الثلاثاء، 24 يناير 2017

شهادة للأستاذ الدكتور الطاهر مكي

أنصار طه حسين وضحاياه!



كان طه حسين هو الجامعة، وكانت الجامعة هي طه حسين»، كما وصفه غريمه وخصمه التقليدي محمود محمد شاكر في لحظةٍ نادرةٍ من الإنصاف. وأقول أنا: كانت الحياة الفكرية هي طه حسين، وكان هو نشاطها ووقودها وهواءها، فيكفي أن يكتب مقالاً حتى تقوم على إثره معارك، فيما الرجل ثابتٌ على رأيه، وواثق بجدارة اعتباره عميد الأدب العربي الحديث.
ومن حسنات طه حسين ولفتاته الصائبة، أنه أول مَن تنبَّه إلى العباقرة المُجايلين له، وللأصغر سناً منه، فلولاه لَما كان الأديب أحمد أمين أستاذاً جامعياً، بل ما كان عميداً لكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن). فمَن غير طه حسين يتنبَّه لمواهب هذا القاضي الشرعيّ، وملكاته الفكرية، فيعينه أستاذاً للأدب العربي في الجامعة، وهو الرجل الذي لا يحمل درجة الدكتوراه. كان طه حسين، هو الوحيد الذي تجرّأ ففعلها، خلافاً للوائح الجامعة وقوانينها، ولم يجرؤ أحدٌ على الطعن في جدارة الاختيار، ولا الغمز من عبقرية أحمد أمين الفكرية.
أما عبد السلام هارون، فبدأ حياته مدرِّساً ابتدائياً، بعد حصوله على الشهادة الأزهرية، ثم شهادة دار العلوم، لكنَّ عينَ طه حسين الحصيفة، رأته جديراً بمقام أستاذ الجامعة، فعيَّنه أستاذاً للغة العربية في جامعة فاروق الأول (الإسكندرية الآن). ومن يومها صار أكاديمياً بلا شهادة دكتوراه، لا، بل تم نقله إلى كلية دار العلوم، فصار رئيساً لقسم النحو والصرف بها، ثم أسس كلية الآداب في جامعة الكويت، وتولى منصب الأمين العام لمجمع اللغة العربية في القاهرة، واستحق لقب شيخ المحققين في العصر الحديث.
والتفت طه حسين كذلك إلى أمين الخولي، خصوصاً بعد عودته من روما، ودراسته هناك الحياة الفكرية والأدبية واللاهوتية، فاستقدمه في عام 1928 للتدريس في الجامعة المصرية، فكان شعلة نشاطٍ وتجديدٍ وإصلاحٍ في العلوم العقلية والنقلية، وصارت له مدرسة فكرية، اسمها مدرسة الأمناء، ومن تلامذتها: بنت الشاطئ، وشكري عيّاد، وعز الدين إسماعيل، وحسين نصار، ومحمود علي مكي، وجابر عصفور وغيرهم.
وفي سنة 1927، تم إنشاء أول قسم للفلسفة الإسلامية في كلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن) التي رأت استقدام أحد المستشرقين لتدريس هذه المادة، فما كان من طه حسين إلاّ الإصرار على أنْ يتولى ذلك الأمر شيخٌ أزهريٌّ، هو العلَّامة مصطفى عبد الرازق، الذي درس في السوربون. ونجح مصطفى عبد الرازق في إحداث نقلة موضوعية في هذا القسم، في المناهج، وطريقة التدريس، والمزاوجة بين الفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والفلسفة الإسلامية، والفلسفة الإغريقية، والفلسفة الحديثة، حتى شهد له بالريادة تلامذته الأعلام، ومنهم إبراهيم بيومي مدكور، وتوفيق الطويل، ويحيى هويدي، وأبو الوفا التفتازاني، وعبد الرحمن بدوي، والأب جورج قنواتي. وكان طموح سهير القلماوي هو دخول كلية الطب، لكنَّ العقبة الوحيدة التي منعتها من ذلك، هي كونها أنثى، فلم تكن تلك الكلية تسمح وقتها بالتحاق الإناث بها، فذهبت هي ووالدها إلى طه حسين، ليتشفع لها عند عميد كلية الطب، إلا أنَّ اللقاء خبَّأ لسهير ما لم تكن تعرفه، إذ أُعْجِبَ بفكرها وطموحها طه حسين، فاقترح عليها أنْ تلتحق بكلية الآداب، وهو ما تحقق. ولم يكتفِ بذلك، بل ساعدها في السفر إلى إنكلترا لتنال الدكتوراه في «ألف ليلة وليلة»، ثم أصبحت ملء السمع والبصر بفضل تبني طه حسين لها.
أما ضحايا طه حسين، فهم الذين اكتووا بنيرانه، فقد عاداهم، ووقف في وجوههم، بنفوذه، وجاهه، ومناصبه، ومنعهم من نيل حقوقهم الأدبية والمادية والاجتماعية والأكاديمية، ومن هؤلاء، الدكتور أحمد ضيف. وقصة هذا العالِم الجليل، هي أسوأ حكايات طه حسين مع خصومه، ويحكي العلاّمة الدكتور الطاهر أحمد مكي في كتابه النفيس «الأدب المقارن أصوله وتطوره ومناهجه»، كيف أزاح صاحبُ كتاب «الفتنة الكبرى»، أحمد ضيف من الجامعة القديمة، ليتسنى له تدريس الأدب بدلاً منه. يقول مكي: «في ما يتصل بالدكتور أحمد ضيف، يمكن القول إنه قضى أعوامه بعد أن أُبْعِدَ من الجامعة زاهداً، فقد أُرْسِلَ ليدرس الأدب في باريس، وتخصَّص فيه، ونال أرقى شهاداته، وقدَّم لنا أول مؤلَّفٍ عن الأدب الأندلسي بعنوان «بلاغة العرب في الأندلس» ثُمَّ وجد نفسه ضحية مؤامرةٍ دُبِّرَتْ بليلٍ، ساهمت فيها عناصر عديدة، بعضهم أجانب ليسوا فوق مستوى الشبهات، أخرجته من منصبه، وأحلَّتْ الدكتور طه حسين مكانه، ولم يكن قبلها قد درَّسَ الأدب، ولا تخصَّص فيه، وإنما كانت محاضراته عن التاريخ اليوناني والشرق الأوسط في العصر الوسيط». والدكتور زكي مبارك، هو أكثر ضحايا طه حسين وجعاً وألماً، فقد حرَمه من العمل في الجامعة القديمة، بعدما رفض التجديد له، فانتقل إلى وزارة المعارف مفتشاً للغة العربية، وهو الرجل الذي يحمل ثلاث درجات دكتوراه ويُعِدُّ الرابعة. لم يملك زكي مبارك نفسه من الغيظ تجاه طه حسين، لا بل قال عنه في مقال، أعاد نشره في مقدمة ديوانه «ألحان الخلود»: «لو جاع أطفالي، لَشويتُ طه حسين، وأطعمتهم من لحمه، إنْ جاز أنْ أُقَدِّمَ إلى أطفالي لحوم...»، وقال عنه أيضاً: «إنه لا يقرأ ولا يكتب».
أما أنور الجندي، فهو كان لحقبة طويلة مِن أنصار طه حسين ومريديه، وكتب عنه صفحاتٍ مشرقةً في كثيرٍ من كتبه. ففي موضع الثناء والإعجاب، يقول في كتابه «صفحات مجهولة من الأدب العربي المعاصر»: «أمَّا طه حسين، فإن أسلوبه هو الرجل بحق، فيه كل ما يوحي بأنه لطه حسين، ولو لم يُوَقِّع باسمه الصريح، ذلك الطابع الأزهري في الأداء، وذلك الطابع الفرنسي في المضمون، يُذَكِّر بالالتقاء والازدواج الواضح بين ثقافتيه. أما هذا التكرار المتصل، فهو يُوحِي بأن صاحبه يُملي ولا يكتب، وهناك من العبارات الكثيرة، ما توحي بشخصية الكاتب، مثال ذلك قوله: هات يدك أنا أضعها على هذا النص أو ذاك، وتلك العبارات الحائرة: لعلي، وأظن، وليتني أدري، وربما، ثم هذه الأناقة والموسيقى، والكلمات التي توحي بأن السمع يعطي الكاتب أكثر مما يعطيه البصر».

المصدر:http://www.alhayat.com/Articles

الأحد، 15 يناير 2017

الأهرام» تكرمه على مشواره فى التحقيق والتأليف والترجمة الطاهر أحمد مكى: تطوير الفصحى ممكن إذا لجأنا لطريقة نجيب محفوظ


شارك فى الندوة: د. أحمد درويش - د. علاء رأفت ومن الأهرام:عزت إبراهيم - أنور عبداللطيف - محمود القيعى
◄ أرفض استخدام العامية فى الكتابة.. وقدمت لديوان «نجم» تقديرا لموقفه النضالى
◄ تعريب الجزائر نجح بسبب الإرادة السياسية لعبد الناصر وبومدين
◄ «طوق الحمامة» أول كتاب فقهى يتحدث عن الحب كلاما علميا دقيقا جعل اليونسكو تتبنى ترجمته إلى لغات العام
◄ د. أحمد درويش: العربية مهددة بالانقراض فى القرن الحادى والعشرين
هذا رجل علم ونقد وبحث علمى رصين فى الأدب العربى عرفناه ناقدا وباحثا ولغويا.. وصاحب علم دقيق لا يقبل بأنصاف الحلول... يقول ما يعتقد به ويصمت إن لم يجد ما يقول. عرفناه باحثا مدققا فى الأدب الأندلسى محققا للسفر الكبير لابن حزم «طوق الحمامة» فى الأُلفة والإلاف. وعرفناه مترجما لملحمة «السيد» التى ترصد أول لقاء بين المسلمين وأوروبا. وعرفناه مهتما برصد آثار الحضارة العربية فى إسبانيا أو الأندلس كما عرفناه وهو الشيخ الدرعمى رئيسا لتحرير مجلة أدب ونقد اليسارية

العلامة الكبير الدكتور الطاهر أحمد مكى أحد علامات الجدة والجدية فى الدرس الأدبى المصرى نتفق على ما طرحه أو نختلف عليه هذا وارد تماما ومشروع ومطلوب لكننا نتفق على سعيه النبيل ومقاصده وطريقته المثلى فى الاجتهاد. فالرجل متعصب للفصحى على حساب العامية وهو يرفض اليساريين الآن بعد أن كان منهم لأن منهم من يسىء للدين وهو لا يرى تعارضا بين الإسلام وقيم اليسار الحقيقية.

التقيناه تكريما لجهده ومنهجه وغيرته على لغة الضاد وفى إطار سعى الأهرام لاستعادة بوصلتها القديمة فى الاحتفاء بالقيم الفكرية والثقافية فى حياتنا

فى بداية اللقاء رحب عزت إبراهيم مدير تحرير الأهرام بالدكتور مكى قائلا إن هذا الجيل من المثقفين والإعلاميين قرأوا للدكتور مكى الكثير خاصة تحقيقه الدقيق لكتاب طوق الحمامة. ويسعدنى أن أشارك فى تكريمه وتقديمه لقراء الأهرام بما يستحق مشواره الطويل الذى قدم فيه خمسين كتابا أو يزيد

ثم قدم عزت ابراهيم نسخة من العدد الأول للأهرام إلى الدكتور مكى الذى تقبل الهدية بفرح وقال: أعتز بهده النسخة والتذكار لأن الأهرام أول صحيفة خططت فيها بالقلم ،حيث أذكر وأنا فى العشرينات من عمرى فى العام 1945 أن غزت هولندا إندونيسيا فى ظل صمت العالم كله. ولكن المظاهرات اندلعت فى القاهرة التى كانت ترعى كل حركات التحرر فى العالم وتدعمها، فلا يمكن أن ننسى أن سوكارنو أعلن استقلال بلاده من مقر جمعية الشبان المسلمين. وعندما صرخ المتظاهرون الموجودن يحيا استقلال إندونيسيا قال سوكارنو إنى أعلن الاستقلال من هنا...
كتبت مقالة وقتها عن العدوان الهولندى بعنوان «ضمير العالم فى إجازة» وأرسلتها إلى رئيس التحرير ، وكنت أتوقع نشرها فى البريد كما جرت العادة، لكننى وجدتها منشورة فى الجريدة الأصلية، ما يعنى أن سياسة الأهرام منذ القدم أن كل ما يرسل إليها يقرأ بعناية، فإن كان يستحق النشر ينشر بغض النظر عمن أرسله.. وهذه قيمة ثقافية ومهنية رفيعة.
وتكرر معى الموقف فى الستينات من القرن الماضى عندما قرأت رواية إسبانية عن التجسس الإسرائيلى على مصر فكتبت عرضا لها وأرسلته إلى صديقى آنذاك الدكتور بطرس غالى الذى كان مشرفا على الأهرام الاقتصادي. لكن الرجل أحس بأهمية المقال فأرسله إلى هيكل رحمة الله عليه فنشره صفحة كاملة فى ملحق الجمعة، الذى كان يشرف عليه الدكتور لويس عوض. هذه هى الأهرام بالنسبة لى جريدة تهتم بما يصلها وتدقق فى فرزه وتقويمه والاعتناء به ولذلك فإن النسخة من العدد الأول للجريدة هدية ثمينة للغاية.

طوق الحمامة

الأهرام: ما الذى يجمع بين طوق الحمامة الذى حققه الدكتور مكى وبابلو نيرودا الشاعر التشيلى الكبير الذى كتب عنه مكى كتابا مهما وما الذى يجعل فقيها مسلما بارزا كابن حزم يؤلف كتابا فى فقه المحبة؟
قال الدكتور مكي: جئت من قرية متواضعة بلا حدود، لا تمر بها طرق ولا قطارات، وكان بها كُتّاب فقط يحفظ فيه الصغار القرآن الكريم. وأول مدرسة أنشئت عام 1924 ، فقد كان سعد زغلول يمر فى بلدان القطر المصري، وأبدى الناس بالقرية رغبتهم فى أن يمر ببلدنا فقيل لهم لابد أن يكون لديكم ما يفتتحه الزعيم عند مروره. فابنوا مدرسة للقرية على حدود الصحراء والأرض الزراعية.
فالناس جمعوا الطوب والطين وبنوا على عجل خمس غرف وفناء وأسموها مدرسة وافتتحها سعد زغلول فى هذا العام، وكانت هذه أول مدرسة لى تعلمت فيها.
عندما سألتنى عن العلاقة بين بابلو نيرودا وطوق الحمامة، اشتعلت ذاكرتى بما جرى لى فى إسبانيا.. فبعد أن انهيت دراستى وقررت التخصص فى الأدب الاندلسي، ذهبت إلى إسبانيا ولم أكن قرأت إلا كتابا واحدا عن الأندلس لشكيب أرسلان وهو كتاب الحلل السندسية ويشبه حاطب ليل يجمع عشوائيا شيئا من هنا وشيئا من هناك. وظننت أننى بقراءة هذا الكتاب أعرف كل شيء.
وذهبت إلى إسبانيا على أساس أنى أعرف الكثير ظانا أن الخواجات لا يعرفون. وقابلت المستشرق الكبير جارسيا جوميز فسألني: ماذا درست فى الأدب الأندلسي؟ فقلت له بغرور درست كل شيء. فقال لى : هل قرأت طوق الحمامة؟ فبهت، لأنى كنت أسمع الاسم للمرة الأولى. فقال لى اكتب هذه المراجع والمصادر ــ وعدد لى كتبا كثيرة لم أكن سمعت بها من قبل ــ واقرأها وعد إلى بعد عام. وقد كان.. وتعلمت ألا أقدم على عمل إلا بعد استعداد حقيقى ...
وقرأت طوق الحمامة فوجدت شيئا مذهلا. أولا حاولت أن أتعرف على ابن حزم فوجدته عبقريا فى كل مجال وهو أول فقيه يتحدث فى الحب كلاما علميا وأدركت أن الكتاب ليس به كلام فى الجنس بل تحليل علمى دقيق للعاطفة الإنسانية وتقديمها باحترام، ما جعل الكتاب سفرا بالغ الأهمية على المستوى العالمي، حيث تولت منظمة اليونسكو ترجمته لأكثر من 42 لغة كانت آخرها الترجمة إلى اللغة اليابانية.

ولكن ما الذى جمع نيرودا وابن حزم كما تقول فى سؤالك؟

إنها العبقرية ففى الأدب المقارن يشترط الباحثون الفرنسيون وجود علاقة تاريخية بين الأديبين محل الدراسة لقراءة مواضع التأثير والتأثر، ولابد أن يتقابلا وأن يقرأ أحدهما عن الآخر. لكن الدراسات الأمريكية تتحدث عن جوهر ثابت للعبقرية.. فالعبقرى الزنجى فى إفريقيا مثله مثل العبقرى فى السويد، إذا تعرضا لظروف متشابهة، سيقدمان رؤى متشابهة.

نيرودا كان شاعرا عبقريا وكان يساريا حتى النخاع وكتب أفضل قصيدة عن الثائر فيدل كاسترو ، ولكن بابلو نيرودا كتب أيضا بعبقرية فى الحب. وأذكر أن كتابى نيرودا شاعر الحب والنضال كان أول دراسة فى العربية عنه. وقد نظمت إذاعة البرنامج الثانى ندوة عن الكتاب شارك فيها الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور، الذى قال إن الطاهر مكى أراد أن يقول إن النضال والحب لا يتعارضان. فالثائر عاشق كبير والعاشق يمكنه أن يكون مناضلا بلا تعارض. ولذلك كان نيرودا بحق شاعر الحب والنضال.

تعليق الدكتور أحمد درويش

ثم علق الدكتور أحمد درويش عميد دار العلوم السابق فقال:

الشكر للأهرام على تكريمها الدكتور مكي، فما تم اليوم يحيى تقليدا للصحيفة الأولى التى نعتز بها. واستمرار علاقة الصحيفة وتاريخها الممتد منذ أواخر القرن التاسع عشر يعطى قيمة للتراكمية التى يجب ألا تفلت من بين أيدينا ونحن نتحدث عن أى بناء ثقافى أو حضارى..

أن تعلن الصحيفة من جديد أنها ستعود بيتا للمثقفين كما كانت دائما يلتقى الناس هنا ليس فقط لتكريم عالم بل لكى يتحاوروا ولكى ينظروا فى يومهم وغدهم وكيف يمكن إحياء العمل الثقافي، وهذا تقليد رائع نتمنى أن يتكرر بعمل ثقافى عميق يذكرنا بالأهرام التى كانت مكان لقاء أفكار نجيب محفوظ والحكيم وغيرهما من مبدعى مصر الكبار.

أما التراكم فهى ظاهرة صحية وليست غريبة عن عقلنا العربي. فلسنا من الأمم التى تغمض العين عن أمسها وقيمها الحضارية. وليس هناك على مستوى الدراسات الإنسانية ما يسقط بالتقادم

فالإبداع والاجتهاد لا يسقط بالتقادم وأن نعى مفهوم التراكم فى الاجتهاد العلمى هذا شىء مهم للغاية ومن التراكم ما تفعلونه من تكريم الدكتور الطاهر أحمد مكي، الذى تعلمنا على يديه أن يكون المعلم فى الجامعة صديقا لطلابه يساعدهم فى فهم دروسهم وتطوير ملكاتهم العلمية وأن يعرف ظروفهم الإنسانية.

ومن أهمية مكى أنه وهو الشيخ المعمم كان رئيس تحرير أول مجلة نقد يسارية فى السبعينات، عندما ترأس تحرير مجلة أدب ونقد، لأنه من المؤيدين لفكرة توسيع الدائرة الثقافية وألا يقتصر دور الباحث على الجامعة وألا تنحصر الكتابة فى الشيفرات الخاصة بطائفة من الأكاديميين. ولذلك كان حريصا فى الكتابة على الوضوح ونقل المعرفة للمثقف العام رغم أنه أكاديمى رفيع المستوى .

والطاهر مكى الذى برع فى دراسة الأدب الأندلسي، برع أيضا فى ترجمة عيون الأدب، مثل ترجمته لملحمة السيد أول ملحمة ترصد الالتقاء الأولى بين المسلمين والاوربيين فى مملكة قشتاله، وترصد أثر العرب وآدابهم على أوروبا

الدكتور علاء رأفت

وقال الدكتور علاء رأفت عميد دار العلوم إن اهم ما فعله الطاهر أحمد مكى على مدى تاريخه أنه قدم النموذج الرفيع للأستاذ الأكاديمى فأنتم تتحدثون عن يساريته فى فترة ما من حياته ،وهو كان بيننا فى الجامعة الأكاديمى فقط.. فلا يتعامل مع الطلبة على أساس أيديولوجي، ولم يقف مرة مع أستاذ أو طالب على أساس المذهب السياسى أو العقائدي. فهو فى الجامعة مهتم بالمعرفة والمنهج البحثى فقط.

وهو أيضا من المهتمين بالحفاظ على اللغة العربية، ومن رواد هذا المجال، فلايزال رئيسا لجمعية طلبة دار العلوم ولا يزال يقدم العطاءات العلمية. ومن محبته للكلية ترجم سفرا كتبته باحثة أمريكية عن تاريخ الكلية ولم يمنعه عمره ــ أطال الله ــ فيه عن متابعة الدرس حتى الآن وحضور المحاضرات وتقديم العلم لأبنائه وأحفاده.

الأزهر واليسار

الاهرام: حكيت لنا عن المدرسة الأولى فكيف سار بك مشوار التعليم وكيف سرت معه؟

فى المدرسة كنا نذهب ثمانية أو عشرة أولاد وعشر بنات، كل فى وقت مختلف، وكنا جميعا نحفظ القرآن، ونجيد إلقاء الشعر وحفظه وخطنا جميل. لكن الفقر لم يكن رفيقنا فى الدرب فقد كان استمرار بعضنا فى التعليم ليس ميسورا لأنه مرتبط بالذهاب إلى إسنا البعيدة أو قنا ومن يستطيع دخول مدرسة المعلمين استطاع ولكنى رفضت ذلك فنصح أحد أقاربى الوالد رحمة الله عليه أن أدرس فى الأزهر، ولم يكن فى الصعيد كله سوى معهد أزهرى واحد فى أسيوط وقلنا توكلنا على الله.

ومن حسن حظى أنه فى العام الذى كنت سألتحق فيه بالمعهد فى أسيوط تم افتتاح معهد فى قنا، فدرست فى المعهد القناوي. ومن حسن حظى أيضا أننى قابلت أستاذا أديبا رأى أننى أجيد كتابة موضوعات الإنشاء، فنصحنى بالذهاب إلى القاهرة لأتعلم تعليما صحيحيا بعيدا عن المنفى، كما كان يسميه فى قنا. ووافق أبى رحمة الله عليه بدون تردد على سفرى للتعلم بالقاهرة، رغم أن السفر يزيد العبء المالى عليه. وكان السفر إلى الأزهر بالقاهرة لتبدأ رحلة جديدة..

الأهرام: كيف لأزهرى أن يكون يساريا وشيوعيا؟

هذا سؤال طيب لكنه مبنى على فكرة غير دقيقة. فماذا تعلمت من الأزهر ؟لقد دخلت الأزهر حافظا للقرآن وعلوم اللغة والشعر ونسيت القرآن فى الأزهر.. لكننى انخرطت فى جماعات اليسار فى القاهرة التى كان بها على ما أذكر ثمانى جماعات منها طبعا، حدتو التى كنت بها ، وكانت الجماعات تنظم على أساس الخلايا وكنت عضوا فى خلية مهمة. وكانت بالأزهر حركة يسارية قوية يشرف عليها فاضل المبارك وهو أحد أبناء النوبة. وكنا نهرب من الدراسة التى كانت تتعطل كثيرا بسبب المظاهرات السياسية إلى المقاهى أو ندوات اليسار.

ولكننا تعلمنا أيضا خارج الجامعة فقد كانت القاهرة مدينة النور مثل باريس وكنا نحضر محاضرات الجامعة الأمريكية بتذاكر حيث نحصل على عشرين تذكرة بعشرين قرشا ونستمع إلى محاضرات لكبار المثقفين والمستشرقين فى قاعة إيوارت بالجامعة.

وقد استمعت إلى طه حسين للمرة الأولى فى هذه القاعة، وسحرنى بانتقائه الحديث بالعربية فى إلقاء فاتن، وأحببته خطيبا أكثر من محبتى له كأديب. وقد كان من أشد أنصار اللغة العربية الفصحى حيث كان يرفض تماما الكلام بالعامية.

وقد تعلمت الكثير من انخراطى فى اليسار الذى دفعنى للقراءة والتثقيف لكننى غادرت الحركة الشيوعية فى مايو من العام 1948.

الأهرام : لماذا ؟

لأنه عندما قامت «إسرائيل» فوجئت فى الحركة بمنشور يقول إن الدولة المصرية ستصدر بيانا تهاجم فيه «إسرائيل» وتدعو الشعب للانخراط فى المقاومة العسكرية لها وأن هذا خطأ يجب أن نقاومه فاعترضت وطلبت الكلمة فى الاجتماع المنعقد وفندت الرأى قائلا إن «إسرائيل» واليهود ليسوا من فلسطين وليسوا سوى مغتصبى أرض العرب كما أنهم ليسوا ديموقراطيين،كما حاول المنشور أن يقنعنا ، فقال لى أحد المسئولين: اكتب اعتراضك ونحن سنرفعه إلى قيادة الحركة التى كان يرأسها هنرى كورييل. ففعلت وانتظرت ردا على مدى ثلاثة أسابيع لكنهم لم يردوا استنادا إلى أن تغييرا يتم فى تشكيل الخلايا. ثم فوجئت بهم ينقلوننى من خلية مهمة فى الحركة إلى خلية الحماس التى يقوم أعضاؤها بالحديث عن الشيوعية فى المقاهى لإثارة الجدل السياسى فقط ففهمت أنهم يبعدوننى فهجرت الحركة والشيوعية...

الأهرام :ولكنك قبلت رئاسة تحرير أول مجلة يسارية وهى أدب ونقد بعد ذلك بسنوات طويلة ؟

لهذه التجربة قصة.فعندما قرر السادات أن يقيم تجربة ديمقراطية قال سأبقى فى المنتصف وعن يمينى تيار وعن يسارى تيار فكان التيار اليمينى لمراد كامل من الضباط وكان التيار اليسارى لخالد محيى الدين من الضباط أيضا وانضم معظم المثقفين إلى تيار محيى الدين الذى كنت أحبه لموقفه من حركة 1954 ودعمه لفكرة الديمقراطية .

وكان أن قرروا فى اليسار إصدار مجلة ولم يعطوا رئاسة تحريرها للناقد الراحل عبد المحسن طه بدر او الدكتور عبد المنعم تليمة وفاتحونى فى ذلك فقلت أقبل بشرط ماوتسى تونج، وأن ندع مائة زهرة تتفتح بمعنى أن يتم نشر الإبداع ليس لأنه شيوعى أو يسارى بل لأنه يستحق النشر وقد كان .واستمر العمل ثلاث سنوات. لكننى فوجئت بتغيير فى العلاقة بينى وبينهم فقد رأيت مقالات تنشر لا أعرف عنها شيئا ومقالات تحذف لا أدرى سبب حذفها فقررت الاستقالة احتراما لنفسي. لكنهم طلبوا أن أبقى ضمن مجلس التحرير فبقيت قليلا.

عودة للدرس الإسبانى

الأهرام :نعود للمستشرق الإسبانى الذى طلب منك الدراسة والعودة إليه ماذا فعلت؟

نفذت ما طلبه منى بدقة وتوسعت فى قراءة كل ما يتعلق بالأدب الأندلسى وتعلمت منه ألا أقبل على عمل إلا بعد الاستعداد له وتعلمت ذلك ونقلته لأبنائي. فقد اشترطت مثلا على من يريد التخصص فى الأدب الأندلسى أن يتعلم اللغة الإسبانية ولكن الأمر لم يكن ميسورا فى الجامعات المصرية كلها.

وصار تدريس الأدب الأندلسى أشبه بالطريقة الأزهرية المنبرية التى تمجد الإسلام والمسلمين فقط من دون درس عميق للأدب والثقافة الأندلسية وأعجب ممن يتصدى للدرس الأندلسى مثلا وهو يقول إننا احتللنا إسبانيا لقرون.. فأقول له إن إسبانيا لم تظهر للوجود يا سيدى إلا فى القرن السادس عشر فكيف قمنا باحتلالها أقصد أن الناس تتكلم عما لا تعلم وتتصدى له وهذه آفتنا.

وأتمنى أن نتعلم من التجارب الناجحة فى أى مجال وندرس أسباب نجاحها ونكررها.

التعريب والعربية

الأهرام: على ذكر التجارب الناجحة حدثنا عن تجربتك فى تعريب الدراسة الأكاديمية بالجزائر؟

التجربة كانت ناجحة تماما فوراءها كانت هناك إرادة سياسية لتعريب الجزائر. وكنا نظن أن التعريب بالجزائر سيكون صعبا نظرا لتمكن الفرنسية منها. لكن الأمر كان مرهونا بإرادة هوارى بومدين المتعصب للفصحى والذى اتصل بعبد الناصر طالبا منه دعم مصر فى هذا المجال فانطلقت حملتان الأولى لأساتذة الجامعات وكان لى شرف المشاركة بها. والثانية لأساتذة المرحلتين الثانوية والإعدادية. وقد نجحت الحملتان فى وقف مد التفرنس فى المدن والمدارس والجامعات

ففى الجامعة الجزائرية نجحنا فى أن تكون دراسة اللغة والأدب والشريعة والأدب المقارن باللغة العربية وبينما كانوا يدرسون راسين بالفرنسية قدمت لهم الأثر العربى فى الحضارة الغربية وكان ذلك السبب فى ترجمة ملحمة السيد التى ترجمتها بسبب عملى بالجزائر ونجحت عملية التعريب الجزائرية قبل المغرب وتونس.

الأهرام : وماذا عن وضع اللغة العربية الآن يا دكتور وعن انتشار اللغة العامية فى وسائل الإعلام ؟

أنا من أنصار منهج نجيب محفوظ فى الكتابة فهو الروائى الذى يكتب عن الحارة والواقع المصرى لكنه يكتب عربية فصحى بسيطة وآسرة فى آن، لم يهبط بأدبه إلى العامية ولكنه ارتفع بمستوى حديث أبناء البلد وقدمه بأداء لغوى رفيع المستوى. وأنا أنتشى بقراءة قصص الروائى الكبير على مستويين: الأول، القص فيها وطريقته المبدعة، والثانى، المستوى اللغوى الرفيع البعيد عن الصعوبة والبعيد عن الابتذال.

وليتنا نقلد نجيب محفوظ فى كتابة المقالات والبحوث العلمية ونرفع من قدر العربية التى تعاني...

وهى تعانى بسبب أمرين. الأول، عدم العناية بالمعهد الخاص بتدريسها وهى كلية دار العلوم والثانية المجمع اللغوى الذى تحكمه الأغراض الشخصية أكثر من الاهتمام باللغة وتطويرها كما يقضى قانون تأسيسه منذ الثلاثينات من القرن الماضي. وعندما يعانى المعهد والمجمع فلابد أن تهبط اللغة إلى المستوى الذى نراه الآن. وأنا أعرف أن هناك من يكره الطاهر أحمد مكى لأنه عدو اللغة العامية وهذا غير صحيح فأنا لا أعادى لغة لكننى أرفض استخدامها فى الكتابة لنتحدث بها لكن لا يصح أن يكتب بالعامية فى الأهرام مثلا، جريدة الحكيم ونجيب محفوظ، ومحمد حسنين هيكل أحد الكتاب الرائعين الذين يهتمون بالعربية الفصحى ويجيدون التعبير بها. وعلى أهرام هيكل أن تعيد للعربية الاعتبار فى يومها وفى كل أيام السنة.

الأهرام: رغم رفضك للعامية كتبت مقدمة لديوان بالعامية لأحمد فؤاد نجم؟

كتبت مقدمة لنجم وأعتز بها تماما فقد كان المثقفون فى معركة سياسية مع الرئيس السادات فى السبعينات بسبب الموقف من الحرب. ونجح السادات فى استمالة بعض المثقفين فتراجعوا عن مواقفهم إلا بعض منهم، وكان نجم من هؤلاء المتمسكين برأيهم وكتب ديوانا بالعامية فكتبت له المقدمة تحية لموقفه السياسى وتمسكه بمبدئه.

وعلق الدكتور أحمد درويش على تدنى الاهتمام باللغة العربية قائلا إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ونحن بحاجة إلى تشريعات تعلى من قيمة اللغة وفى الحياة وللأسف فإن اللغة العربية تعانى بسبب عدم الاهتمام بتطوير تعليمها فى المدارس، وتطوير تعلمها فى الجامعات لتخريج معلمين مؤهلين. وهى مهملة فى الإعلام الذى يدمر اللغة فى الأخبار واللقاءات كما فى الإعلانات وهى مهمة لأن الحديث لا يتم بها فى المحافل الرسمية داخليا وعربيا.

وأعجب أن تشترط الجامعات الحصول على درجة التوفل فى اللغة الانجليزية لقبول الباحث وهذا أمر محمود للغاية، ولكنه ناقص فهذا الباحث سيكتب بحثه غالبا باللغة العربية، فلماذا لا نشترط عيله الحصول على ما يعادل التوفل فى اللغة العربية، لنوسع دائرة الاهتمام بها.

للأسف الشديد فإن اليونسكو رشحت العربية للانقراض ضمن اللغات المهددة بذلك فى القرن الحادى والعشرين.

سيقول البعض إنها لغة القرآن الكريم، وهذا حق. لكن هذا سيعنى تدريجيا ان تنحصر فى لغة دينية لا تتطور بسبب إهمالها، وبسبب الكتابة الرقمية التى تتجرأ على العربية بشكل كبير. الأمر بحاجة إلى إخلاص فى العمل لإنقاذ العربية إنقاذا للهوية.
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/573165.aspx

الطاهر مكي الرجل الذي تكلم في الشأن العام بجرأة غير معهودة في عصر كان شعاره 'الحيطة لها ودان.

القاعود يكتب عن رجال من ذهب
 

القاهرة ـ تقدم صفحات هذا الكتاب مجموعة من الرجال الذين يعتزّ بهم الإسلام في العصر الحديث وفي كل عصر، لأنهم بعثوا الإسلام من جديد، وجلوا مفاهيمه وقيمه، وحركوا الأمة نحو تحقيق مقاصده وغاياته، وتحملوا في سبيل ذلك مشقات ومكابدات يحتسبونها عند خالقهم جل وعلا.
لقد اهتمت الأجهزة الثقافية في البلاد العربية بتقديم نماذج من الناس؛ لم يكن الإسلام في حسبانهم، ولا مقاصده في وجدانهم، ولا غاياته في تقديراتهم، بل كان بعضهم حربا عوانا على الإسلام والمسلمين جميعا، تنفيذا لمخططات شيطانية، تستهدف ديننا الحنيف وأهله، ومن وراء ذلك الثروات والأسواق والأرض وما عليها.
وأظن أنه من الضروري أن نقدم المآذن العالية أو الرجال الذهبيين للأجيال الجديدة، ليعلموا أن آباءهم يملكون قدرات من الوعي والعلم والجهاد تقودهم إلى الطريق السويّ: نهوضا وتقدما وإعزازا للدين الحنيف.
ولعل الله يعين على متابعة صفحات الكتاب لتقديم مجموعات أخرى من أعلام النهضة الحديثة والمعاصرة، وإضاءة جوانب مهمة في مجال الجهاد العلمي والمعرفي والإنساني الذي قاموا به.
ويشاهد القارئ في المآذن العالية مجموعة فذة من الرجال في العصر الحديث: مصطفى صادق الرافعي، محمد رشيد رضا، عبدالعزيز جاويش، على الغاياتي، محمد فريد وجدي، خالد محمد خالد ، الطاهر أحمد مكي، وغيرهم.
الرافعي إمام البيان العربي في العصر الحديث، تميز بقدرة بلاغية عالية على الصياغة والتعبير، وفقا لأسلوب متميز يجعله في ذروة الأساليب الحديثة التي تقوم بهندسة الصياغة وتقطير العبارة، واستخدام اللفظ المشبع بروح القرآن الكريم والحديث الشريف والتراث العربي العظيم، في إطار تصوير حي ومتفرد يجعل من يطالعه – دون أن يُذكر اسمه - يتأكد أن هذا أسلوب الرافعي.
إلى جانب هذا التميز البياني فإن الرافعي كان مدفعية ثقيلة دكت حصون خصوم الإسلام وأعدائه، بتقديم قيم الإسلام المضيئة والدفاع عنها ضد الهجمة التغريبية الشرسة.
محمد رشيد رضا من أولي العزم من الرجال، قام بدور مهم في مطالع القرن العشرين، وأثر في الأمة شرقا وغربا بمواقفه وكتاباته وإصداراته، ويمكن القول إنه واحد من القلائل الذين أسهموا في بعث الأمة وهيأوا لها سبل العمل من أجل الاستقلال والبناء، وضحي بماله وجهده ووقته من أجل الخدمة العامة التي يقررها الإسلام في مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأعطي خلاصة علمه وكل عمله لخدمة هذا المفهوم، وهو ما جعل كبار الكتاب والمفكرين في زمانه وبعد زمانه يكتبون عنه، ويتناولون جوانب حياته المختلفة بالدراسة والبحث والتقدير والإشادة.
الشيخ عبدالعزيز جاويش نموذج فريد من نماذج الوطنية والدعوة إلى الإسلام، أدى دوره في زمنه بهمة واقتدار، ورفض أن يهادن أعداء الدين والحرية، أو يقبل بالاستبداد أو الاحتلال.
ظهر الشيخ عبدالعزيز جاويش عضوا بارزا في سياق المقاومة والجهاد ضد الاستعمار والاستبداد، عبر الكلمة المخلصة القوية، فإذا تحدثت عن أدب ذلك العصر وجدته في مقدمة أدبائه، وإذا تحدثت عن العلم والعلماء رأيته في الذروة، وإذا تحدثت عن المضطهدين في أوطانهم كان أوضح عنوان لهذا الاضطهاد.
على الغاياتي شاعر الإسلام والوطنية واحد من الشعراء العظام، عبر عن رؤيته بمنتهى القوة والجرأة، ودفع ثمن ذلك تعرضا للمحاكمة، والحكم عليه بالسجن، والهروب من البلاد، والغربة عن الوطن سنوات طوالا، وارتبط اسمه في هذا الجهاد باثنين من أكبر رواد الإصلاح في مصر وهما الزعيم محمد فريد والشيخ عبدالعزيز جاويش، وكأن إرادة الله سبحانه أن يتغرب عن مصر الغالية ليذهب إلى بلاد أخري؛ يتعلم لغتها ويؤسس فيها صحيفة تعرّف بالإسلام وتنشر أخبار الشرق إلى أهل الغرب والمقيمين فيه من أهل الإسلام، ويخدم قضايا مصر والبلاد الإسلامية.
محمد فريد وجدي: فريد عصره غير مدافع! تفرغ الرجل في كثير من كتاباته للرد علي الماديين والملحدين ونسف ادعاءاتهم بالحكمة والأسلوب العف، والحوار الهادئ.
لقد وهب الرجل حياته للدفاع عن الإسلام انطلاقا من إيمانه أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وقد أهله لذلك تربيته ونشأته وتكوينه العلمي والثقافي.
خالد محمد خالد: مفكر مسلم شجاع تجلت شجاعته في تراجعه عن بعض أفكاره التي أثارت الرأي العام في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، واعترافه أن ما قاله كان نتيجة لظروف ما.
الطاهر مكي الرجل الذي تكلم في الشأن العام بجرأة غير معهودة في عصر كان شعاره "الحيطة لها ودان!". كان يتكلم عن الحرية وحق المواطن في التعبير عن رأيه.
لم يكن مثل الآخرين الذين ينكفئون على موادهم وكتبهم العلمية لا يخرجون عنها ولو بكلمة، ويحترسون في كل لفظ يفوهون به، أو يضعون بينهم وبين طلابهم متاريس من الفوقية والجهامة كي لا يقترب منهم أحد.
المآذن العالية تنادي على الأمة: حي على الصلاة .. حي على الفلاح .. حي على انتزاع الحرية والكرامة والاستقلال وبناء المستقبل.
صدر الكتاب عن دار المقاصد للنشر والتوزيع، يناير/كانون الثاني 2017.
المصدر: http://www.middle-east-online.com/?id=239821

الاثنين، 2 يناير 2017

شيخ النقاد: أبو المعاطي أبو النجا لا يقل مكانة عن نجيب محفوظ.... بقلم عبد الهادي عباس.


أكد الناقد الأدبي الكبير د. الطاهر أحمد مكي أن وفاة الروائي أبو المعاطي أبو النجا كانت خسارة كبيرة للحياة الثقافية المصرية.
وقال د. مكي لـ"بوابة أخبار اليوم" إن أبو النجا لا يقل مكانة وقامة عن نجيب محفوظ، ولكن السنوات الطويلة التي قضاها في بلاد الخليج شغلته كثيرًا عن مشروعه الروائي والقصص.
وأشار د. مكي إلى تميز أبو المعاطي أبو النجا بكتابة القصة القصيرة منذ كان طالبًا في كلية دار العلوم جامعة القاهرة، حيث كان يحصد الجائزة الأولى في كل مسابقة يدخلها، ولعله القصاص الوحيد الذي نقل المنتج السينمائي إلى الفن القصصي بأسلوب لا يُعلى عليه.
وأضاف د. مكي إن أبو المعاطي أبو النجا كان إحساسه بفنه عاليًا ولذلك لم يتطفل على موائد وزارة الثقافة أو أي لجنة من لجانها، مضيفا: "أذكر أنني اتصلتُ به لأرشحه لجائزة الدولة التقديرية وهو الذي لم يحصد جائزة واحدة في مصر، فقال لي إن الجوائز تكون لمعاونة إخواننا الذين يحتاجون إلى مساعدةٍ ماليةٍ وأنا لا أحتاجُ إلى مساعدةٍ مالية من أي نوع.. هكذا كان أبو المعاطي أبو النجا، ولا أظن أن أحدًا في وزارة الثقافة قد التقاه أو يعرف قدره، وكنتُ أتمنى أن رجلا مثله ينعاه وزير الثقافة على كل المستويات الثقافية.. رحمة الله عليه فقد كان قمة وقدوة كما فنانًا، والفنان يحتفظ دائمًا بكبريائه في كل الظروف".
http://akhbarelyom.com/news/609181