن تتخلص من الأسئلة القديمة ذات الطابع الفلسفي، والتي عادت تطرح نفسها من جديد: هل اللغة ظاهرة عشوائية اعتباطية أو وراء ظاهرها نظام متسق تحكمه قواعد ومبادئ؟
هل ندرس سلوكها الظاهر المحسوس أو نحاول استجلاء المعرفة اللاواعية التي تحكم آليات النطق والفهم؟ هل اللغة سلسلة من الرموز الخطيّة أو شبكة من العلاقات المتداخلة، أو أبنية من مستويات متوازية متتالية؟
ما الوحدة اللغويّة التي يرتكز إليها الدرس اللغوي: أهي اللفظ أو الجملة أو السياق؟ وهل المدخل لدراسة بنيتها الداخلية: مباني تراكيبها، وأنماط نظمها أو دلالة معانيها؟ استعاراتها بخاصّة، وما تبطنه كناياتها؟
وهل تدرس اللغة المنطوقة أو آثارها المكتوبة؟ وهل تعني باللغة كما يجب أن تكون أو كما تمارس في واقع الحياة اليومية، أو نجمع بينهما؟
ومن هنا يرى بعض العلماء أن إخضاع اللغات لضوابط العلم وهمٌ خادع؛ لأن الرياضيات والمنطق والإحصاء لا تستطيع أن تحيط بهذا الكمّ الهائل من ظواهر اللغة المعقّدة، ومن الصعب- إن لم يكن مستحيلاً- على هذه الآلة الصماء (الحاسب) أن تحاكي ملكة اللغة في مرونتها، ومترادفاتها، والانفعالات الكامنة وراء تعابيرها.
لكنّ آخرين من العلماء أيضاً يرفضون هذا الرأي تماماً، ويرون أن كلّ ذلك ممكن تحقيقه إذا توافرت لدينا وسائل علمية جديدة ورياضية حديثة، وإحصاء متقدّم، ومنطق يغاير منطق أرسطو، ومعالجة آلية تختلف عن أساليب البرمجة الحالية التقليدية، وهكذا ظهر ما يسمّى علم (اللّسانيات الحاسبة) (computional linguistics) وأدى ذلك إلى ثورة علميّة في معظم فروع علم اللغة، لما يزل صداها قوياً الآن – طبعاً في غير العالم العربيّ – ولفترة قادمة قد تطول.
إنّ دخول دراسة اللغة في مصاف العلوم المضبوطة فيما يرى عدد من العلماء شرطٌ جوهريّ لكي تتبعها علوم الاجتماع والأدب والنقد، وعلم (استرجاع المعلومات) وهو ما يزال قيد البرمجيات الهندسيّة العمليّة.
لقد أصبح التعامل مع اللغة الآن آليّاً بواسطة الحاسب، وهو محور تقنية المعلومات، وأصبح التواصل عن بعدٍ عبر الوسيط الالكتروني أوسع نطاقاً، وأكثر تنوّعاً، مما قلب مفهوم التواصل اللغويّ التقليدي الذي اعتمدنا عليه قروناً رأساً على عقب فيما يتصل بالعلاقة بين المرسل والمتلقي، أو تنوع أشكال التواصل واتساع نطاقه، ومع ذلك يرى المختصون أن التواصل الحاليّ عبر الشبكة العنكبوتيّة ويرتكز الآن على الكتابة هو مرحلة بدائيّة تمهّد لتواصل أوسع نطاقاً، وسوف تنتهي بنا إلى تواصل أوسع دائرة يمتزج فيه المكتوب بالمسموع، إضافة إلى المرئي من الصور الثابتة والمتحركة.إنها ثورة في أسلوب التواصل ذات نتائج خطيرة، بعيدة المدى فوق ما نتصوّر.

اللّغة العربيّة، والتّطورات التّقنيّة المعاصرة:

قبل أن نعرض لموقف أهل اللّغة العربيّة من التّطورات الخطيرة التي تجري حولنا ونتحدّث عن السّلبيّات الهائلة التي تحول بيننا وبين مكاننا الذي نستحقّه بين الدّول الكبرى المتنافسة من الضروري أن نذكر بميزاتها التي يجهلها الكثيرون من أبنائها الأجيال الشابة بخاصة، واليساريون المراهقون، والمولعون بالغرب حضارة وثقافة على نحوٍ أخص حتى نأتي على الصعاب الكبرى التي تقف في طريقنا، وتحول دون الوصول إلى غايتنا هذه، وهو طريق لا مفر لنا من اجتيازه إذا أردنا الحياة فلا نهضة بدون الوصول إلى هذه الغاية العظمى.
العربية أعرق اللغات السامية، وأغناها أصواتاً وصرفاً، وأثراها معجماً، وهي تتسم بالتوسط اللغوي، ويتجلى ذلك في معظم خصائصها اللغوية مما يجعلها وسطاً بين أطراف كثيرة من المحاور التي تحدد مجالات التنوع اللغوي، فهي تؤثر الشائع وتكرر الشاذ، وتجمع بين كثير من الخصائص اللغوية المشتركة مع لغات أخرى. فإذا اتخذنا من الإعراب مثلاً وجدناها تتخذ موضعاً وسطاً، فهي لا تخلو منه تماماً كما هو الحال في اللغة الإنجليزية، ولا يكثر فيها نسبياً كما هو الحال في اللغة الروسيّة (حالات الإعراب في العربية ثلاث، وفي الروسية ست).
وتضمّ اللغة العربية في صيغ الأفعال المزيدة خمس عشرة صيغة،فتجئ وسطاً بين اللّغات ذات صيغ الأفعال المحددة كاللغة الإنجليزية، والأخرى ذات المزيد منها كالإسبانيّة حيث يتجاوز عدد صيغ أفعالها ثلاثين صيغة.
وتتسم اللغات السامية عامة بخاصية الاشتقاق الصرفيّ المبني على أنماط الصيغ، والعربية في هذا نسيج وحدها لا تباريها في ذلك لغة سامية أخرى أو غير سامية، وتتميز في ذلك بالاطراد الصرفي شبه المنتظم كظاهرة صيغ الجمع مثلاً، ويزيد النّظام الصّرفيّ العربيّ في اطّراده من قابليّته للمعالجة الآليّة، وميكنة المعجم العربيّ، وتطوير نظم آليّة للإعراب الآليّ، والتّشكيل التّلقائيّ، فنظام الصّرف في اللّغة العربيّة يتمتّع بثراء اشتقاقيّ لا تدانيه لغة أخرى في العالم، ذلك وغيره كثير يجعلنا نعتزّ بلغتنا العربية، ونزهو بها، ولسنا وحدنا في هذا الاتجاه، فقد سبقنا الإغريق قديما في هذا، وكانوا يرون أنّ لغات غيرهم بالنسبة للإغريقية نباح كلابٍ، أو نقيق ضفادع، ويقدّس اليهود لغتهم العبرية فيحرمون الكذب بها، ويستحلونه بغيرها، وفي العصر الحديث لا يصدق الفرنسيون أن هناك في العالم من لا يعرف لغتهم، وإن كان فلا بدّ أن يكون جاهلاً متخلفاً لا يستحق الاحترام. وحين تولى الجنرال فرانكو حُكمَ إسبانيا عام 1939م، ولحظ أنّ مواطنيه يحسّون بمركب نقص تجاه تقدم أوروبا وتخلفهم، جعل وسائل العلاج إشاعة الاعتزاز، والزّهو بينهم بلغتهم القوميّة، وأنهم ليسوا في حاجة لمعرفة أية لغة أجنبية غيرها، وقصر التعليم على اللغة الإسبانية وحدها.

اللغة والحاسب:

عندما ظهر الحاسب آلة في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين تحدث العلماء عن استخدامه المحتمل في مجالات التحليل اللغويّ والتّرجمة الآليّة، وقد باءت المحاولات الأولى بالفشل الذريع، وبدا أن ذلك مستحيل، ما لم تخضع اللغات قبل ذلك للتجريد الرياضي، والتنظير الدقيق، وهما الوسيلتان لدخول اللغة عالم المعالجة الآلية بواسطة الحاسب. وهكذا وضع (برتراند راسل) الأسس الرياضية لنظرية صوريّة للغات الرمزية، ثم جاء (نعوم تشومسكي) في نهاية الخمسينيات من القرن نفسه فوضع النموذج الرياضي للغات الإنسانيّة حين أدخل مصطلح النحو التوليديّ في علم اللّغة، وتطور على يده ورفاقه ليصبح نظرية ذات تأثير عظيم لا في علم اللغة فحسب، وإنما في الفلسفة وعلم النفس والفروع العلمية الأخرى المعنيّة باللغة.
كان تشومسكي يرى أنّ الملكة اللغوية فطريّة في الإنسان، ومظهر خاصّ بالجنس البشري تميزه عن الآلية وعن غيره من سائر الحيوان، وأن الإبداع اللغوي خاصية مميزة للبشر لكنّه إبداع يحكمه قانونٌ، وهو ما يبحثه النحو التوليدي.
تقوم النظرية التوليدية على دعائم أهمها:
أن الغاية من الدرس اللغوي ليست تحليل عينات الأمثلة، أو توصيف حالات الاطراد والشذوذ، أو وضع قائمة بمعايير الحكم على صحة الجمل، بل بوضع نحو توليدي رياضي للغة، يمكنه توليد جميع الجمل المسموح بها من قبل هذه اللغة بمجموعة من القواعد الرياضيّة.
وبينما شغل اللسانيون أنفسهم في الماضي بالبحث عن التباين اللغوي ركّز تشومسكي في أبحاثه على العموم اللغوي، وعلى القاسم المشترك بين اللغات للوصول إلى نحوٍ عام يفسر ظواهر التشابه والتباين بينهما، وبقدر ما حظيت نظريات تشومسكي من تأييد وترحيب على امتداد القرن العشرين واجهت في الوقت نفسه نقدا شديداً من فلاسفة اللغة وعلماء النفس إذ رموها بعدم الواقعيّة؛ لأنها أهملت وظيفة اللغة الاتصالية، وأبعادها الاجتماعية، وركزت على اللغة في صورتها المفترضة لا على تلك التي تمارس في الحياة العملية، ورأى علماء الحواسب أنها تسرف في تجريداتها وعمومياتها على نحو يجعل من الصعب استخدامها عمليّاً أساساً لتطوير نظم واقعية لمعالجة اللغة آلياً.
لقد خضعت اللغة للصياغة الإحصائية والرياضية، وجزئيّاً للتحليل المنطقي، وأصبح الطريق ممهداً لتدخل مرحلة المعالجة الآلية لتأكيد وصولها إلى مرحلة النضج العلمي.

العلاقة بين الحاسب واللغة بعامّة:

منذ ظهرت الحواسب في أواخر الأربعينيات توثقت صلتها باللغة وتأصلت في كلا الاتجاهين؛ لأن اللغة تجسّد –ببساطة– ما هو جوهري في الإنسان، وهو نشاطه الذهني بكلّ تجلياته. وفي الوقت نفسه اتجه الحاسب نحو محاكاة وظائف الإنسان وقدراته الذهنية، لقد صحبت ثورة التنظير اللغويّ تقنية في الحواسب لا تقل ثورية في تطبيق أساليب الذكاء الاصطناعيّ، وعلوم المعرفة وتقنيات الأعصاب على معالجة اللّغات الإنسانيّة بواسطة الحاسب بهدف إكساب هذه الآلة المهارات اللّغويّة من اشتقاق وتصريف وإعراب، واختصار وفهرسة، وتدرج هذا الالتقاء حتى بلغ درجة عالية من التّفاعل العلميّ والتقني على نحوٍ غير مسبوق حتى أنه أمل في أن يقوم الحاسب بكتابة نصّ أدبي يوماً ما.
مع التقدّم الواضح في علوم اللغة، والتقدم المذهل في مجال الحواسب بعامة وفيما يتصل باللغات خاصة تطلب تفجر المعرفة واتساعها استخدام وسائل آلية ذات كفاءة عالية لتنظيم هذا الفيض المتدفق من المعلومات وتنظيمها وتخزينها واسترجاعها وتوظيفها وزيادة كفاءتها.
إن تطور الحواسب لم يعد يقف عند حدّ، وبحسب المرء أن يتابع أبسطها (الهاتف المحمول مثلاً) فسيجدها تتقدم تقنية واستخداماً وحجماً وتكلفة وتخصصاً من شهر لآخر، فأصبح منها ما هو خاص بتشخيص الأمراض، وتقديم الاستشارات القانونية والفنية وكلها تتطلب القدرة على الحوار مع المستخدم (بكسر الدال) البشري بلغة سهلة تقترب من لغته الطبيعيّة، ولا يزال التقدم متواصلاً ويصعب تخيل إلى أين سوف ينتهي بنا!

وماذا عن اللغة العربية؟

بدءاً علينا أن نعترف أن تقنيات الحاسب الآلي اللغوية قامت لتلبي أصلاً المطالب الخاصة باللغة الإنجليزية من أجل الولايات المتحدة لا من أجل عيون بريطانيا، فمعظم لغات البرمجة مصمّمة بالإنجليزية، والشفرات المستخدمة لتبادل المعلومات صممت أصلاً للتعامل مع الأبجدية الإنجليزية، وهي محدودة في حروفها وفي أشكال هذه الحروف، وبهذه اللغة نفسها تم تخزين المعلومات واسترجاعها، والقسم الأكبر من مكتبة البرامج الجاهزة باللغة الإنجليزية، ومثلها معظم المصادر والمراجع والدوريات والبحوث على حين أنّ 90% من سكّان العالم الإنجليزية ليست لغتهم القوميّة. ولم يحدث ما يزحزح الإنجليزية من مكانتها هذه إلا عندما ظهرت اليابان قوى عالميّة، ولها لغتها الخاصّة وهي تعتزّ بها، وتحاول كسر سيطرة الإنجليزية على تكنولوجيا المعلومات بعامّة، والشبكة العنكبوتية بخاصّة، وفي سبيل ذلك تتزعّم الدول غير الناطقة باللغة الإنجليزية لتكوين حلفٍ قويّ يدافع عن مصير اللغات القوميّة في مواجهة الخصم اللغوي الأمريكيّ، وتعدّ التعامل تكنولوجياً مع لغات العالم المتعددة عاملا مهمّاً في كسر هذه السيطرة، ولكن علينا أيضاً أن نعترفَ بأن لغتنا القومية لا تحظى بالاهتمام الجديرة به، وأنها في ظل العولمة، وثورة المعلومات تتعرض لحركة تهميش نشطة بفعل الضغوط الهائلة الناجمة عن طغيان اللّغات الأجنبية وعلى رأسها الإنجليزيّة، وتشاركها في هذا لغات أخرى، وكلها تشنّ حرباً ضارية ضدّ العروبة والإسلام لشدّة الارتباط بينهما.
كما أنّ تعليمنا في كل مستوياته لا يعكس مدى أهمية اللغة العربية، لا في مناهجه ولا في سلوك أساتذته، ولا في أداء تلاميذه، وخلال عصر مبارك المخلوع فرضت قوى أجنبية- يعرفها كل الذين يعملون في وزارة التربية- رأيها لغايات في نفسها، حتى أنهم وضعوا على رأس اللجنة المكلفة بتطوير مناهج اللغة العربية مدرسة (هوايات وأشغال) توجهها لحساب الذين أتوا بها، وكانت صاحبة كلمة نافذة فوق الجميع، والنتيجة الحتمية أن التلاميذ لم يعودوا يقبلون على اللغة العربية حبّاً فيها، وإنما رغبة في اجتياز الامتحان آخر العام فحسب.
وتمادينا في التراجع والتبعية حتى بلغ الأمر أن جامعاتنا وهي القمة والأمل أنشأت في كليات الحقوق والتجارة والإعلام وغيرها أقساما كاملة تدرس فيها كل المواد، بإحدى اللغتين المذكورتين: الإنجليزية أو الفرنسية، مقابل نفقات عالية لا يستطيعها إلا أبناء الأغنياء، وأصبح لدينا تعليمان جامعيان: واحد للفقراء وآخر للأغنياء.
والتردي لا نهاية له، والسقوط ألوان، فلم نقنع بما حدث في جامعاتنا بل تركنا وجدان جانب كبير من شبابنا تحت سيطرة جامعات أجنبية كاملة متعددة تصوغه كيف تشاء: أمريكية وكندية وفرنسية وإنجليزية وألمانية، وكلها مستقلة لا تعرف الدولة ما الذي تدرسه لطلابها بلغاتها القومية، وهي تقدّم دراسات إنسانية فحسب: اقتصاد، وإعلام، وفلسفة، وسياسة، وما يتصل بهذا، ولكنها لا تدرس علوماً بحتة من طبّ وهندسة وصيدلة، والسبب واضح لأنها في المجالات الأولى تكوّن الطالب إنسانياً، وتصوغه كيف تشاء، ويجئ ولاؤه للمبادئ التي تعلمها، أمّا العلوم البحتة فمحايدة، وهي في نهاية المطاف تقدم للوطن إضافات جديدة نحن في أشدّ الحاجة إليها.
نحن نشكو من أزمة لغوية حادّة على جميع الأصعدة تنظيراً وتعليماً نحواً ومعجماً، إبداعاً ونقداً، ونعاني حالة مزمنة تتمثل في غياب إرادة الاهتمام باللغة، وعجز الحكومة عن حمايتها وتنفيذ ما صدر من تشريعات خاصّة باستخدام اللغات الأجنبية في لافتات المحلات العامة، والإعلانات ومخاطبات المصارف، ويتجلّى عدم الجديّة واضحاً حين تقارن بين توصيات مجامع اللغات العربية في دوراتها المتعددة بالقاهرة ما يتخذ منها نظريا وما يطبّق واقعاً فسوف تجد: لا شيء مما قيل أخذ طريقه إلى التنفيذ.ثم جاءت تكنولوجيا المعلومات لتضيف إلى هذه الأزمة بعداً فنياً متعلقاً بمعالجة اللغة العربية آليّاً بواسطة الحاسب.
نتيجة أزمتنا اللغوية وقلة المعرفة بالتطورات الحديثة في مجالات اللغة في العالم المتقدم فيما يتصل بالرياضيات الحديثة والمنطق الحديث والحواسب اللغوية وجدنا أنفسنا ونحن نواجه هذه الآلية الجديدة البالغة الدقة والتعقيد والنفع ومع عجز العقل العربي عن الابتكار والاختراع أننا – حين نواجه أنفسنا بصراحة وبدون لفّ أو دوران نقف على حافّة المعرفة بهذه التقنية دون أن نغوص إلى أعماق أبعادها، ورغم كل الجهود التي بذلت ولا تقوم على أسس علمية جادة فإن ما توصلنا إليه حتى الآن لتعريب الحاسب الآلي لا يخرج في مجمله عن طباعة النصوص بالعربية، وإظهارها على الشاشة.
إنّ استيعاب العربية في نطاق تقنيات صمّمت أصلاً لتخدم اللغة الإنجليزية عملية خاطئة من أساسها؛ لأن العربية وهي أعقد اللغات السّامية، والإنجليزية وهي أبسط اللغات (الهندوأوروبية) طرفاً نقيض في معالجة اللغة آلياً، ومع ذلك تمّ هذا العمل لدوافع اقتصاديّة، وكان وراءه لهفة موردي المعدات والبرمجيات على الربح، وفي سبيل ذلك خضعت العربية للطرق التعسفية حتى تستجيب للقيود التي فرضها النموذج الإنجليزي إما بالتحايل حول هذه القيود على حساب المستخدم، أو التّرخص في بعض خصائص اللّغة العربيّة، كتقليل أعداد أشكال الحروف، إغفال الشّكل في الكتابة العربيّة، وتجّنب قواعد الإعلال والإبدال، وجوانب أخرى متعدّدة.
إنّنا الآن على الرّغم من كل النوايا الطيبة، وكثرة المؤتمرات والندوات واللجان والتوصيات لا تزال جهودنا قاصرة عن الإفادة من منجزات التقدم العلمي في مجال الحاسبات، ولا يزال البعض من علمائنا المهندسين كسلانا يفكر في تطويع اللغة العربية لتستجيب لمتطلبات الآلة التي صنعت في الولايات المتحدة لخدمة اللغة الإنجليزية حتى لو أساء ذلك إلى قواعد العربية، قواعد وبناء بدل أن يفكر في ابتداع آلة تستجيب لمطالب لغتنا متجاهلاً ما صنعته اليابان وكوريا والصّين، وحتى إسرائيل. ولا يزال مختصون من علماء اللغة العربية وعلماء الهندسة في جملتهم بمعزل عن تطورات الحاسب الآلي والشبكة العنكبوتية وهي تتطور على نحوٍ فائق السرعة، وتنجز كل يوم جديداً حتى يمكن القول: إن ثمة قطيعة بين معظم علماء العرب وعلم الحاسبات، ويكفي أن أشير أن مجمع اللغة العربية الموقّر في القاهرة لا يضمّ بين أعضائه متخصصاً واحداً في هذا العلم على المستوى اللغوي أو التقني، وليس بين لجانه المتخصصة لجنة واحدة تختصّ بهذا الأمر، بداهة لا أعني تعريب المصطلحات الخاصة به؛ فالمجمع يقوم في هذا بجهد مشكور، ولكنّي أعني دراسة كيفية الإفادة منه، وقد فشلت جهود الطيبين على امتداد سنوات مضت في سدّ هذا النقص.
إن مهمّة المثقف الوطني الحق المؤمن بوطنه ورسالته بالغة الصعوبة في هذه الأيام؛ لأن عليه أن يتصدى للسلبية واللامبالاة وأن يواجه تشتت الرأي، وفقدان الثقة، وأن يتصدى لأزمة اللغة العربية تنظيراً وتعليماً واستخداماً، وأن يتبنّى في قوّة سياسيّة لغويّة قوميّة تنهض بالعربيّة وتعيدها إلى سابق أمجادها، وتلحقها بتطورات العصر، فاللّغة الوطنيّة المحترمة في بلدها وبين قومها المتقدّمة والمتطورة في المدخل الطبيعيّ، والطّريق الأقصر إلى نهضة ثقافية شاملة، وهي الوسيلة إلى الإفادة العالية من تكنولوجيا المعلومات، وثقافة العصر، وأن يدرك ما تعنيه هذه بالنسبة له ولعصره، وأن يتقن استخدامها وإلا بقي في نهاية الصفّ متخلفاً يعاني فراغاً ثقافياً لا حدّ له.
لقد أنهت ثورة 25 يناير دور مثقف السّلطة (وهم يمثلون الأغلبية) البارع في تشويه الواقع، وتلميع الحاكم، ووأد الأصيل، والبديع والمخالف المتمرس في مقايضة نتاج الأقلام، وزرع الأوهام باحتلال المناصب، الآكل على كل الموائد، الراقص على كل الأنغام، محتكر المنابر، المستأثر بسلطة المعرفة، ومنافس الحكام في تكوين الثروات وبناء العمارات، وهم الآن معروفون بتاريخهم الملوث، وجرائمهم الفاضحة وإن كانوا لا يخجلون كما فعلوا، ولديهم من البجاحة مما يجعلهم يواصلون اللعبة نفسها، فهم لا يزالون يكتبون في الصحف، ويطلّون علينا من قنوات التليفزيون ذاتها كأنهم لم يرتكبوا من قبل أيّ جرم!
العربيّة الآن في حاجة إلى علماء جدد لعصر جديد، ومطلوب من جامعاتنا ومراكز البحوث عندنا ألا تتجاهل ثورة علوم اللّسانيات التي تحرّك العالم، وتتقدّم في سرعة، والعالم يلهث وراءها منذ منتصف القرن الماضي.
وأتجه بفكري إلى جامعة القاهرة متطلعاً إلى كليتين عريقتين لهما تاريخ مجيد: دار العلوم والهندسة في عمل مشترك يخطط أوّلا لهذا الأمر: الحاسب واللغة العربية على أن تدعم الدولة والجامعة هذا الأمر مادياً ومعنوياً، توفر لهما البعثات اللازمة، والاتصال الشخصي بالمراكز المتقدمة، وترعى من يضطلعون بهذا الأمر، ومثل هذا العمل أليقُ بدار العلوم، وهي به أجدر من قيام بعض مدرسي اللّغة فيها بنشاط يتّصل بإعداد طلابهم للأعمال الصحفيّة التي لا تتصل باللّغة، وفي مواجهة مبنى دار العلوم مبنى آخر اسمُه كليّة الإعلام هذه وظيفته!
أتمنّى وفي هذه المرحلة من العمر لا أملك لقومي ووطني ومعهدي غير التمني !

(الهلال، مايو، 2012م)