الأحد، 28 فبراير 2016

الطاهر الراهب في محراب العلم..............د. إلهام سيف الدولة حمدان

اخلع نعليك وأنت تحاول الدخول إلى محراب هذا القديس والعلامة القدير الشهير في الأوساط الأدبية والعلمية وعوالم الترجمة وساحات دراسات الأدب الأندلسي والنقد الأدبي باسم الدكتور الطاهر احمد مكي؛ فلقد ولد الطاهر أحمد مكي في عائلة تنتمي إلى قبائل المطاعنة في قرية كيمان المطاعنة التابعة لمركز إسنا بمحافظة الأقصر (كانت تابعة لمحافظة قنا آنذاك) في 7 إبريل عام 1924م([1]).
التحق بالتعليم الأزهري، فحصل على الابتدائية من المعهد الديني بقنا، ثم انتقل في المرحلة الثانوية إلى القاهرة. تخرج في كلية دار العلوم بالقاهرة عام 1952م، وفي عام 1961م حصل على دكتوراه الدولة في الأدب والفلسفة بتقدير ممتاز من كلية الآداب بالجامعة المركزية بالعاصمة الإسبانية مدريد.... وكل هذا وأكثر معروف لدي محبيه وعارفيه ولكن وجبت الإشارة إليه كتوطئة ومدخل ضروري للحديث عن شيخنا العالم الفذ.
ولا خاب من أسماه (الطاهر) وكأنه يعلم مسبقًا منذ خروجه إلى عالمنا في عام 1924 أنه سيكون على رأس قائمة علماء عصره، وصاحب المواقف الصريحة إبداعيًا وعلميًا وسياسيًا، ولم يلجأ على الإطلاق إلى الوقوف في المناطق الرمادية التي يلوذ بها الكثيرون ممن يفضلون السلامة والمواربة على إعلان مواقفهم من السلطة الحاكمة.... ولكنه يتمتع دائمًا بالحصافة في إبداء الرأي والإشارة من طرف خفي إلى الأدب الفاعل من وجدان الشعوب التي تسعي إلى الحصول على الحرية، ويستشهد في جزالة لفظ بالقصائد التي فجّرت الثورة في دولة الأندلس، ويترك للمتلقي حرية الفهم للمعادلات الموضوعية والإسقاطات التي يحتوي عليها (النص الأدبي أو القصيدة) دون إلحاح على المضامين التي يعلم جيدًا أنها وصلت إلى الوجدان والروح داخل مستمعيه وجلسائه ومريديه- وأنا منهم- الذين يهرعون إلى أي محاضرة يكون على رأسها هذا العملاق، ليجلسوا في مقاعد الدرس والتحصيل لينهلوا من علمه الموسوعة وبئر معرفته الذي لا ينضب وكأنه السيل المدرار في عالم الأدب والأدباء.
لم يقتصر العلامة- دون هذا- على الولوج إلى عالم الأدب والأدباء فحسب. وإنما كان له الرأي البارز في تذكيره المتواصل للمجتمع المصري والغربي بأن الاستعانة بالأجنبي البعيد عن ثقافتنا لن يفيدنا في شيء، ولا طائل من السعي خلف كل ما هو آت من الغرب، لأنهم يقيسون التقارب والمعرفة بمقياس المصالح والأهواء التي لا تخدم مستقبل هذه الأمة العربية العظيمة، بل يسعي الأجنبي دائمًا إلى تفكيك أواصر المجتمعات العربية ليصير له النفوذ والاستحواذ على كل مقدراتنا ليطمس هويتنا وشخصيتنا التي علمت العالم كيف يكون الإنسان.
فلنقترب أكثر وأكثر بخطى حثيثة للولوج إلى أركان محراب هذا العالم القدير.. لنطالع كيف قام الباحثون من تلامذته النجباء بتحليل كتبه في مجالات البحث في الأدب المقارن، والذي كان من بين جهوده العلمية أيضًا ما قدمه للدراسات الأندلسية حيث كان الأدب الأندلسي إحدى البصمات المميزة في أعماله مثل: كتاب (دراسات عن ابن حزم الأندلسي)، وكتاب (طوق الحمامة) الذي استند فيهما على المخطوطة الأساسية وهي كتاب (طوق الحمامة في الألفة والآلاف/ لابن حزم الأندلسي القرطبي)... وهو بهذا يثبت أنه يقف على قدميه راسخًا جنبًا إلى جنب مع علماء التراث الإنساني وسيؤرخ لوجوده بينهم كأحد نجباء العصر الحديث مع علماء التراث الإنساني المتعطش إلى العلم والمعرفة والتعريف بكل إنجاز العنصر البشري على مر العصور والأزمان، فهو بحق (عاشق الأندلس) والابن البار لها.
أما عن إسهاماته في حقل المقال فهي كثيرة ومتعددة، تنوعت كتاباته للمقالات بين: الأدبي واللغوي، والمقال السياسي، وعهد إليه الإشراف على عدد كبير من الرسائل العلمية ومناقشتها، إلى جانب ذلك كله اختير عضوا في مجمع الخالدين ومازال عطاؤه فيه مستمرًا حتى الآن.
وقام شيخنا العلامة الكبير بالتقديم لكثير من الكتب في مجالات مختلفة، كان من بينها تقديمه (بابلو نيرودا شاعر الحب والنضال)... أي أنه لم يتوقف عند حدود الدراسات الأدبية واللغوية، بل دخل إلى عالم الشعر والشعراء ناقدًا واعيًا لما يكتبه الشعراء- خاصة الثوار منهم- الذين يضعون على أكتافهم إبداعاتهم الممزوجة بهموم وقضايا أوطانهم، مؤكدًا عن طريق أبحاثه ودراساته التي لا تتوقف ولم تقتصر على الدراسات والإبداعات التقليدية بل اهتم أيضًا بالإبداعات الحديثة لكونه يعشق الإبداع الذي يحمل بين جنباته قضايا الحق والخير والجمال.... والحرية!
ولكن: هل تختلف شخصية المبدع الذي يقبع خلف كتبه وأوراقه وأضابيره راهبًا في محراب الفكر والفلسفة ليعطينا كل هذا الإبداع عن الإنسان الذي بداخله؟! وإن أردت التحدث عن الشخصية الإنسانية فحدث ولا حرج، ولك أن تفتح كل قواميس السماحة والكرم والحب اللانهائي لكل من يقابله من العارفين وغير العارفين به، ليفتح ذراعيه مرحبًا بمقولته الشهيرة الحنونة الأبوية: يا ولدي... يا ابنتي، وكأنه يحتوي الكون كله بين ذراعيه وهذا- والله- من شيم العلماء العارفين بأقدارهم والذين وهبوا حياتهم للمعايشة بين صفحات التاريخ الإنساني يتصفحونه بالعقول الواعية... ليزيدوا عليه من نور عيونهم وخلجاتهم الروحية ما سيكون تراثًا للأجيال القادمة... ليذكروهم بكل الخير والتقدير والإعزاز.... وليقولوا عنهم: كانوا هنا!
مشاعره القلبية:
وليس من قبيل التلصص أو التدخل في شأن المشاعرالقلبية لهذا الإنسان النبيل الذي عشق الشعر وسبح بمهارة في عوالمه متذوقًا وشارحًا ومحللاً وناقدًا، والشعر هو المشاعر التي تنبع من صميم الروح.... هل لم يؤثر (الشعر) في مشاعر هذا الإنسان، والشعر وليد كل خلجات الإحساس الإنساني؟ بالتأكيد، فإن هذا الفارس في شبابه الغض كانت له صولات وجولات مع الجمال الأنثوي الأندلسي الرائع والمعجون بالجينات الوراثية من القبائل العربية، نتيجة المصاهرة والالتحام بالمجتمعات الأندلسية.... فيقول عن تلك المشاعر أنه: مثل كل كائن طبيعي التقي بمن اهتزت له الجوانح والمشاعر، ولكن يبدو أن "كل قصة حب حقيقة تنتهي بمواقف درامية أشبه بقصص وحكايات السينما، كما تواترت إلينا قصص الحب بين عنتر وعبلة وقيس ولبني، وقيس وليلي وصولاً إلى حسن ونعيمة... فانتهت قصة حب هذا الرجل بدخول الحبيبة إلى (الدير) بعد رفض عائلتها تزويجها إياه... ويدخل هو راهبًا في محراب العلم والإبداع، ويمنح البشرية أبناء من (كتب) ستظل على مدى العصور نبراسًا لكل طالبي العلم والعلوم، ولتلعب الأقدار لعبتها الأبدية ربما ليظل اسمه الذي اختاره" (الطاهر) اسمًا على مسمى ورمزًا صادقًا في الإبداع، وصدقًا فيما صنعته المقادير حين منح اسمه المجرد والمطبوع في شهادة ميلاده (طاهر) منذ الصغر (ألف ولام) التعريف... ليصبح اسمه (الطاهر) الذي أصر على كتابته بتلك الصيغة منذ شبابه كأنه كان يستشرف ما ستؤول إليه حياته فريدًا وحيدًا دون النيل بالحظوة في اقتسام الحياة مع من اختارها قلبه في مطلع الشباب.... ويقول شيخنا عن هذه التجربة:
"التقيت هذه الفتاة المسيحية أثناء دراستي في إسبانيا ورفضت عائلتها أن تتزوجني، فاتجهت فتاتي إلى الدير لتصبح راهبة ولم أتزوج أنا منذ ذلك الحين، وقد حاولت الارتباط بغيرها وفشلت، وبعد ذلك تركت السفينة تسير، ولكنها لم ترسو بعد، وأنا عادة أتقبل الأمور كما هي.
الزواج رغم متاعبه إلا أنه يقضي على الشعور بالوحدة التي أحاول أن أتغلب عليها من خلال ما أعطيه من حنان يقابله عرفان لطلابي ولأقربائي، وكما يقول الشاعر العربي القديم:
وما أدرى إذا يممت أرضًا أريد الخير
أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه
أم الشر الذي هو يبتغيني([2])  
ولكننا لا نستطيع الفصل بين الشخصية الإنسانية وشخصيته عالمًا كبيرًا عملاقًا لكونهما توأم الروح والجسد لديه... فنحار بينهما. وتأتي دراستي عن هذا العملاق ضفيرة بين الشخصيتين تغلب إحداهما على الأخرى في سطوري... فلا غرو في هذا... فالرجل مزيج من كل هذا الجمال الإنساني والأدبي.
عاشق الأندلس:
ولعل من الصواب أن أتوقف قليلاً عند شغفه باللغة الإسبانية وحضارة الأندلس- وهو المتبحّر في علومها وأسرارها، فلم يبعده هذا الشغف عن الانتصار الدائم للغة العربية الم، وانشغل بما تركه التأثير العربي في تلك الحضارة الأندلسية، وكيف لعبت اللغة العربية دورًا في التأثير على اللغة الإسبانية، فيقول عن ذلك: إن الكلمة الوحيدة التي دخلت الإسبانية واستدعت اهتمامي هي كلمة (هدية) حيث كانت الهدايا شائعة في العصور الوسطى في الأندلس بين حكام الدول وسفرائهم ووزرائهم، وليس الأفراد. وانتقلت الكلمة إلى اللغة الإسبانية ولكن مع تعديل بسيط في ذلك الوقت، حيث كان حرف الهاء يكتب فاء، فكانت تنطبق (فدية) وفي إحدى المرات رجعت إلى المعجم، أراجع ما معنى كلمة فدية، فوجدت في المعجم أنها كلمة من أصل عربي، ومعناها (سبورنو) أي (رشوة) ([3]). إذن هناك ألفاظ  ة جدًا تمثل حضارة، وألفاظ تمثل لونًا من العلاقات الاجتماعية وللتدليل على شغفه باللغة الإسبانية وحضارة الأندلس... أنه- وللغرابة- قام بما اعتبره أنا- من وجهة نظري- منازلة أدبية لأدباء الأندلس عن أول ملحمة كتبت في اللغة الإسبانية تحت اسم (القنبيطور) التي تعني (المحارب) أو (السيد/ الذئب)؛ وهذه الملحمة لعبت دورًا مهمًا في الأحداث السياسية في بلاد الأندلس، وكان الأسبان يعتبرون هذه الملحمة عن تلك الشخصية من الأساطير وقصص التراث الشعبي التي تملأ تاريخ معظم الحضارات التي نشأت في تلك البقعة من العالم، ولكن يعكف الدكتور الطاهر مكي على البحث والتنقيب والتحليل مستعينًا بكل ما كتب في التراث، ليقيم الدليل على وجود تلك الشخصية فعلاً في الحياة، ويوضح بعد الدراسة والتمحيص أنه شخصية حقيقة، وأوضح أنه كان مغامرًا لا ينتسب إلى الإسلام أو المسيحية، ولا ينتمي إلى العرب أو الأسبان، ودرس زيف إدعاء الأسبان أنه كان بطلاً أسبانيًا قوميًا... ثم قام بترجمة نص الملحمة التي كُتبت عنه وبيّن التأثيرات العربية والإسلامية فيها، وليترك للمكتبة العربية أعظم الإنجازات في تاريخ الأدب العربي عن حضارة الأندلس وتأثير الآداب العربية بوضوح عليها وعلى كل ما أنتجته قرائح الأدباء في الغرب عامة!
ولكن القضية الأخطر التي يدافع عنها بثبات وثقة العالم الجليل المتمكن من دراساته ومصادره وفكره في التصدي لأكاذيب المستشرقين الذين يحاولن الإيحاء بأن دخول العرب إلى بلاد الأندلس كان احتلالاً. فيعتبر أستاذنا الجليل أن هذا محض ادعاء كاذب وللأسف يساند هذا الرأي بعض العرب جهلاً وانسياقًا خلف ما يبثه هؤلاء المستشرقون من فتن في هذا الصدد، ويدلل على هذا بأنه عند دخول العرب إلى بلاد الأندلس لم يكن بها حكومة وطنية... بل حكومة من (القوط) الغربيين الذين جاءوا من (ألمانيا)، وتبعية الأندلس للخلافة في دمشق دامت خمسين عامًا فقط، بعدها استقل الأندلس عن العالم العربي تمامًا!
وقام الدكتور الطاهر مكي بالرد على من يقولون إن الخليفة كان عربيًا بأن ملك أسبانيا من أصول فرنسية/ تمامًا كما كان (محمد علي) منشئ مصر الحديثة ألبانيًا، فخليفة الأندلس رغم أنه كان عربيًا؛ لكن الدولة كانت مستقلة وعلى خلاف مع العباسيين، وبالتالي لم تكن الأندلس مستعمرة عربية على الإطلاق، وهو الخطأ الشائع الذي يقع فيه كل من يتصدى للكتابة عن الأندلس تحت وهم ما يسمي بالاحتلال العربي. الله عليك أستاذنا الرائع... وهل أبلغ من ذلك للتدليل على عظمتك وعلو قدرك بيننا!
علاقته بالتراث:
من الأهمية بمكان أن نستطلع رأي شيخنا الجليل في العمل التراثي وما يعتريه من أزمات.... ونرى شيخنا حريصُا أشد الحرص على التوثيق بالمستندات لحفظ هذا التراث الرائع لأنه عقل الإنسانية ومرجعها الأبدي فيقول بلسانه في مقال عن أزمة العمل التراثي/ الملامح والأبعاد والمسئولية... ولعلي هنا أستدعي ما قاله شيخنا (بحذافيره) لأنها مسئولية تاريخية تستوجب الأمانة في النقل والتعريف بها:
"يضم التراث القومي العربي عنصرين أساسين متكاملين لا يغني أحدهما عن الآخر: التراث المادي ممثلاً في المساجد والقلاع والحصون والمدارس والمشافي والأسبلة، وغيرها من المقتنيات الفنية ويبقى شاهدًا ملموسًا على منجزات الحضارة العربية، وما أسهمت به في مختلف العصور الإسلامية في تقدم الحضارة الإنسانية.
ويتمثل العنصر الثاني في التراث الثقافي الذي أبدعه أسلافنا، درسًا ملموسًا أو تأليفًا، في مجالات الفكر والعلم والأدب، وتحمله آلاف المخطوطات العربية القابعة في المكتبات، على امتداد العالم؛ طبعت أو لم تزل مخطوطة، في مكتبات عامة، معروفة ومفهرسة، أو في مكتبات خاصة؛ يعرف الكثير منها، ولكننا نجهل الكثير أيضًا. وهذا التراث المادي، وربما كانت حاجته إلى هذه أكثر، لأنه أكثر تعرضًا للتلف والهلاك والضياع.
في التراث العربي المكتوب تتجلى حضارتنا واضحة، هذه التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، كانت في البدء حضارات شتى، ثم انصهرت جميعها عبر القرون، في الحضارة الإسلامية، التي جمعت شمل هذه الأمة وجنبتها الفرقة والضياع في هذا التراث تلتقي القضية المثارة الآن: الأصالة والمعاصرة بشقيها.
فالوجه الأول: وهو الأصالة، يتمثل جليًّا واضحًا في تراثنا المكتوب، ونملك منه قدرًا هائلاً استقر في عشرات الآلاف من المخطوطات، موزعة في حواضر المدن الإسلامية كلها، لا نستثنى منها مدينة كبيرة، رغم ما اندثر من هذه المخطوطات نتيجة الفتن والاضطرابات والحروب، خلال الغزوين المغولي والصليبي، وما أحدثاه من تدمير في مكتبات العراق والشام، وما سببته الفتن خلال عصر الطوائف في الأندلس، أو ما أحرقه الأسبان غداة انتصارهم النهائي في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي إلى جانب ما سرق أو نهب من أعداد ضخمة، وانتهى به المطاف في المكتبات والمتاحف الأوروبية بخاصة.
وأما المعاصرة: وهي الوجه الثاني، فتتمثل في إننا يجب أن نصل إلى هذا التراث الضخم بكل ما استجد في عصرنا الحديث من أجهزة ومناهج، تصويرًا وبحثًا وتحقيقًا ونشرًا، حتى نزيل عنها غبار النسيان، ونردها إلى صورتها الأصلية، ونجعل منها موضعًا للدراسة الجادة، فتصبح جسرًا إلى الحاضر، وتربط بين ماض مجيد، ومستقبل نأمل أن يكون زاهرًا، وتصبح سجلاً للتطور الفكري والثقافي وحصاد مئات السنين من المعرفة الجيدة المتعمقة،وأن نبعث الحياة في القوة الكامنة فيها، لتكون لنا مرشدًا وهاديًا.
أول ما يجب أن يسترعي اهتمامنا في المخطوطات التي نملكها- عامة وخاصة- أنها في حاجة قصوى إلى مزيد من الصيانة والحفظ السليم، وأن يرمم علميًا ما وهن منها، لأن المخطوطات حساسة بطبيعتها، ويؤثر عليها مرور الأيام تأثيرًا سيئًا فيعرضها للتلف، ولعوامل ضارة متعددة، تعمل منفردة أو مجتمعة، وتربط بالتفاعلات التي تحدث بين مادة المخطوطات والبيئة المحيطة بها، ويبدو ذلك واضحًا حين تكون ظروف تخزينها أو غير ملائمة لطبيعتها، كعدم توفر درجة الحرارة الصالحة للحفظ، وعدم التحكم في الرطوبة والإضاءة غير المناسبة، وعدم تجديد الهواءـ وتحليل الغازات، وكلها تترك آثرها في مادة المخطوط نفسه فتظهر فيه البقع، وتتحلل الأحبار.
وقد يتعرض المخطوط لعوامل حيوية شديدة الخطر، تنجم عن تأثير الجراثيم والفطريات والحشرات. وكل هذه العوامل أوجد لها العلم الحديث علاجًا، ووسائل مقاومة، علينا أن نتابعها في مصادرها، وأن نأخذ بها.
وهناك عوامل وليدة الإهمال والتقصير في التناول والعرض، والتعامل مع المخطوطات، يمكن القضاء عليها أو التخفيف منها، بتنمية الوعي بأهمية المخطوط وضرورة المحافظة عليه".
وقد يغضب رأيه هذا الكثيرون من أجيال المبدعين المحدثين.... هذا بالإضافة إلى أنه يري أن حركة الإبداع لابد أن تواكبها حركة نقدية موازية ومواكبة لها، وبغير هذا لن يكون للإبداعات تأثيرها المرجو منها في سبيل إثراء العقل والوجدان العربي، ولكنه يلتمس الأعذار للجيل الجديد لأنه يكتب قبل أن يقرأ ويستوعب ولا يعيش التجربة كاملة حتى تنضج، ولا يبرئ النقاد من مشهد هذه الأزمة التي يراها في مجال الإبداع بكل صنوفه وطرائقه، ورغم ذلك فهو يجنح إلى التعاطف مع الشعراء الثوار الذين يضعون هموم أوطانهم على أكتاف شعرهم، فنراه في هذا الصدد قد عكف على إصدار عدة كتب منها:
(امرؤ القيس حياته وشعره)، ودراسة في مصادر الأدب و (بابلو نيرودا شاعر الحب والنضال).... ويقدم للمكتبة العربية تحقيقًا شاملاً لكتاب ابن حزم (طوق الحمامة)... وهو لا يريد من كل هذا جزاء ولا شكورًا.
ومن فرط عشقه للغة العربية نجده يغير عليها غيرة المحب العاشق على الشعر الذي يكتب بالعربية لأنه في رأيه لا شعر خارج القصيدة العمودية... وأن الشعر الجيد هو الشعر العمودي، وما هو خارج هذا النمط ليس شعرًا، وأعظم قاعدة للحكم على صلاحية النص من عدمه، هو عدم تركه إلا بعد الانتهاء من قراءته واستيعابه استيعابًا جيدًا ويترك أثره الفاعل في الوجدان، وتلك هي غاية الأدب والمراد من وجوده بيننا في الحياة، لذا نجد أستاذنا الدكتور الطاهر مكي يحفظ القصيدة الجميلة من القراءة الأولى وهذه ملكة يفتقدها الكثيرون من المبدعين المحدثين، وما عدا ذلك يعتبره كلامًا يفتقد الإيقاع والموسيقا التي تفرض نفسها على الإيقاعات الشعرية.
آراؤه السياسية:
ولعل من الإنصاف للرجل أن نقترب منه أكثر نتلامس مع وتر من أوتار معزوفة سيمفونية حياته المديدة بإذن الله، وباعتباره فردًا من المواطنين المصريين الذين يعيشون ويتعايشون مع موار الأحداث المجتمعية والسياسية في الشارع السياسي المصري في مطلع شبابه..... حين اقترب ممن توسم فيهم أنهم من الداعين إلى الإصلاح السياسي والمجتمعي؛ فكتب عنهم ببعض الإسهاب وعن مواقفهم- آنذاك- تجاه الحراك السياسي، قبل أن يكتشف بالسليقة والمعايشة أنهم على غير ما كانت تعكسه الظنون، فقام بكل شجاعة العالم الأثير والكبير مقامًا وعلمًا بالتنويه عن هذا دون تجريح أو تشف لمعتقداته القديمة في وقت من الأوقات ومن حسن الطالع أن تكون له نظرة إستشرافية للمستقبل السياسي لهؤلاء، ورأينا على الساحة الوجه الآخر- وربما القبيح- من ممارسات أولئك الدعاة المدعين الذين جردتهم التجربة العملية في المعترك العملي من ثوب البراءة ومسوح دعاة الإصلاح والتجديد وتعالوا بنا لنعرج قليلاً في محاولة لإلقاء الضوء على ما يسمى في الأوساط الأدبية بـ (المسكوت عنه) سياسيًا في بعض آراء شيخنا العالم الجليل في تركيبة الخريطة العربية، والطريق الأمثل للخروج من هذا النفق المظلم الذي يحيط بها، فنراه يميل إلى تحميل جوقة النخبة والصفوة من مثقفي عصره عواقب ما نحن فيه وضرورة الاضطلاع بدورهم الفاعل والحقيقي في الدفاع عن القيم والمثل العليا، وذلك بالضغط على الحكومات وليس بالضرورة بإجبارهم على إعلان الحرب المسلحة؛ وضرورة إيضاح دورهم في (مقاطعة التطبيع) الثقافي والاقتصادي مع الكيان الصهيوني، بل ويعلن رأيه الصريح في أن الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن مستقبل مصر وأمنها وأمانها وأن الشرق الأوسط لا يتسع لنا ولإسرائيل، ويؤكد على إيمانه العميق أن الكيان الصهيوني حتمًا إلى زوال طال الأمد أو قصُر.... ولكن على المثقفين العبء الأكبر للقيام بدورهم الفاعل وليكونوا هم مصدر التنوير المستمر لنخرج من هذا النفق الذي وضعنا أنفسنا فيه بتواكلنا، لتعود لمصر الريادة والقيادة كما كانت على مرّ الزمانـ وهذا لا يتأتى إلا إذا لم ينسق (المثقف) الذي خرج إلى الحياة العملية وهو يحمل كل الآمال في تغيير المجتمع إلى الأفضل... فيتلقفه من يريدون إطفاء جذوة حماسه من المنتفعين داخليًا وخارجيًا، ويسعون إلى أن (يقتلوه شبعًا) وإغرائه بالمناصب ليحيد عن الطريق السليم والأمثل الذي يجب أن يكون عليه لاستفادة المجتمع بعلمه وثقافته وتطلعاته نحو تحقيق المجتمع الأفضل.
يا الله... على هذه التعبيرات التي لا تأتي إلا ممن عركوا الحياة ونبذوا عيشة الترف ومضوا في طريقهم غير عابئين بمن يريدون أن (يقتلوه شبعًا)، والبون شاسع بين من يؤمن عن عقيدة راسخة بالمبادئ السامية..... وبين من يلعبون على كل التيارات بهدف الاستفادة اللحظية.... ثم الموت الإكلينيكي لكل طموحاتهم التي بدءوا بها حياتهم.
وأنا أسوق هذا الجانب من جوانب حياته للتدليل على ضرورة مراجعة النفس وبشجاعة في بعض الآراء التي قد تتغير بتغير الطقس والمناخ في المجتمع؛ وبكل الجرأة ودون مهابة أو خوف من انتقاد لاذع من هنا أو هناك، والعجيب أن تأتي رؤيته بكل المصداقية وكأنه كان يطل على المستقبل بالعين الواعية الثاقبة، وليظل عملاقًا وسط العمالقة في زمن يتعطش إلى وجود أمثاله من الشرفاء ونعتبرهم قاطرة الوطن إلى المستقبل الباهر والمشرف ليتبوأ مكانه الأمجد كما عهدناه في كل العصور.
رأيه في الجوائز:
ورغم رحلة شيخنا الجليل الطويلة في عالم الأدب والأدباء، وما أنتجته قريحته مما نعتبره من أمهات الكتب التي حققت الثراء في المكتبة العربية؛ فإنه لم يسع لحصد الجوائز أو يتهافت للحصول عليها كما يفعل أرباع وأنصاف مدعي الإبداع، بل إنه كان دائمًا على يقين أن الجوائز ستشق طريقها إليه رغم أية عقبات أو عراقيل يضعها بعض الحاقدين في طريقه، ولكن ورغم كل المعوقات التي اعترضت سبيله سعت إليه جائزة الدولة التقديرية في العام 1992 وجائزة التميز في العام 2009، وكان رأيه دائمًا أن جوائز الشعر العربية قد انحرفت عن غايتها وتكالب على الإشراف على لجانها المغرضون والفاشلون الذين أفسدوا الجوائز ففقدت رونقها وجمالها وقيمتها، ولكنه يشير إلى بعض الجوائز كجائزة (اليماني) التي لا تزال تحتفظ بقيمتها الأدبية لجدية القائمين عليها واختيار محكميها بشكل يليق بمن يرشح لنيلها... ومعظم الجوائز تفشل وتفقدها قيمتها وجمالها لأن من يقوم بدور (المحكِّم) أقل ثقافة من (المحكَّم له)، فكيف يحكم على القصيدة من لا يحسن قراءتها وكيف يبدي رأيه في ديوان ولم يدرس علم العروض العربي؟!
وختامًا:
تُرى إلى أي مدى أنصفت هذا الرجل... وأنا من تقترتب من محرابه في حذر كاقتراب الذّرة من المجرَّة التي تحتوي تلك العوالم من النجوم والشموس والقمار التي تزين وتميز مشوار حياته الحافل بكل صنوف الإبداع الصادق المائز، الذي يأتي من نهر كالسلسبيل العذب في مجراه.... يحنو على كل من يتناول الإبداع في شتى الفنون والآداب من عارفيه وغير عارفيه.... وأغبط كل من التقى الرجل وسعد بترحابه والمثول في رحابه، وعلى الجيل الحالي أن يترنم بأنه عاش في زمن الطاهر مكي... رسول الإبداع الذي يأتي كأنه آتٍ من أنهار جنات الفراديس العليا.

****


الهوامش:


(*) أستاذ الدراسات اللغوية المساعد بمركز اللغات والترجمة- أكاديمية الفنون.



([1]) وكيييديا الموسوعة الحرة.
([2]) موقع (طريق الأخبار) حديث بتاريخ 22 مارس 2010م.
([3]) الأهرام اليومي، حديث بقلم أ. محمود القيعي- فبراير 2013م

الاثنين، 22 فبراير 2016

الطاهر أحمد مكي إنجاز وقيمة ..............الشيخ أشرف فتحي الجندي

التمهيد:
التعريف بالدكتور الطاهر أحمد مكي:
 الدكتور الطاهر أحمد مكي أحد رواد مدرسة دار العلوم تعدد نشاطه بين الصحافة التي بدأ فيها العمل مبكرا وهو مازال طالبا حيث محررًا ومصححًا في العديد من صحف ما قبل ثورة يوليو 1952م، وبين الأدب العربي في كل العصور إن كانت دراساته في الأدب الأندلس أكثر وأغزر وأعم .. هو من الرعيل الأول الذين ابتعثوا إلى الأندلس عقب تخرجه في كلية دار العلوم عام 1952م ويمكث هناك قرابة التسع سنوات تواجهه الصعاب حتى انتصر عليها وعاد إلى مصر ليعمل أستاذًا للدراسات الأدبية في ذات الكلية، وتبدأ رحلته في البحث العلمي لينتج كتبا طبعا عشرات المرات وهى التي طبقت شهرتها الآفاق في الشرق والغرب منها ما هو محقق ومؤلف ومترجم .
ولد الطاهر أحمد مكي بمركز إسنا بمحافظة قنا في السابع من ابريل 1924م، تخرج في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة مع مرتبة الشرف 1952م، ثم حصل على الدكتوراه بامتياز في الآداب والفلسفة بتقدير ممتاز من كلية الآداب بمدريد 1961م، فهو من الرعيل الأول الذين درسوا الأدب الأندلسي في عقر داره، منهم: محمود على مكي، وأحمد هيكل، وغيرهم .. عمل مدرسًا، فأستاذًا مساعدًا، فأستاذًا، فرئيسا لقسم الدراسات الأدبية، فوكيلاً للكلية للدراسات العليا والبحوث في كلية دار العلوم . أثرى المكتبة العربية بالعديد من الأعمال القيمة وتنوعت من التأليف والترجمة والإبداع والترجمة في كل العصور الأدبية القديمة والحديثة، الشعر والنقد والقصة والرواية من أشهرها: (امرؤ القيس حياته وشعره)، و(دراسات في مصادر الأدب)، و(دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة)، و(ملحمة السيد)، و(القصة القصيرة: دراسات ومختارات)، و(الشعر العربي المعاصر، روائعه ومدخل لقراءته)، كما ترجم عن الفرنسية (الحضارة العربية في أسبانيا - للمستشرق ليفي بروفنسال)، وعن الأسبانية أعمال كبار المستشرقين من أمثال: (غومث)، و(ريبرا) من أشهرها: (مع شعراء الأندلس والمتنبي)، لغرسيه غومث، (التربية الإسلامية في الأندلس لـ (خوليان ريبيرا)([1]).
كما أنه عضو في العديد من الهيئات منها: مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضو مجلس إدارة دار الكتب المصرية وغيرها ..
أ – د. الطاهر مكي إنجاز وقيمة :
الدكتور الطاهر أحمد مكي في رسالة ماجستير نوقشت في كلية الآداب في قنا رسالة ماجستير بعنوان: (الدكتور الطاهر أحمد مكي مبدعًا وناقدًا) ونالت الدرجة بتقدير ممتاز .
الرسالة مقدمة من الآنسة منى عبد العظيم محمد، وكانت بإشراف أ. د. محمد أبو الفضل بدران أستاذ الأدب والنقد وعميد الكلية الأسبق، ومشرفا مشاركا أ. د. السيد محمد على أستاذ الأدب بالكلية، وكانت لجنة المناقشة مكونة منهما ومن أ. د. غريب سيد أستاذ الأدب بآداب قنا، أ. د. رفاعي يوسف الأستاذ بآداب أسوان .
أثنت اللجنة على جهود الباحثة ومستوى الرسالة وقررت منحها درجة ماجستير في الأدب والنقد بتقدير ممتاز([2]).

المبحث الأول
عميد دراسات الأدب الأندلسي د. الطاهر مكي
إذا كان لكل إنسان نصيب من اسمه، فالدكتور الطاهر أحمد مكي له من اسمه أوفى نصيب . يعرف ذلك كل من عرفه أو اقترب منه أو حاوره .
له كلمة أثيرة تجرى على لسانه دائما وهي: يا ولدي، يقولها بلسانه بصدق، فتستقر في أعماق قلبك بسهولة . 
د. الطاهر مكي - مثقف وأستاذ أكاديمي ومترجم وناقد وأديب، وله شغف بالسياسة عاش سنوات في أسبانيا أدرك خلالها أهم السمات التي تميز نظرة الأسبان للواقع وأبرزها قضية حسين سالم . ناقشناه في النقد، وحاورناه في الترجمة، واستمعنا إليه في السياسة، وأفاض في الحديث عن وزارة الثقافة، فهو يري أنها في عهد النظام السابق حادت عن دورها وتحولت إلى شباك لصرف الرشاوى، صابا جام غضبه على المثقفين الذين يأكلون على كل الموائد، ويرقصون على كل الأنغام، وإلى تفاصيل الحوار الذي لا يخلو من إثارة([3])
رؤية د. الطاهر مكي، في الأندلس:
- ما بين فخار الماضي وآلام الذكرى ... يري د. الطاهر مكي - الأندلس مثالا رائعا مجسما، يجب على العرب أن يتذكروه، وأن يدرسوا كيف كنا، وكيف انتهينا ؟ كانت الأندلس في عصرها قمة الحضارة، قمة القوة، وكان الأسطول الأندلسي هو المسيطر على غربي البحر الأبيض المتوسط، وكان عبد الرحمن الناصر مرعبا لكل القوى الأوروبية، وكانت قرطبة العاصمة يضرب بها المثل، ويدللون على ذلك بأن هناك قصيدة لراهبة ألمانية في دير منعزل تتخذ من قرطبة في جمالها وروعتها مثلا يحتذى .
هذه الحضارة كلها اندثرت، لم يبق منها شيء، علينا أن نكون علميين، وأن يعرف كل منا لماذا بلغت هذه الحضارة قمة الروعة ؟ ولماذا انهارت واندثرت، ولم يبق منها شيء؟ علميا، إذا تكررت الأسباب، تؤدي إلى النتائج نفسها، علينا أن ندرس أسباب التقدم، لنعيده، وندرس أسباب الانحدار لنتجاوزه، وبغير ذلك، سيظل الإنسان متخوفا من المستقبل . ومأساة الأندلس درس بليغ لمن أراد أن يعتبر .

المبحث الثاني
رأي الدكتور الطاهر أحمد مكي
في اللّغة العربيّة وتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين
اللّغة، أيّ لغة، دون نزاع، أوضحُ خصائص الجنس البشريّ، فهي مرآة العقل، وأداة الفكر، ووعاء المعرفة، وتاريخ أيّ لغةٍ و تاريخ شعوبها، وازدهار أيّ حضارة مرتبط بازدهار لغتها، تسمو بسموّ المتكلّمين فيها، وتنحدر بانحدارهم . ولغتنا العربيّة أعرق اللّغات السّامية، وأغناها أصواتًا وصرفًا ومعجمًا، وهي أجمل اللّغات إيقاعًا، وأيسرها تركيبًا واشتقاقًا، والحفاظ عليها مسؤوليّة الجميع، المجتمع ومؤسّسات التّعليم والتّربية والإعلام، مقروءًا ومسموعًا ومرئيًّا، والمنظّمات الثّقافية بكلّ مستوياتها .
مع التّقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات، وتفجّر المعرفة على كلّ المستويات، احتلّت اللّغة مركز الصّدارة، وتجاوز تأثيرها مجالات التّربية والثّقافة إلى المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والتّقنيّة، وإذا كانت اللّغة قد ارتبطت بالسّياسة في عصور سلفت عن طريق الخطابة، وأداتها اللّغة، وإجادتها شرط في نجاح الحاكم وشعبيّته، فهي الآن أساس الخطاب الإعلاميّ ومادّته اللّغة، والإعلام يلعب أهمّ دور في الحياة السياسيّة، وطنيّة أو قوميّة أو عالميّة.
وأدى ذلك إلى العناية باللغات القوميّة التي اندثرت، أو كانت في طريقها إلى الاندثار، في عدد من البلاد الأوروبية وغيرها، ونجح بعضها نجاحًا كاملا كما هو الحال في اللغة العبرية في فلسطين المحتلة، واللغة القطلونيّة في شمال شرقي إسبانيا، والجليقية في شمال غربيها، ولغة ويلز في بريطانيا، وأخذت هذه الظاهرة بعدًا سياسيًا خاصة بشعار أوروبا الموحدة، واختلف حولها المثقفون هناك، رآها بعضهم عقبة كأداء في طريق أوروبا الموحدة، ورآها آخرون مصدر طاقة ثقافية كامنة، يمكن أن تثري الحضارة الأوروبية في مختلف بلدانها .
وتجلى التأثير الاقتصادي واضحًا فيما تتمتع به الولايات المتحدة من ميزات في تنافسها الشديد مع اليابان في سوق البرمجيات، لشيوع اللغة الإنجليزية وبساطتها، وانغلاق اللغة اليابانية وصعوبتها، ومن هنا جاء اهتمام البلدين الشديد بنشر لغتيهما، والإنفاق على تعليمها في البلاد التي لا تتكلمها، فاليابان مثلا تموّل تعليم اللغة اليابانية في الجامعات المصرية وتدعمه، وتمد هذه الكليات بالمعامل اللغوية والكتب والأساتذة .
وتزداد العناية باللغة – أي لغة – أهمية حين ترتبط بتقنية الطباعة والاتصالات والبرمجيات، والدور الخطير الذي تلعبه في تطوير معمارية الحاسب على نحو ثوري حتى أنه ليعد الآن حاسبًا لغويًّا، غايته كسر الحواجز التي تعاني منها بعض اللغات، كالصينية واليابانية، أملا في السيطرة على سوق المعلومات العالمي، والذي يعدّ فيه تعامل تقنية المعلومات مع لغات العالم المتعددة عاملا حاسمًا في تحقيق السيطرة .
لقد فجرت تقنية المعلومات مشكلات اللغة على نحو لم يحدث من قبل، وتظهر المواجهة الشديدة بينهما الحاجة الماسة إلى التوفيق بين اللغة والحاسب حتى يتهيّأ للأولى أن تفيد من الثاني، ومن الثاني أن يستخدم الأولى في كفاءة ومن غير مشكلات في الاستخدام والتوصيل، ولن يتمّ ذلك في كفاءة إلا بجهد بالغ من الجانبين، علماء اللغة من جانب، وعلماء الحواسيب من الجانب الآخر، ولن يستطيع أيٌّ منهما أن يصل وحده إلى حلّ مشكلات هذه القضية، وهي بالغة التشابك والتعقيد.
لقد وجد علماء اللغة وعلماء الحواسب أنفسهم أمام تحدٍّ حقيقي؛ لأن ما هو متاح الآن لا يكفي لمواجهة مشكلات اللغة – الحاسب ولا بديل عن استخدام مناهج مبتكرة، وشق دروب علمية جديدة، في جوانب لم يتطرق إليها البحث العلمي من قبل، وهو ما تقوم به مراكز علمية جديدة متخصصة في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي (السابق) وألمانيا واليابان ومناطق أخرى من العالم .
وتصنع الأمم الحريصة على السبق والتقدم المستحيل لكي تحقق غاياتها، ولو أحنت رأسها أمام من تراهم خصومها وأعداءها، وتزهو عليهم وتتكبر بتقدمها وعلمها، وأخرى تتراجع أمام ما كانت تراه تهويمات إبداع، تستمع إليه وتدرسه، فقد تخرج من ورائه بجديد نافع.
إسرائيل تدعو أحمد زويل ليحاضرَها عن ثمرة خياله العلميّ، وقد حوّله هذا العالم المصريّ الفذّ إلى واقع علميّ بعد أن نجح في سحق الزّمن إلى وحدة (الفمتو ثانية) واحد على ألف تريليون من الثانية، التي تتعامل معها آلة تصويره الفائقة السّرعة .
ويرى الكونجرس الأمريكيّ أنّ أيّ خيال علميّ الآن يمكن أن يصبح في الغد واقعًا، وهكذا دعا كاتبًا متخصّصًا في الخيال العلمي ليحاضره في مستقبل صناعة المعلومات، وهو يضع سياسة جديدة لنظم الاتّصالات في الولايات المتّحدة .
هذه العمليّة الجادّة والمتحرّرة في الوقت نفسه لم تستطع وهي تدرس قضايا اللغة لكي تجعل منها وسيلة ناجحة وميسرة يستخدمها الحاسب الآلي، أن تتخلص من الأسئلة القديمة ذات الطابع الفلسفي، والتي عادت تطرح نفسها من جديد: هل اللغة ظاهرة عشوائية اعتباطية أو وراء ظاهرها نظام متسق تحكمه قواعد ومبادئ ؟
هل ندرس سلوكها الظاهر المحسوس أو نحاول استجلاء المعرفة اللاواعية التي تحكم آليات النطق والفهم ؟ هل اللغة سلسلة من الرموز الخطيّة أو شبكة من العلاقات المتداخلة، أو أبنية من مستويات متوازية متتالية ؟
ما الوحدة اللغويّة التي يرتكز إليها الدرس اللغوي: أهي اللفظ أو الجملة أو السياق؟ وهل المدخل لدراسة بنيتها الداخلية: مباني تراكيبها، وأنماط نظمها أو دلالة معانيها ؟ استعاراتها بخاصّة، وما تبطنه كناياتها ؟
وهل تدرس اللغة المنطوقة أو آثارها المكتوبة ؟ وهل تعني باللغة كما يجب أن تكون أو كما تمارس في واقع الحياة اليومية، أو نجمع بينهما ؟
ومن هنا يرى بعض العلماء أن إخضاع اللغات لضوابط العلم وهمٌ خادع؛ لأن الرياضيات والمنطق والإحصاء لا تستطيع أن تحيط بهذا الكمّ الهائل من ظواهر اللغة المعقّدة، ومن الصعب- إن لم يكن مستحيلاً- على هذه الآلة الصماء (الحاسب) أن تحاكي ملكة اللغة في مرونتها، ومترادفاتها، والانفعالات الكامنة وراء تعابيرها.
لكنّ آخرين من العلماء أيضًا يرفضون هذا الرأي تمامًا، ويرون أن كلّ ذلك ممكن تحقيقه إذا توافرت لدينا وسائل علمية جديدة ورياضية حديثة، وإحصاء متقدّم، ومنطق يغاير منطق أرسطو، ومعالجة آلية تختلف عن أساليب البرمجة الحالية التقليدية، وهكذا ظهر ما يسمّى علم (اللّسانيات الحاسبة) (computional linguistics) وأدى ذلك إلى ثورة علميّة في معظم فروع علم اللغة، لما يزل صداها قويًا الآن – طبعًا في غير العالم العربيّ – ولفترة قادمة قد تطول .
إنّ دخول دراسة اللغة في مصاف العلوم المضبوطة فيما يرى عدد من العلماء شرطٌ جوهريّ لكي تتبعها علوم الاجتماع والأدب والنقد، وعلم (استرجاع المعلومات) وهو ما يزال قيد البرمجيات الهندسيّة العمليّة.
لقد أصبح التعامل مع اللغة الآن آليًّا بواسطة الحاسب، وهو محور تقنية المعلومات، وأصبح التواصل عن بعدٍ عبر الوسيط الالكتروني أوسع نطاقًا، وأكثر تنوّعًا، مما قلب مفهوم التواصل اللغويّ التقليدي الذي اعتمدنا عليه قرونًا رأسًا على عقب فيما يتصل بالعلاقة بين المرسل والمتلقي، أو تنوع أشكال التواصل واتساع نطاقه، ومع ذلك يرى المختصون أن التواصل الحاليّ عبر الشبكة العنكبوتيّة ويرتكز الآن على الكتابة هو مرحلة بدائيّة تمهّد لتواصل أوسع نطاقًا، وسوف تنتهي بنا إلى تواصل أوسع دائرة يمتزج فيه المكتوب بالمسموع، إضافة إلى المرئي من الصور الثابتة والمتحركة . إنها ثورة في أسلوب التواصل ذات نتائج خطيرة، بعيدة المدى فوق ما نتصوّر.

اللّغة العربيّة، والتّطورات التّقنيّة المعاصرة:
قبل أن نعرض لموقف أهل اللّغة العربيّة من التّطورات الخطيرة التي تجري حولنا ونتحدّث عن السّلبيّات الهائلة التي تحول بيننا وبين مكاننا الذي نستحقّه بين الدّول الكبرى المتنافسة من الضروري أن نذكر بميزاتها التي يجهلها الكثيرون من أبنائها الأجيال الشابة بخاصة، واليساريون المراهقون، والمولعون بالغرب حضارة وثقافة على نحوٍ أخص حتى نأتي على الصعاب الكبرى التي تقف في طريقنا، وتحول دون الوصول إلى غايتنا هذه، وهو طريق لا مفر لنا من اجتيازه إذا أردنا الحياة فلا نهضة بدون الوصول إلى هذه الغاية العظمى .
العربية أعرق اللغات السامية، وأغناها أصواتًا وصرفًا، وأثراها معجمًا، وهي تتسم بالتوسط اللغوي، ويتجلى ذلك في معظم خصائصها اللغوية مما يجعلها وسطًا بين أطراف كثيرة من المحاور التي تحدد مجالات التنوع اللغوي، فهي تؤثر الشائع وتكرر الشاذ، وتجمع بين كثير من الخصائص اللغوية المشتركة مع لغات أخرى . فإذا اتخذنا من الإعراب مثلاً وجدناها تتخذ موضعًا وسطًا، فهي لا تخلو منه تمامًا كما هو الحال في اللغة الإنجليزية، ولا يكثر فيها نسبيًا كما هو الحال في اللغة الروسيّة (حالات الإعراب في العربية ثلاث، وفي الروسية ست) .
وتضمّ اللغة العربية في صيغ الأفعال المزيدة خمس عشرة صيغة، فتجئ وسطًا بين اللّغات ذات صيغ الأفعال المحددة كاللغة الإنجليزية، والأخرى ذات المزيد منها كالإسبانيّة حيث يتجاوز عدد صيغ أفعالها ثلاثين صيغة .
وتتسم اللغات السامية عامة بخاصية الاشتقاق الصرفيّ المبني على أنماط الصيغ، والعربية في هذا نسيج وحدها لا تباريها في ذلك لغة سامية أخرى أو غير سامية، وتتميز في ذلك بالاطراد الصرفي شبه المنتظم كظاهرة صيغ الجمع مثلاً، ويزيد النّظام الصّرفيّ العربيّ في اطّراده من قابليّته للمعالجة الآليّة، وميكنة المعجم العربيّ، وتطوير نظم آليّة للإعراب الآليّ، والتّشكيل التّلقائيّ، فنظام الصّرف في اللّغة العربيّة يتمتّع بثراء اشتقاقيّ لا تدانيه لغة أخرى في العالم، ذلك وغيره كثير يجعلنا نعتزّ بلغتنا العربية، ونزهو بها، ولسنا وحدنا في هذا الاتجاه، فقد سبقنا الإغريق قديما في هذا، وكانوا يرون أنّ لغات غيرهم بالنسبة للإغريقية نباح كلابٍ، أو نقيق ضفادع، ويقدّس اليهود لغتهم العبرية فيحرمون الكذب بها، ويستحلونه بغيرها، وفي العصر الحديث لا يصدق الفرنسيون أن هناك في العالم من لا يعرف لغتهم، وإن كان فلا بدّ أن يكون جاهلاً متخلفًا لا يستحق الاحترام . وحين تولى الجنرال فرانكو حُكمَ إسبانيا عام 1939م([4])، ولحظ أنّ مواطنيه يحسّون بمركب نقص تجاه تقدم أوروبا وتخلفهم، جعل وسائل العلاج إشاعة الاعتزاز، والزّهو بينهم بلغتهم القوميّة، وأنهم ليسوا في حاجة لمعرفة أية لغة أجنبية غيرها، وقصر التعليم على اللغة الإسبانية وحدها .
اللغة والحاسب :
عندما ظهر الحاسب آلة في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين تحدث العلماء عن استخدامه المحتمل في مجالات التحليل اللغويّ والتّرجمة الآليّة، وقد باءت المحاولات الأولى بالفشل الذريع، وبدا أن ذلك مستحيل، ما لم تخضع اللغات قبل ذلك للتجريد الرياضي، والتنظير الدقيق، وهما الوسيلتان لدخول اللغة عالم المعالجة الآلية بواسطة الحاسب . وهكذا وضع (برتراند راسل) ([5])الأسس الرياضية لنظرية صوريّة للغات الرمزية، ثم جاء (نعوم تشومسكي) ([6])في نهاية الخمسينيات من القرن نفسه فوضع النموذج الرياضي للغات الإنسانيّة حين أدخل مصطلح النحو التوليديّ في علم اللّغة، وتطور على يده ورفاقه ليصبح نظرية ذات تأثير عظيم لا في علم اللغة فحسب، وإنما في الفلسفة وعلم النفس والفروع العلمية الأخرى المعنيّة باللغة .كان تشومسكي يرى أنّ الملكة اللغوية فطريّة في الإنسان، ومظهر خاصّ بالجنس البشري تميزه عن الآلية وعن غيره من سائر الحيوان، وأن الإبداع اللغوي خاصية مميزة للبشر لكنّه إبداع يحكمه قانونٌ، وهو ما يبحثه النحو التوليدي .
تقوم النظرية التوليدية على دعائم أهمها:
أن الغاية من الدرس اللغوي ليست تحليل عينات الأمثلة، أو توصيف حالات الاطراد والشذوذ، أو وضع قائمة بمعايير الحكم على صحة الجمل، بل بوضع نحو توليدي رياضي للغة، يمكنه توليد جميع الجمل المسموح بها من قبل هذه اللغة بمجموعة من القواعد الرياضيّة .
وبينما شغل اللسانيون أنفسهم في الماضي بالبحث عن التباين اللغوي ركّز تشومسكي في أبحاثه على العموم اللغوي، وعلى القاسم المشترك بين اللغات للوصول إلى نحوٍ عام يفسر ظواهر التشابه والتباين بينهما، وبقدر ما حظيت نظريات تشومسكي من تأييد وترحيب على امتداد القرن العشرين واجهت في الوقت نفسه نقدا شديدًا من فلاسفة اللغة وعلماء النفس إذ رموها بعدم الواقعيّة؛ لأنها أهملت وظيفة اللغة الاتصالية، وأبعادها الاجتماعية، وركزت على اللغة في صورتها المفترضة لا على تلك التي تمارس في الحياة العملية، ورأى علماء الحواسب أنها تسرف في تجريداتها وعمومياتها على نحو يجعل من الصعب استخدامها عمليًّا أساسًا لتطوير نظم واقعية لمعالجة اللغة آليًا.
لقد خضعت اللغة للصياغة الإحصائية والرياضية، وجزئيًّا للتحليل المنطقي، وأصبح الطريق ممهدًا لتدخل مرحلة المعالجة الآلية لتأكيد وصولها إلى مرحلة النضج العلمي .
العلاقة بين الحاسب واللغة بعامّة: منذ ظهرت الحواسب في أواخر الأربعينيات توثقت صلتها باللغة وتأصلت في كلا الاتجاهين؛ لأن اللغة تجسّد –ببساطة– ما هو جوهري في الإنسان، وهو نشاطه الذهني بكلّ تجلياته . وفي الوقت نفسه اتجه الحاسب نحو محاكاة وظائف الإنسان وقدراته الذهنية، لقد صحبت ثورة التنظير اللغويّ تقنية في الحواسب لا تقل ثورية في تطبيق أساليب الذكاء الاصطناعيّ، وعلوم المعرفة وتقنيات الأعصاب على معالجة اللّغات الإنسانيّة بواسطة الحاسب بهدف إكساب هذه الآلة المهارات اللّغويّة من اشتقاق وتصريف وإعراب، واختصار وفهرسة، وتدرج هذا الالتقاء حتى بلغ درجة عالية من التّفاعل العلميّ والتقني على نحوٍ غير مسبوق حتى أنه أمل في أن يقوم الحاسب بكتابة نصّ أدبي يومًا ما . مع التقدّم الواضح في علوم اللغة، والتقدم المذهل في مجال الحواسب بعامة وفيما يتصل باللغات خاصة تطلب تفجر المعرفة واتساعها استخدام وسائل آلية ذات كفاءة عالية لتنظيم هذا الفيض المتدفق من المعلومات وتنظيمها وتخزينها واسترجاعها وتوظيفها وزيادة كفاءتها .
إن تطور الحواسب لم يعد يقف عند حدّ، وبحسب المرء أن يتابع أبسطها (الهاتف المحمول مثلاً) فسيجدها تتقدم تقنية واستخدامًا وحجمًا وتكلفة وتخصصًا من شهر لآخر، فأصبح منها ما هو خاص بتشخيص الأمراض، وتقديم الاستشارات القانونية والفنية وكلها تتطلب القدرة على الحوار مع المستخدم (بكسر الدال) البشري بلغة سهلة تقترب من لغته الطبيعيّة، ولا يزال التقدم متواصلاً ويصعب تخيل إلى أين سوف ينتهي بنا! .
وماذا عن اللغة العربية ؟
بدءًا علينا أن نعترف أن تقنيات الحاسب الآلي اللغوية قامت لتلبي أصلاً المطالب الخاصة باللغة الإنجليزية من أجل الولايات المتحدة لا من أجل عيون بريطانيا، فمعظم لغات البرمجة مصمّمة بالإنجليزية، والشفرات المستخدمة لتبادل المعلومات صممت أصلاً للتعامل مع الأبجدية الإنجليزية، وهي محدودة في حروفها وفي أشكال هذه الحروف، وبهذه اللغة نفسها تم تخزين المعلومات واسترجاعها، والقسم الأكبر من مكتبة البرامج الجاهزة باللغة الإنجليزية، ومثلها معظم المصادر والمراجع والدوريات والبحوث على حين أنّ 90% من سكّان العالم الإنجليزية ليست لغتهم القوميّة . ولم يحدث ما يزحزح الإنجليزية من مكانتها هذه إلا عندما ظهرت اليابان قوى عالميّة، ولها لغتها الخاصّة وهي تعتزّ بها، وتحاول كسر سيطرة الإنجليزية على تكنولوجيا المعلومات بعامّة، والشبكة العنكبوتية بخاصّة، وفي سبيل ذلك تتزعّم الدول غير الناطقة باللغة الإنجليزية لتكوين حلفٍ قويّ يدافع عن مصير اللغات القوميّة في مواجهة الخصم اللغوي الأمريكيّ، وتعدّ التعامل تكنولوجيًا مع لغات العالم المتعددة عاملا مهمًّا في كسر هذه السيطرة، ولكن علينا أيضًا أن نعترفَ بأن لغتنا القومية لا تحظى بالاهتمام الجديرة به، وأنها في ظل العولمة، وثورة المعلومات تتعرض لحركة تهميش نشطة بفعل الضغوط الهائلة الناجمة عن طغيان اللّغات الأجنبية وعلى رأسها الإنجليزيّة، وتشاركها في هذا لغات أخرى، وكلها تشنّ حربًا ضارية ضدّ العروبة والإسلام لشدّة الارتباط بينهما . كما أنّ تعليمنا في كل مستوياته لا يعكس مدى أهمية اللغة العربية، لا في مناهجه ولا في سلوك أساتذته، ولا في أداء تلاميذه، وخلال عصر مبارك المخلوع فرضت قوى أجنبية - يعرفها كل الذين يعملون في وزارة التربية - رأيها لغايات في نفسها، حتى أنهم وضعوا على رأس اللجنة المكلفة بتطوير مناهج اللغة العربية مدرسة (هوايات وأشغال) توجهها لحساب الذين أتوا بها، وكانت صاحبة كلمة نافذة فوق الجميع، والنتيجة الحتمية أن التلاميذ لم يعودوا يقبلون على اللغة العربية حبًّا فيها، وإنما رغبة في اجتياز الامتحان آخر العام فحسب .
وتمادينا في التراجع والتبعية حتى بلغ الأمر أن جامعاتنا وهي القمة والأمل أنشأت في كليات الحقوق والتجارة والإعلام وغيرها أقساما كاملة تدرس فيها كل المواد، بإحدى اللغتين المذكورتين: الإنجليزية أو الفرنسية، مقابل نفقات عالية لا يستطيعها إلا أبناء الأغنياء، وأصبح لدينا تعليمان جامعيان: واحد للفقراء وآخر للأغنياء .
والتردي لا نهاية له، والسقوط ألوان، فلم نقنع بما حدث في جامعاتنا بل تركنا وجدان جانب كبير من شبابنا تحت سيطرة جامعات أجنبية كاملة متعددة تصوغه كيف تشاء: أمريكية وكندية وفرنسية وإنجليزية وألمانية، وكلها مستقلة لا تعرف الدولة ما الذي تدرسه لطلابها بلغاتها القومية، وهي تقدّم دراسات إنسانية فحسب: اقتصاد، وإعلام، وفلسفة، وسياسة، وما يتصل بهذا، ولكنها لا تدرس علومًا بحتة من طبّ وهندسة وصيدلة، والسبب واضح لأنها في المجالات الأولى تكوّن الطالب إنسانيًا، وتصوغه كيف تشاء، ويجئ ولاؤه للمبادئ التي تعلمها، أمّا العلوم البحتة فمحايدة، وهي في نهاية المطاف تقدم للوطن إضافات جديدة نحن في أشدّ الحاجة إليها .
نحن نشكو من أزمة لغوية حادّة على جميع الأصعدة تنظيرًا وتعليمًا نحوًا ومعجمًا، إبداعًا ونقدًا، ونعاني حالة مزمنة تتمثل في غياب إرادة الاهتمام باللغة، وعجز الحكومة عن حمايتها وتنفيذ ما صدر من تشريعات خاصّة باستخدام اللغات الأجنبية في لافتات المحلات العامة، والإعلانات ومخاطبات المصارف، ويتجلّى عدم الجديّة واضحًا حين تقارن بين توصيات مجامع اللغات العربية في دوراتها المتعددة بالقاهرة ما يتخذ منها نظريا وما يطبّق واقعًا فسوف تجد: لا شيء مما قيل أخذ طريقه إلى التنفيذ . ثم جاءت تكنولوجيا المعلومات لتضيف إلى هذه الأزمة بعدًا فنيًا متعلقًا بمعالجة اللغة العربية آليًّا بواسطة الحاسب .
نتيجة أزمتنا اللغوية وقلة المعرفة بالتطورات الحديثة في مجالات اللغة في العالم المتقدم فيما يتصل بالرياضيات الحديثة والمنطق الحديث والحواسب اللغوية وجدنا أنفسنا ونحن نواجه هذه الآلية الجديدة البالغة الدقة والتعقيد والنفع ومع عجز العقل العربي عن الابتكار والاختراع أننا – حين نواجه أنفسنا بصراحة وبدون لفّ أو دوران نقف على حافّة المعرفة بهذه التقنية دون أن نغوص إلى أعماق أبعادها، ورغم كل الجهود التي بذلت ولا تقوم على أسس علمية جادة فإن ما توصلنا إليه حتى الآن لتعريب الحاسب الآلي لا يخرج في مجمله عن طباعة النصوص بالعربية، وإظهارها على الشاشة.
إنّ استيعاب العربية في نطاق تقنيات صمّمت أصلاً لتخدم اللغة الإنجليزية عملية خاطئة من أساسها؛ لأن العربية وهي أعقد اللغات السّامية، والإنجليزية وهي أبسط اللغات (الهندوأوروبية) طرفًا نقيض في معالجة اللغة آليًا، ومع ذلك تمّ هذا العمل لدوافع اقتصاديّة، وكان وراءه لهفة موردي المعدات والبرمجيات على الربح، وفي سبيل ذلك خضعت العربية للطرق التعسفية حتى تستجيب للقيود التي فرضها النموذج الإنجليزي إما بالتحايل حول هذه القيود على حساب المستخدم، أو التّرخص في بعض خصائص اللّغة العربيّة، كتقليل أعداد أشكال الحروف، إغفال الشّكل في الكتابة العربيّة، وتجّنب قواعد الإعلال والإبدال، وجوانب أخرى متعدّدة . إنّنا الآن على الرّغم من كل النوايا الطيبة، وكثرة المؤتمرات والندوات واللجان والتوصيات لا تزال جهودنا قاصرة عن الإفادة من منجزات التقدم العلمي في مجال الحاسبات، ولا يزال البعض من علمائنا المهندسين كسلانا يفكر في تطويع اللغة العربية لتستجيب لمتطلبات الآلة التي صنعت في الولايات المتحدة لخدمة اللغة الإنجليزية حتى لو أساء ذلك إلى قواعد العربية، قواعد وبناء بدل أن يفكر في ابتداع آلة تستجيب لمطالب لغتنا متجاهلاً ما صنعته اليابان وكوريا والصّين، وحتى إسرائيل . ولا يزال مختصون من علماء اللغة العربية وعلماء الهندسة في جملتهم بمعزل عن تطورات الحاسب الآلي والشبكة العنكبوتية وهي تتطور على نحوٍ فائق السرعة، وتنجز كل يوم جديدًا حتى يمكن القول: إن ثمة قطيعة بين معظم علماء العرب وعلم الحاسبات، ويكفي أن أشير أن مجمع اللغة العربية الموقّر في القاهرة لا يضمّ بين أعضائه متخصصًا واحدًا في هذا العلم على المستوى اللغوي أو التقني، وليس بين لجانه المتخصصة لجنة واحدة تختصّ بهذا الأمر، بداهة لا أعني تعريب المصطلحات الخاصة به؛ فالمجمع يقوم في هذا بجهد مشكور، ولكنّي أعني دراسة كيفية الإفادة منه، وقد فشلت جهود الطيبين على امتداد سنوات مضت في سدّ هذا النقص .
إن مهمّة المثقف الوطني الحق المؤمن بوطنه ورسالته بالغة الصعوبة في هذه الأيام؛ لأن عليه أن يتصدى للسلبية واللامبالاة وأن يواجه تشتت الرأي، وفقدان الثقة، وأن يتصدى لأزمة اللغة العربية تنظيرًا وتعليمًا واستخدامًا، وأن يتبنّى في قوّة سياسيّة لغويّة قوميّة تنهض بالعربيّة وتعيدها إلى سابق أمجادها، وتلحقها بتطورات العصر، فاللّغة الوطنيّة المحترمة في بلدها وبين قومها المتقدّمة والمتطورة في المدخل الطبيعيّ، والطّريق الأقصر إلى نهضة ثقافية شاملة، وهي الوسيلة إلى الإفادة العالية من تكنولوجيا المعلومات، وثقافة العصر، وأن يدرك ما تعنيه هذه بالنسبة له ولعصره، وأن يتقن استخدامها وإلا بقي في نهاية الصفّ متخلفًا يعاني فراغًا ثقافيًا لا حدّ له .

الخاتمة
ويستنتج من دراسة هذا البحث الآتي:
1- يدعو د. الطاهر مكي إلي أدب الحوار .. وهذا من أسمي وأشرف ألوان أدب الحوار في الإسلام: احترام رأي العقلاء الذين ينطقون بالكلمة الطيبة، وبالحجة المقنعة، ويسلكون السلوك الحميد في أعمالهم، ويعفون عن كل ما يتنافي مع مكارم الأخلاق، مما يشهد باستنارة بصيرتهم، ونقاء نفوسهم، وطهارة قلوبهم، وعلو همتهم، وصفاء معدنهم، وفي الحديث الشريف: « النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا »([7]).
وهذا الاحترام رأيناه في كتابات ومؤلفات الدكتور الطاهر أحمد مكي – رأي العقلاء المخلصين، ينبغي أن يتحلي به كل مسلم سليم الوجدان، حتى ولو خالفوه في رأيه، لأن هذه المخالفة من العقلاء لغيرهم، لم تصدر منهم عن سوء نية، أو عن خبث طوية، أو عن منفعة شخصية، وإنما صدرت منهم هذه المخالفة في الرأي لغيرهم، من أجل الوصول إلي الحقيقة، وإنما صدرت منهم هذه المخالفة في الرأي التي يعود خيرها إلي الأفراد والجماعات .
2- ينهي الدكتور الطاهر مكي - عن الاستعانة بأعدائنا وبخصومنا فيقول: نحن نستعين على بعضنا البعض بأعدائنا وبخصومنا، ونلجأ إليهم، ونتصور أن الحل عندهم، ويظهرون لنا أنهم معنا، ولكن ذلك كله وهم، ومن هنا، فعلينا أن نتعامل مع غيرنا معاملة الند للند، وألا نتركه يتدخل في شئوننا، وما لم تتم الوحدة والتعاون، سوف ينطبق علينا المثل العربي القديم إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض .
3- يجب علي المثقف أن يكون رقيبا علي الثقافة، ليدافع عن حقوق شعبه بحكم ما أعطاه الله له من معرفة وقدرة على البيان، فإذا لم يستطع أن يقوم بهذه الوظيفة، فعليه أن يتنحى، ويترك المجال لغيره . وأن موقف المثقف ليس مع السلطة، وإنما في مواجهتها .
4- كشف الدكتور الطاهر مكي .. حقيقة وزارة الثقافة وقال بأنها: انحدرت عندنا انحدارا كبيرا، وأذكر أن الهدف من إنشاء وزارة للثقافة كان القصد منها السيطرة على حركة طبع الكتب ونشرها وأرزاق الأدباء، إذا كنت مع الدولة، تنشر لك، وأبواب الرزق مفتحة، لست مع الدولة سوف تموت جوعا .
5- وبالبحث والاستقراء نجد أن الدكتور الطاهر مكي يسير علي منهج الحبيب المصطفي (r وآله) وقد تناول الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم t في كتابه وسائل نيل المجد الإسلامي في الباب الخامس الوسيلة الخامسة وهى (العلم والعمل) ويبينّ أن الإسلام هو دين العلم والعمل , وأن كل المخترعات كانت بالإسلام وبعده , ويبين حال المجتمع الإنساني قبل الإسلام , وأثر الإسلام على تقدم الإنسانية, وفضل الإسلام على أوربا وأمريكا, وأن أوروبا تركت دينها فتقدمت , وتركنا نحن ديننا فتأخرنا, وما هي الفائدة الدينية من تعليم العلوم العصرية , وأن أوربا تفوقت على الجاهلية الأولى .
أما في الباب السادس فيتناول الإمام t الوسيلة السادسة لنيل المجد الإسلامي وهى (اللغة العربية) حيث أن شرف اللغة العربية بالقرآن, ويدعو المسلمين جميعًا إلى تعميم اللغة العربية , ويبيِّن فوائد ذلك للأمة الإسلامية خاصة, وللمجتمع الإنساني عامة .
ونجد أن الإمام المجدد t قد وضع إطارًا عامًا للوسائل التي بها يعود المجد الإسلامي كما كان في عهد السلف الصالح رضي الله عنهم , ويضع بين دفتي هذا الكتاب علاجًا ناجعًا لأمراض المسلمين في هذا العصر, ويبصِّرنا بنوايا أعدائنا وأساليبهم, ويطالبنا أن نقوم من نومة الغفلة ورقدة الجهالة.
والله تعالى أسأل أن يكون في ذلك مزيد بيان وعلم يوقف الأمة الإسلامية على جلية الحقيقة, وينبه قواها لمعرفة ما يحيق بها من أخطار تتمثل في أن أمما ملحدة وكافرة وضالة ومبدِّلة اختلفت فيما بينها, ولكنها اتحدت على معاداة الإسلام والنيل منه, والعمل لإضعافه وإهلاك أهله, والقضاء عليه .
كما أسأل الله تعالى أن يجعل مادة هذا ... البحث .. معينة للمسلمين على جمع شملهم, وتوحيد كلمتهم, والوقوف صفًا واحدًا أمام الأخطار والمضار, متخلقين بأخلاق السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين , وأن نكون من أهل البشرى في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ([8])  والله سبحانه وتعالى هو الموفق الهادي إلى سواء السبيل , وهو حسبنا ونعم الوكيل , نعم المولى ونعم النصير , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم , وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم([9]).
وختاما لا يسعنا إلا أن ندعو الله أن يحفظ الكنانة فقد دقت ساعة العمل الوطني ولا مجال للمهاترات وكثرة الكلام فالوطن يحتاج لكل قطرة عرق . أمامنا تحديات صعبة ومنازلات عنيفة مع دهانقة المكر السياسي والمنتفعين والله سبحانه من وراء القصد .
****

الهوامش:



([3])  المصدر: الأهرام اليومي (محمود القيعي ) .
([4])  طغاة التاريخ د. محمود متولي
https://smq1951.wordpress.com/st1/
([5])  برتراند أرثر ويليام راسل، (من 18 مايو 1872 - إلى 2 فبراير 1970) إيرل راسل الثالث، فيلسوف وعالم منطق ورياضي ومؤرخ وناقد اجتماعي بريطاني . وفي مراحل مختلفة من حياته كان راسل ليبراليًا واشتراكيًا وداعية سلام إلا أنه أقر أنه لم يكن أيًا من هؤلاء بالمعنى العميق . وعلى الرغم من قضائه معظم حياته في إنجلترا، ولد راسل في ويلز حيث توفي عن عمر يناهز 97 . فيما يلي كتب مختارة من أعمال راسل بالإنجليزي مرتبة حسب سنة الإصدار . 1896م . الديمقراطية الاجتماعية الألمانية . (بالإنجليزية: German Socia ) .
([6])  فرام نعوم تشومسكي (Avram Noam Chomsky) (مولود في 7 ديسمبر 1928 فيلادلفيا، بنسلفانيا) هو أستاذ لسانيات وفيلسوف أمريكي - إضافة إلى أنه عالم إدراكي وعالم بالمنطق ومؤرخ وناقد وناشط سياسي . وهو أستاذ لسانيات فخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والتي عمل فيها لأكثر من 50 عام .  إضافة إلى عمله في مجال اللسانيات فقد كتب تشومسكي عن الحروب والسياسة ووسائل الإعلام وهو مؤلف لأكثر من 100 كتاب . وفقًا لقائمة الإحالات في الفن والعلوم الإنسانية عام 1992م فإنه قد تم الاستشهاد بتشومسكي كمرجع أكثر من أي عالم حي خلال الفترة من 1980م حتى 1992م، كما صُنف بالمرتبة الثامنة لأكثر المراجع التي يتم الاستشهاد بها على الإطلاق في قائمة تضم الإنجيل وكارل ماركس وغيرهم. وقد وُصف تشومسكي بالشخصية الثقافية البارزة، حيث صُوت له كـ "أبرز مثقفي العالم" في استطلاع للرأي عام 2005م .
http://ar.wikipedia.org/wiki/

([7])  أخرجه أحمد 3 / 367، رقم 14988
([8])  سورة النور الآية رقم: ٥٥ .
([9])  وسائل نيل المجد الإسلامي للإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم t، الطبعة الأولي 1416هـ - 1995م، دار الكتاب الصوفي .
المراجع والمصادر
1- القرآن الكريم «Ÿw |=÷ƒu ÏmŠÏù `ÏB Éb>§ t ûüÏJn=»yèø9$# » .
2- الأهرام اليومي (محمود القيعي) .
3- اللّغة العربيّة وتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين الطاهر أحمد مكي، الهلال، مايو، 2012م تاريخ النشر: 05/08/2012 م .
4- كتاب الوافي بالوفيات، تأليف: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (ت 764)، الطبعة الأولي 1420هـ - 2000م، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان .
5- تمثيلات الآخر، صورة السود في المتخيل العربي الوسيط، نادر كاظم، وزارة الثقافة 2004م، البحرين .
6- جريدة الأهرام 15 / 1 / 1971م، مركز الأهرام للتنظيم وتكنولوجيا المعلومات .
7- شرح ديوان المتنبي لأبي العلاء المعري (363 – 449)، تحقيق: د / عبد المجيد دياب، الطبعة الثانية، دار المعارف .
8- طغاة التاريخ د. محمود متولي، تحقيق: أحمد أبو الفتوح، المكتب العربي للمعارف .
9- مجلة الدوحة العدد 115 – شوال 1405هـ/يوليو 1985م .
10- مجلة الرسالة هي مجلة الثقافية التي تراس تحريرها الأديب المصري، أحمد حسن الزيات (1885- 1968م) .

المواقع والروابط:
2- http://gate.ahram.org.eg/News/254772.aspx

3- http://lisaanularab.blogspot.com/2013/08/blog-post_3076.html

7-
8 - http://ar.wikipedia.org/wiki