السبت، 29 أغسطس 2015

المجلس الأعلى للثقافة والطاهر مكى. بقلم: سعيد الشحات.


لم يبالغ الأديب الكبير بهاء طاهر حين قال بعد فوزه بجائزة النيل للآداب: «إن أستاذى الطاهر مكى كان أحق منى بالجائزة» قالها بهاء طاهر لأنه كبير القيمة ويعرف كبار القيمة وعلى عرشهم يتربع الدكتور الطاهر مكى، العلامة فى مجال الدراسات الأدبية عامة والأندلسية خاصة، والأستاذ الذى ضخ للحياة العملية والأدبية آلاف التلاميذ على مدى ما يزيد على ستين عاما قضاها فى التدريس بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وكنت واحد من هؤلاء الذين يحرصون على ألا يفوتهم محاضرة واحدة منه، وفيها سمعت منه عبارات لا يزال صداها يرن بداخلى: «لم يدخل الإسلام بلدا وخرج منها غير بلاد الأندلس»، ويتحدث بعذوبة فائقة عن قصة حب «حفصة بنت الحاج» العاشقة الأندلسية التى جهرت بحبها وكتبت الشعر فيه، وبعد قتل حبيبها غادرت الأندلس إلى المغرب وظلت فيها حتى ماتت، ومنه تعلمت كيفية قراءة أى نص فى القصة القصيرة بذائقة نقدية رفيعة، وذلك من خلال تدريسه لنا نصوصا منها اعتمادا على كتابه «القصة القصيرة دراسات ومختارات»، ونفس الشىء فى الشعر العربى من خلال كتابه «الشعر العربى المعاصر».. روائعه ومدخل لقراءته. مؤلفات ودراسات الدكتور الطاهر مكى هى انعكاس لرجل موسوعى، هو الذى فتح المجال للقارئ العربى حتى يفهم شاعر أمريكا الجنوبية «بابلو نيرودا» أيقونة شيلى ورفيق ثائرها اليسارى «سلفادور الليندى» الذى فاز بحكم شيلى عبر صندوق الانتخاب، لكن المخابرات الأمريكية اغتالته عبر أعوانها من الداخل وذلك بانقلاب دموى قاده الديكتاتور «أوغستو بينوشيه»، ويظل كتاب «بابلو نيرودا شاعر الحب والنضال» للطاهر مكى هو استدعاء لحالة فيها تزاوج الشعر بالثورة، وبنفس القدر من الرصانة والقوة والريادة كانت مؤلفاته الأخرى «أمرؤ القيس حياته وشعره» و: «مع شعراء الأندلس والمتنبى» و«مناهج النقد الأدبى» و«الشعر العربى فى إسبانيا وصقلية» و«الحضارة العربية فى إسبانيا» و«التربية الإسلامية فى الأندلس» و«تحقيقه لمخطوطتى طوق الحمامة» و«الأخلاق والسير» لابن حزم، و«دراسة فى مصادر الأدب» و«الأدب المقارن أصوله وتطوره ومناهجه». حاصل هذه المؤلفات أننا أمام علامة ورائد وعمدة فى إبداع الدراسات الأدبية، قدم إنتاجه العظيم، ومعه قيم عظمية بثها فى تلاميذه، وأهمها أنه لم يداهن سلطة من أجل منصب، ولم يقل نفاقا للحصول على مغنم، ولهذا فمن الضرورى أن ينتبه المجلس الأعلى للثقافة إلى ضرورة تكريم يليق به.

وفي اليوم التالي كتب تحت عنوان:  وزير الثقافة والطاهر مكى.
تلقيت اتصالا طيبا من وزير الثقافة الدكتور عبدالواحد النبوى، أمس الأول، تعليقا على ما كتبته فى هذه المساحة فى نفس اليوم بعنوان «المجلس الأعلى للثقافة والطاهر مكى»، وتحدثت فيه عن عالمنا الكبير الدكتور الطاهر أحمد مكى، ...، وتساءلت: لماذا لا ينظم المجلس الأعلى للثقافة تكريما يليق به؟ والدكتور مكى بالنسبة لى أستاذ، حيث كنت من تلاميذه أثناء دراستى الجامعية بجامعة القاهرة، وكنت أحصل فى مادته «الأدب»على «امتياز»، ملتزما بملاحظة يكتبها فى سؤاله: «لا تكتب فى الإجابة أكثر من 25 إلى 40 سطرا»، ومنفذا لتحريضه على الاستفادة من القراءة الخارجية فى الإجابة. أخبرنى وزير الثقافة أنه فور قراءة مقالى، كلف الدكتور محمد أبوالفضل بدران، رئيس المجلس الأعلى للثقافة، بزيارة الدكتور مكى  وأشار إلى أن «مكى» كان مرشحا لجائزة النيل، وبالرغم من أنه لم يحصل عليها، إلا أن حضوره الثقافى والفكرى لا ينكره أحد، فقلت للوزير، إنه إذا كان التصويت على الجائزة لم يذهب إليه فليس عيبا فى إنتاجه الأدبى والفكرى، ولكن لأشياء أخرى ليس له ذنب فيها، فمن الضرورى أن تفكر الوزارة فى تكريم يليق به، فوافقنى الوزير على ما قلته قائلاً: «جارٍ التفكير فى كيفية تكريمه بشكل لائق وعمل شىء كبير له»، وأضاف: «الدكتور مكى أستاذ كبير، لكن حالته تذكرنى بما ذكره الإمام الشافعى حين جاء إلى مصر وكان فيها عالما وفقيها عظيما هو الإمام الليث»، فقال: «الليث أبقى من مالك ولكن ضيعه تلاميذه»، يستدعى وزير الثقافة ما قاله الإمام الشافعى ويقيس عليه: «تلاميذ الدكتور مكى عليهم واجبات كثيرة نحو أستاذهم لم يفعلوها». بعد اتصال وزير الثقافة، تلقيت اتصالا آخر من الدكتور محمد أبوالفضل بدران، أخبرنى فيه أنه عائد من زيارة أستاذه الجليل الدكتور مكى... وأضاف أنه وأثناء شغله منصب عميد كلية الآداب جامعة جنوب الوادى، رشحت الكلية الدكتور «مكى» لجائزة النيل عام 2011، لكن فاز بها الكاتب الراحل أحمد رجب، وقال بدران إنه فعل ذلك بينما لم تفعله جامعته «القاهرة»، وقدمنا مبررات ترشيحه التى تجتمع على قيمة أن «مكى» عمدة فى مجاله. طلبت من الدكتور بدران ضرورة أن يقوم المجلس الأعلى للثقافة بعمل تكريم يليق بالرجل، وقلت له إن ترشيحكم له لجائزة النيل ليس نهاية المطاف، فقال: «ندرس بالفعل عمل شىء كبير يليق به.

المصدر: https://www.youm7.com/story




الناقد الأدبي الطاهر مكي: المجاملات آفة مشهدنا الأدبي والنقدي


كتب الخبر: سماح عبد السلام
افي حواره مع «الجريدة» أكد امتنانه لكل المتصلين به للاطمئنان على حالته، وصب جام غضبه على ما تشهده الحياة الأدبية والنقدية من تدني المستوى مطالباً بثورة أدبية تفرز جيلاً جديداً.

تؤكد عدم وجود أدب أو نقد راهناً، ما دليلك على ذلك؟

فكرت وأنا أعطي دروساً في القصة القصيرة لطلابي بالجامعة أن أخذ قصصاً كُتب عنها في الصحف الكبرى، فقد تصورت أنه لا يصح لجريدة كبرى أن تنشر القصة إلا إذا كانت جيدة، ولكن بقرائتي للقصص وجدتها مليئة بالأخطاء النحوية واللغوية والإسلوبية والتي لا يقع فيها طلاب الفرقة الأولى. جئت بقصة أخرى وحاولت فهم ما يريد الكاتب قوله فلم أتوصل إلى شيء، الدليل على ذلك أن ثمة صحفاً في أعدادها الآخيرة تنشر قصصاً ليوسف إدريس وغيره من كبار الكتاب لأنها لم تجد في ما يرسل إليها ما يستحق النشر، فتقدم لنا قصصا نُشرت قبل خمسين عاماً.
الرواية مثل القصة من الناحية السلبية، ولكن الفرق بينهما أن عوار القصة يظهر بسهولة لأنها قصيرة، أما الرواية فتحتاج إلى قراءات عدة كي تصل إلى ما فيها من أخطاء. لم أجد رواية جيدة، الناس يتصورون أن من يكتب حكاية يقدم رواية، ما يُكتب حالياً حكايات مملة، وهذا هو الفرق بين الفن والثرثرة. يجذبني الفن، لذلك من قواعد النقد البديهية أن العمل الجيد هو الذي إذا بدأت قرائته لا تتركه حتى تكمله، لذا لم أجد إلا القليل جداً من الروايات الأخيرة التي تلفت الانتباه.

هل حال الشعر مثل الرواية والقصة أم يختلف إلى حد ما؟

انتهى الشعر، الشعراء الجيدون أوصدت في وجوههم الأبواب إذا استثنينا شاعراً جيداً هو فاروق جويدة ولمكانته في الأهرام يستطيع نشر ما يريد، يكتب شعراً جيداً وله {تفانين} في كتابته، ويعكس صورة المجتمع في شعره. كذلك الأمر بالنسبة إلى الشاعر أحمد غراب، ما عدا ذلك فهو كلام لا يرقى إلى مستوى الشعر.

برأي ناقدنا، هل أفرزت قصيدة النثر شعراء، خصوصاً أنك لم تشُر إلى أي من شعرائها كنموذج إيجابي كما ذكرت في التفعيلة؟

كيف تكون نثراً وتفرز شعراً، كيف تكون ناثراً وتكتب شعراً؟ هذه إدعاءات خاصة بأفراد يجلسون على المقاهي ويتصورون أنهم يعيدون ترتيب الكون، لا شيء اسمه قصيدة النثر، ولكن ثمة ما يسمى بالنثر الجميل الموقع ولا صلة له بالشعر. كانت مقالات الزيات نثراً جميلاً موقعاً، كنا نحفظها حباً فيها حيث تثبت في الذاكرة، كذلك القصص وترجماته وأبرزها {آلام سارتر}، والتي عندما كان يقرأها جيلي كان يبكي لما انتهت عليه حال الوطن وهي نثر. يوجد شعر أو نثر، ومن يكتب الشعر لا يكتب النثر. من يقول على النثر شعراً يخدع نفسه قبل أن يخدع الآخرين. الشعر الحر مات، لا أحد يذكر من كان يكتبه، فقد اختفى معظمهم من الساحة وبعضهم ظل محتفظاً بمكانته لأسباب لا علاقة لها بقوة الإبداع وإنما بالشللية وتبادل المصالح. كان بوزارة الثقافة اتجاه غربي لقتل القصيدة العربية، لذا شجعت من كتب كلاماً غير عربي أو لا يتبع التراث العربي. لا توجد ثقافة راهناً، أليس غريباً أن تنشر الوزارة عشرات الكتب لآخرين في الفترة الماضية بينما لا تنشر كتاباً واحداً للعقاد .

هل ترى أننا بحاجة إلى ثورة أدبية كي تقدم لنا حركة ثقافية جديدة؟

نعم، ولكن المشكلة أن الثورات تستغرق زمناً أيضاً كي تخلق ثورة أدبية. نضع القواعد الآن ولكن الناتج بعد ربع قرن، ولكن علينا أن نبدأ من الآن بالتعليم والبحث عن المواهب في الريف.

لكن ما أولويات النقد في الفترة الراهنة؟

أرى ضرورة أن تجتمع مجموعة جادة ممن يؤلمهم ضياع مكانة مصر الأدبية، ليفكروا لماذا تدهورت؟ كذبنا على أنفسنا وسيرنا في طريق غير حقيقي، وغيرنا كان جاداً لنكتشف في نهاية الطريق أن غيرنا سبقنا. ذهب المستشرق الفرنسي جاك بيرك إلى العراق منذ 30 عاماً ليرى الشعراء وقرأ الروايات فقال: ذهب العراق بالشعر وذهبت مصر بالرواية. ولا يزال هذا الكلام صادقاً حتى الآن، ولكني أضيف إليه الآن أن الجيل الجديد من الروائيين في تونس والجزائر والمغرب هو الذي يكتب الرواية والقصة الجديدة، لديهم لغتهم الفرنسية فإذا جمعوا إليها المعرفة الغربية حيث الانفتاح على الرواية الأوروبية وقراءتها في لغتها، لذا استفادوا من التقنيات الحديثة للقصة والرواية، وأتساءل هل يوجد لدينا روائيون وكتاب مثل نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس يقرأون روايات بلغات أجنبية فيستفيدون من تقنيتها؟ أشك في ذلك... الكتابة الآن {طق حنك}... وعندما نعترض يقُال إننا نُصادر حرية الكتابة. بالطبع، المبدع حر في ما يقول ولكن المتلقي حر في تذوق ما يشاء.

ترجمت عن الفرنسية والإسبانية، فكيف ترى حركة الترجمة في مصر؟

الترجمة صعبة جداً، لها قواعد وضعها المصريون. إذا رجعنا إلى الكتب التي ترجمتها لجنة التأليف والنشر والترجمة في الثلاثينيات والأربعينيات سنجدها رائعة من جهة الترجمة والمترجم نفسه. في الترجمات الأخيرة تسير بمنطق {أوكازيون وصاحبه غائب} يريدون عددا فقط، نجد كتبا تمت ترجمتها مرتين في المجلس الأعلى للثقافة وهيئة الكتاب فقط كي يتقاضى المؤلف أجراً عنها، بالإضافة إلى أن بعض الكتب المترجمة سيئ ومليء بالأخطاء.

كيف تجلى أثر الثقافة الإسبانية عليك وقد حصلت على شهادة دكتوراه من إسبانيا؟

هي نقلتني إلى العالم الحديث، أنا رجل من صعيد مصر، تخرجت في دار العلوم، وثقافتي تقليدية، ولكني ذهبت إلى إسبانيا مفتوح القلب والعقل وكنت مستعداً لتقبل كل شيء، وقد عرفت أننا نكذب على أنفسنا وعشت في إسبانيا سبع سنوات متتالية ولم يحدث يوماً ما عكر مزاجي، لما لا وقد حدث تفاهم ما دام الإنسان يسير في حدود القانون. ومن ناحية الثقافة، ورغم أنني عشت في فترة فرانكو وهي فترة فاشية وكانت ثمة رقابة كبيرة على الكتب ولم يكن يتوافر الإنترنت أنذاك، فلم يكن ثمة حجب أو منع للثقافة الأجنبية، كذلك شهدت ازدهارا للمسرح والروايات والمكتبات ومعارض الكتب.

ما رؤيتك للمشهد النقدي، لا سيما مع تعدد اتهامه بعدم مواكبته الحركة الإبداعية؟

النقد الحقيقي يحتاج إلى إبداع حقيقي. نفتقد إلى وجود إبداع أدبي، حيث دعاوى فارغة ليس وراءها شيئاً حقيقياً، وطالما خلت الساحة من الإبداع الحقيقي فلا نتوقع منها نقداً حقيقياً، ليس لدينا ما يستحق النقد ولكنه مجاملات.
http://aljaridaonline.com/news