لم يبالغ الأديب الكبير بهاء طاهر حين
قال بعد فوزه بجائزة النيل للآداب: «إن أستاذى الطاهر مكى كان أحق منى بالجائزة»
قالها بهاء طاهر لأنه كبير القيمة ويعرف كبار القيمة وعلى عرشهم يتربع الدكتور
الطاهر مكى، العلامة فى مجال الدراسات الأدبية عامة والأندلسية خاصة، والأستاذ
الذى ضخ للحياة العملية والأدبية آلاف التلاميذ على مدى ما يزيد على ستين عاما
قضاها فى التدريس بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وكنت واحد من هؤلاء الذين
يحرصون على ألا يفوتهم محاضرة واحدة منه، وفيها سمعت منه عبارات لا يزال صداها يرن
بداخلى: «لم يدخل الإسلام بلدا وخرج منها غير بلاد الأندلس»، ويتحدث بعذوبة فائقة
عن قصة حب «حفصة بنت الحاج» العاشقة الأندلسية التى جهرت بحبها وكتبت الشعر فيه،
وبعد قتل حبيبها غادرت الأندلس إلى المغرب وظلت فيها حتى ماتت، ومنه تعلمت كيفية
قراءة أى نص فى القصة القصيرة بذائقة نقدية رفيعة، وذلك من خلال تدريسه لنا نصوصا
منها اعتمادا على كتابه «القصة القصيرة دراسات ومختارات»، ونفس الشىء فى الشعر
العربى من خلال كتابه «الشعر العربى المعاصر».. روائعه ومدخل لقراءته. مؤلفات
ودراسات الدكتور الطاهر مكى هى انعكاس لرجل موسوعى، هو الذى فتح المجال للقارئ
العربى حتى يفهم شاعر أمريكا الجنوبية «بابلو نيرودا» أيقونة شيلى ورفيق ثائرها
اليسارى «سلفادور الليندى» الذى فاز بحكم شيلى عبر صندوق الانتخاب، لكن المخابرات
الأمريكية اغتالته عبر أعوانها من الداخل وذلك بانقلاب دموى قاده الديكتاتور
«أوغستو بينوشيه»، ويظل كتاب «بابلو نيرودا شاعر الحب والنضال» للطاهر مكى هو
استدعاء لحالة فيها تزاوج الشعر بالثورة، وبنفس القدر من الرصانة والقوة والريادة
كانت مؤلفاته الأخرى «أمرؤ القيس حياته وشعره» و: «مع شعراء الأندلس والمتنبى»
و«مناهج النقد الأدبى» و«الشعر العربى فى إسبانيا وصقلية» و«الحضارة العربية فى
إسبانيا» و«التربية الإسلامية فى الأندلس» و«تحقيقه لمخطوطتى طوق الحمامة»
و«الأخلاق والسير» لابن حزم، و«دراسة فى مصادر الأدب» و«الأدب المقارن أصوله
وتطوره ومناهجه». حاصل هذه المؤلفات أننا أمام علامة ورائد وعمدة فى إبداع
الدراسات الأدبية، قدم إنتاجه العظيم، ومعه قيم عظمية بثها فى تلاميذه، وأهمها أنه
لم يداهن سلطة من أجل منصب، ولم يقل نفاقا للحصول على مغنم، ولهذا فمن الضرورى أن
ينتبه المجلس الأعلى للثقافة إلى ضرورة تكريم يليق به.
وفي
اليوم التالي كتب تحت عنوان: وزير الثقافة
والطاهر مكى.
تلقيت اتصالا طيبا من وزير الثقافة
الدكتور عبدالواحد النبوى، أمس الأول، تعليقا على ما كتبته فى هذه المساحة فى نفس
اليوم بعنوان «المجلس الأعلى للثقافة والطاهر مكى»، وتحدثت فيه عن عالمنا الكبير
الدكتور الطاهر أحمد مكى، ...، وتساءلت: لماذا لا ينظم المجلس الأعلى للثقافة
تكريما يليق به؟ والدكتور مكى بالنسبة لى أستاذ، حيث كنت من تلاميذه أثناء دراستى
الجامعية بجامعة القاهرة، وكنت أحصل فى مادته «الأدب»على «امتياز»، ملتزما بملاحظة
يكتبها فى سؤاله: «لا تكتب فى الإجابة أكثر من 25 إلى 40 سطرا»، ومنفذا لتحريضه
على الاستفادة من القراءة الخارجية فى الإجابة. أخبرنى وزير الثقافة أنه فور قراءة
مقالى، كلف الدكتور محمد أبوالفضل بدران، رئيس المجلس الأعلى للثقافة، بزيارة
الدكتور مكى وأشار إلى أن «مكى» كان مرشحا
لجائزة النيل، وبالرغم من أنه لم يحصل عليها، إلا أن حضوره الثقافى والفكرى لا
ينكره أحد، فقلت للوزير، إنه إذا كان التصويت على الجائزة لم يذهب إليه فليس عيبا
فى إنتاجه الأدبى والفكرى، ولكن لأشياء أخرى ليس له ذنب فيها، فمن الضرورى أن تفكر
الوزارة فى تكريم يليق به، فوافقنى الوزير على ما قلته قائلاً: «جارٍ التفكير فى
كيفية تكريمه بشكل لائق وعمل شىء كبير له»، وأضاف: «الدكتور مكى أستاذ كبير، لكن
حالته تذكرنى بما ذكره الإمام الشافعى حين جاء إلى مصر وكان فيها عالما وفقيها
عظيما هو الإمام الليث»، فقال: «الليث أبقى من مالك ولكن ضيعه تلاميذه»، يستدعى
وزير الثقافة ما قاله الإمام الشافعى ويقيس عليه: «تلاميذ الدكتور مكى عليهم
واجبات كثيرة نحو أستاذهم لم يفعلوها». بعد اتصال وزير الثقافة، تلقيت اتصالا آخر
من الدكتور محمد أبوالفضل بدران، أخبرنى فيه أنه عائد من زيارة أستاذه الجليل
الدكتور مكى... وأضاف أنه وأثناء شغله منصب عميد كلية الآداب جامعة جنوب الوادى،
رشحت الكلية الدكتور «مكى» لجائزة النيل عام 2011، لكن فاز بها الكاتب الراحل أحمد
رجب، وقال بدران إنه فعل ذلك بينما لم تفعله جامعته «القاهرة»، وقدمنا مبررات
ترشيحه التى تجتمع على قيمة أن «مكى» عمدة فى مجاله. طلبت من الدكتور بدران ضرورة
أن يقوم المجلس الأعلى للثقافة بعمل تكريم يليق بالرجل، وقلت له إن ترشيحكم له
لجائزة النيل ليس نهاية المطاف، فقال: «ندرس بالفعل عمل شىء كبير يليق به.
المصدر: https://www.youm7.com/story
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك