الأحد، 13 ديسمبر 2015

من أبحاث العدد 52 الخاص بتكريم العلامة الطاهر مكي (صحيفة ار العلوم)







 (امرؤ القيس حياته وشعره) للطاهر أحمد مكي
من سيمياء العتبات إلى شواغل التلقي






د. محمود النوبي أحمد سليمان
أستاذ الأدب العربي المساعد
كلية الآداب بقنا - جامعة جنوب الوادي



توطئة
1-   امرؤ القيس، إحياء عصري.
من فضل القول الخوض في التعريف بامرئ القيس؛ فللشاعر ولشعره مكانة ثقافية وأدبية في المجتمع العربي عامة، فقد خلَّد التاريخ اسمه وشعره، ولكنْ ليس للعمل الفني ولا للفنان أن يُخلِّد كلٌّ منهما نفسه، فإذا كان لهما أن يبقيا وأن يظلا خالدين فيجب أن يُعاد خلقهما دائمًا في عقول من يتلقونهما، وقد كان لمكي الفضل في إعادة خلق امرئ القيس بدراسة رائدة، تتناسب مع حجم المؤلف ومكانة المبدع الذي أُعيد خلقه. فكتاب (امرؤ القيس حياته وشعره) إحياء عصري للشاعر ولشعره، لا يفرض فيه المؤلف رأيًا، ولكنه يعرض صورة وفكرة، ويترك للقارئ التخيل والتفكير، ثم يأخذه نحو التسليم والاقتناع، وهذه القوة الفنية للناقد الحقيقي.
وفي إعادته قراءة امرئ القيس كان يبحث عن الروح الإنسانية للعصر الذي يعيشه القارئ المعاصر، إضافة إلى رسم صورة للعصر الذي عاش فيه المبدع/ امرؤ القيس.
2-     الأستاذ الدكتور/الطاهر أحمد مكي، الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، من مواليد محافظة قنا بصعيد مصر الأعلى، تخرج في دار العلوم سنة 1952م، حصل على الدكتوراه في جامعة مدريد سنة 1961م. ومن فضل القول أيضًا إطالة الحديث عن الناقد؛ فهو من أعلام العصر، ورواد الدراسات الأدبية، ليس في مصر وحدها بل في الوطن العربي وإسبانيا المعاصرة.
وهو المشار إليه في البحث بالكلمات: (مكي - الناقد - المؤلف - المبدع الثاني).
...
(لقراءة البحث كاملاً انظر صحيفة دار العلوم العدد 52 )

الخاتمة:
وبعد...
يبقى ما توصل إليه البحث قابلًا للردّ والقبول، فإمكانات سوء الفهم باقية؛ لأنه عمل بشر، أرجو به أن أكون قد بلغت بعض الهدف، مع سلامة القصد، وإخلاص النية، كما أرجو أن تُغفر لي جرأتي على الدخول بين مبدعين تقصر القامة أمامهما (امرئ القيس، ومكي)، ولكن عزائي أن المبدع الأول شاعر طليعي نصه مفتوح لكل تأويل، أما المبدع الثاني فليس هو مكي اليوم، فالفارق كبير بين شاب يضع أول مؤلف له أمام القارئ، وناقد راسخ القدم معروف إقليميًا وعالميًا. ولا يعني ذلك النظر في القيمة والقامة، ولكنه التماس عذر، وإشارة إلى سياق التأليف، فقد ولِدَ مكي كبيرًا ومازال يكبُر في أعيننا وقلوبنا حتى توهمنا أنه كان في تلك السنة أقل مما نراه اليوم، فأكدت الدراسة خطأ التوهم، وصحة التوجه نحو اختيار الكتاب (امرؤ القيس...). ووصيتي للباحثين النظر في تطور الخطاب النقدي عند مكي، وأثر السياق في هذا التطور، مع البحث عن الأسباب وتحديد الملامح.
وحسبي أن أقتبس عبارته هو في امرئ القيس، لأقولها فيه منه: "فلعل في هذه الدراسة بعض الوفاء له، وإنها لدونه وإنه لأكبر منها"، لعلها تليق به، ولعله يرضى بها بعد هذا الزمن الطويل من صياغته لها.

وقد توصلت الدراسة إلى النتائج الآتية:
-         إن النص الشعري الجاهلي رسالة ذات شفرات غير محددة تحديدًا يقينيًا، يتيح للقارئ أقصى درجة من الحرية في إنتاج المعنى.
-         إن العكوف على القراءة في السيميائيات واللسانيات الحديثة يفتح أمام الباحث أبوابًا عدّة في اتجاهات تحليل الخطاب الأدبي أو النقدي، لكن الانسياق وراء تلك التحليلات قد يأخذ الباحث إلى عالم لا نهاية له من التصورات والتأويلات والتلفيقات.
-         إن الخطاب النقدي عند مكي خطاب تفاعلي لا يخضع لرغبة الناقد وحده بل يخضع لحركية التلقي وبناء السياق.
-         إنه من الضروري إعطاء اهتمام لما هو أكبر من محيط النص ليصل إلى كل التاريخ الثقافي الكامن في عقل المشاركين في الخطاب(المرسل والمتلقي).
-         إن مكي في كتابه (امرؤ القيس...) قد اختزل في تناوله لحياة الشاعر وتحليله للنصوص الخطابات السياسية، والاجتماعية، والفكرية، والثقافية للمصريين والعرب عامة، وراهن على نجاحها بتمثله الضمير القومي للجماعة بكل ما فيه من آلام وأوجاع، وأحلام وآمال، وبقدرة خاصة على نقد الذات، جامعًا بين توقد الحس التاريخي، والرغبة العارمة في التجاوز. وبهذه المقاربة لم تكن رموز العصر في إنتاج الخطاب هي أدوات تعرّف لامرئ القيس وعصره فقط، ولكنها أيضًا أدوات لإنتاج خطاب محاور فيه تعرُّف على الحياة المعاصرة وما يدور فيها من أحداث، وما يجب أن يكون عليه الإنسان العربي المعاصر.
-         سعي الناقد إلى إجراء نوع من المقارنة بين جدائل الهيمنة السائدة خلال العصرين (عصر الشاعر، وعصر الناقد)، ومحاولة بناء هيمنة مُقاومة بطلها امرؤ القيس وكل شاب عربي يسير سيره.
-         صارت اللغة عند مكي فعلًا اجتماعيًا، وليس مجرد خطاب شفوي أو مكتوب، وذلك بما اكتسبته من روابط دلالية في عملية الاتصال.
-         إن اللغة في الكتاب تتغذى من تربة السياق الشعري لامرئ القيس.
-         إن جمهور القراء في مصر والوطن العربي لم يُقبِل أكثرهم على كتاب (امرؤ القيس...) من أجل امرئ القيس وشعره، ولكن إقبالهم كان من أجل الناقد الذي قدَّم امرأ القيس تقديمًا ذاتيًا جديدًا.
-         ولما نراه في دراسة مكي من تأمل عميق، وقيام على النص من الداخل، يتحول النقد إلى أدب، فيما يمكن أن نسميه (أدبًا نقديًا) على حد تعبير أدريان مارينو.

(لقراءة البحث كاملاً انظر صحيفة دار العلوم العدد 52 )


الأحد، 29 نوفمبر 2015

كتاب تكريمي عن العلاّمة الطاهر مكّي في عيده التسعين - صلاح حسن رشيد



جميل جداً؛ أن يجد الوفاء له موطئ قدم في عالم اليوم؛ المتسارع اللاهث وراء المادة، والمصلحة، والأنانية. ومن هنا؛ كان صدور كتاب تكريمي جديد؛ لمناسبة بلوغ العلاّمة الدكتور الطاهر أحمد مكي التسعين (1924) حدثاً ثقافياً رفيعاً؛ تلقته الأوساط الأكاديمية، والأدبية بحفاوةٍ ورضى، وقبول حسن؛ دلَّ عليه نفاد طبعة الكتاب خلال أيام قلائل، وحرص المثقفين على أهمية اقتنائه؛ لما تضمنه من دراسات، ومواقف، وأحداث، وقضايا؛ زاوجت بين الأدب، والنقد، واللغة، والفلسفة، والتاريخ، والتراث، والتحقيق، والترجمة، والآداب الأندلسية، والإسبانية، واللاتينية، والأدب المقارن، والقصة، والشعر الجاهلي، والسياسة، والتربية، والأزهر الشريف، ومصر، وإسبانيا.
شارك في الكتاب الصادر عن صحيفة «دار العلوم» القاهرية الفصلية، في عدد خاص؛ محمد عبد المطلب، وأحمد درويش، ويوسف نوفل، وحامد أبو أحمد، ووديع فلسطين، ومحمد عبدالحميد سالم، وأحمد كشك، ومحمد عبدالمجيد الطويل، ومحمد صالح توفيق، وشعبان مرسي، وأحمد علي الجارم، ومحمد أبو الفضل بدران، وإلهام سيف الدولة حمدان، وشعبان عبد الجيد، ويمنى رجب، ورشا غانم، وحلمي القاعود، ومحمد عبد العظيم سعود، وعبد المجيد بركات، ومحمود النوبي، والمستعرب الإسباني فيرناندو دي أغريدا بوريو، وحسام جايل، وأحمد حسن عوض، والأكاديمي السوداني حسن بشير، والأردني أحمد الزغبي، وأحمد عفيفي، وغيرهم من الباحثين.
تضمن الكتاب معظم المحطات، والنقلات المهمة في حياة الطاهر مكي؛ سواء البدايات في صعيد مصر الجوّاني، في محافـظة قنا، أو الدراسة في المعهد الديني الأزهري هناك، ثم المجيء إلى القاهرة في الأربعينات من القرن العشرين؛ للالتحاق بدار العلوم، أو للذهاب إلى أوروبا في بعثة علمية إلى إسبانيا في الخمسينات؛ حيث نهل من الثقافة الجديدة، واطلع على الفكر الأوروبي القديم والحديث، والمناهج الغربية.
انتهى الكتاب بمجموعة من القصائد؛ التي قيلت في المحتفى به، وبمجموعة من الرسوم للطاهر مكي؛ بريشة ثلاثة من الفنانين الإسبان. وفي شهادته؛ يقول وديع فلسطين: «صحيح أنني لم أتتلمذ على الدكتور الطاهر أحمد مكي؛ بمعنى الجلوس منه مجلس التلميذ في الفصل، ولكن الطاهر بسلوكه، وشخصيته جعلني مجرد واحد من طلابه المعجبين بأدبه، وعلمه، وخلقه. وفي اعتقادي؛ بأن الطاهر أحمد مكي لم يظفر بما يستحق من التقدير الأدبي والمادي، وهو ما تنبَّه إليه معالي الشيخ السعودي عبد المقصود خوجة راعي الإثنينية في جدة؛ حيث قام بتكريم الدكتور مكي في مهرجان كبير، شهده المئات من المدعوين، وتحدثت عنه الصحف السعودية بتوسع».
وقال الدكتور محمد عبد المطلب: «من يقرأ تحقيقات الدكتور الطاهر يدرك على الفور أنه واحد من أعلام المحققين الكبار الذين قدموا لنا التراث تقديماً علمياً موثقاً، وأشرُف بأن كثيراً من إنجازاتي، ودراساتي في الأدب، واللغة، والثقافة، والبلاغة؛ كانت محتكمة إلى كثير من توجيهاته، وربما كانت أهم هذه التوجيهات احترام التراث».
وقال الدكتور أحمد درويش: «لقد اختار الدكتور الطاهر مكي، المنهج الموسوعي في مؤلفاته المتعددة؛ فامتدت جهوده تأليفاً وتحقيقاً، وترجمة إلى معظم مجالات الأدب العربي، والأدب المقارن؛ فأنت تراه مع امرئ القيس مدافعاً عن إمارته للشعر الجاهلي، وأنت تراه مع المفضل الضبي، وحماد الراوية، وابن قتيبة، وابن عبد ربه، وأبي الفرج في مصادر الأدب، وتراه مع ابن حزم في طوق الحمامة، ومع الأندلسيين عموماً، وتراه في العصر الحديث مع القصة القصيرة ومختاراتها، والشعر المعاصر وفرائده، ويقف أحياناً مع شاعر كالبردوني؛ معلياً كثيراً من شأنه، ومع شعراء تجربة التفعيلة مقللاً من شأنهم؛ ولا يكاد يترك لمسة إلا وله فيها رأي توافقه عليه، أو تخالفه فيه؛ ولكنه لا يكاد ينتهي من واد؛ حتى ينتجع وادياً جديداً. ولم تكن مواقفه مع اللغات التي ينقل فيها، أو يترجم أقل موسوعية؛ فهو يعرف الإسبانية معرفة جيدة، ويفيد منها ويترجم عنها، ولكنه لا يتوقف عندها؛ فلديه نوافذ تطل على أخواتها من عائلة اللغات اللاتينية: كالفرنسية، والبرتغالية، والإيطالية، ولن تنعدم محاولات له للترجمة عن بعضها، لكن هذه المحاولات تمتد أحياناً إلى خارج هذه الدائرة؛ فنجد روائع الإنكليزية، والهولندية وغيرهما تفوح هنا أو هناك».
المصدر: http://www.alhayat.com/

الخميس، 29 أكتوبر 2015

العد الجديد من صحيفة دار العلوم

الآن في الأسواق العدد (52) من صحيفة دار العلوم للغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية ، وهو عدد خاص صدر تكريمًا للأستاذ الدكتور الطاهر أحمد مكي في عيد ميلاده التسعين..
العدد في حجم مضاعف وبالسعر نفسه وتقوم مؤسسة الأهرام بتوزيعه في جميع منافذ البيع..




الأحد، 25 أكتوبر 2015

والأستاذ الدكتور الطاهر أحمد مكي كما نعرفه

والأستاذ الدكتور الطاهر أحمد مكي كما نعرفه
الأستاذ الدكتور الطاهر أحمد مكي، الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، من مواليد محافظة قنا بصعيد مصر الأعلى، تخرج في دار العلوم سنة 1952م، حصل على الدكتوراه في جامعة مدريد سنة 1961م.
عمل بكلية دار العلوم مدرساً، فأستاذاً مساعداً، فأستاذاً، فرئيساً لقسم الدراسات الأدبية عام 1984م، ثم تقلد منصب وكيل كلية دار العلوم 1989م، ويعمل حالياً أستاذاً متفرغاً للأدب بقسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم، وقد عمل بجامعتي كولومبيا الوطنية والجيزويت بكولومبيا لتدريس اللغة العربية، وعمل أستاذاً زائراً بجامعات تونس، والإمارات العربية المتحدة، ومدريد، والجزائر، والأردن...
وقد أشرف على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات المصرية المختلفة؛ فهو أستاذ لأكثر الأساتذة بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بقنا وبأقسام اللغة العربية في الجامعات المصرية، وهو رئيس تحرير صحيفة دار العلوم، وعضو بالمجالس القومية المتخصصة، وعضو المجلس الأعلى للثقافة، وعضو مجلس إدارة دار الكتب المصرية، وعضو مجمع اللغة العربية منذ عام 1999م.
والأستاذ الدكتور الطاهر أحمد مكي غزير الإنتاج كثير المؤلفات ما بين تحقيق وتأليف وترجمة ونقد، يُتقن اللغة الإسبانية كما يُتقن العربية، وهو من أصحاب الفضل على أدب اللغتين المقارن خاصة، له ترجمات عدة من العربية وإليها. تملأ مؤلفاته رفوف المكتبات العامة والخاصة، وتتنافس على نشر أعماله أكثر دور النشر.
وعن علمه ومؤلفاته حصل الأستاذ الدكتور الطاهر أحمد مكي على وسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى 1990م، وأيضا عام 1992م، ثم حصل على جائزة الدولة التقديرية في الأدب 1992م.


د. محمود النوبي أحمد

الخميس، 3 سبتمبر 2015

د.الطاهر مكي عميد الدراسات الأدبية



ها نحن أولاء تلاميذ الطاهر مكي وأحباؤه ومريدوه وعارفو فضله وقراؤه نسعد اليوم بعالمنا الجليل وهو يناهز التسعين من عمره المديد،ونحن نراه قامة وقيمة،وعلما وعلامة على كل ما هو جميل في الأدب،وكل ما هو راق في النقد،وكل ما هو دقيق في الدراسة الأدبية،وكل ما هو رقيق في العلاقات الإنسانية وكل ما هو قدوة في الحياة الجامعية.

ولهذا كله تجتمع أفئدتنا على تقدير أستاذ عاش الحياة الجامعية رمزا للعطاء المتصل في الجامعة وخارجها في تخصصه وفيما يتعلق به،وسعي من خلال معرفته الراقية بلغته العربية وبالإسبانية إلى تقديم أفضل صور التعاون المثمر مع الشعوب الإسبانية واللاتينية أستاذا ومترجما ومحاورا.
وقد حاور الحضارة من أجل أبناء قومه،وحاور الحياة من أجل الأدب،وحاور الأدب من أجل النقد،وحاور النقد من أجل الدراسة الأدبية ،وحاور الدراسة الأدبية من أجل التاريخ للأدب،وحاور هذا كله من أجل صياغة علم الأدب.
لم يقف الطاهر مكي في إنتاجه عند الحدود التقليدية وإنما اتخذ الدراسة الأدبية سبيلا إلى دراسة الحضارة والتعريف بالفنون الرفيعة في إسبانيا والمغرب.
كما اتخذ الدراسة الأدبية سبيلا إلى تعميق علوم النفس الدراسة للوجدان،وكان اختياره لنصوص الفقيه الأندلسي ابن حزم مضرب المثل لذكاء الأديب والناقد في استجلاء حضارة الإسلام الزاهرة التي وصلت مبكرا إلى آفاق إنسانية رفيعة درست الوجدان وتفاعلت معه وحاولت بالعقل أن تضع للقلب إشاراته وعلاماته وقوانينه،ثم كان له الفضل أن جعل دراسة الأدب في كليات دار العلوم والآداب والتربية والألسن تدور حول هذا النموذج من النصوص النفسية والحضارية الراقية.
كان رائدا في هذا الاتجاه من دون إدعاء ومن دون من،وكان ناجحا بفضل إخلاصه وفهمه وحبه لما يفعل ودأبه على الإنجاز.
وقد امتدت مقاربات الطاهر مكي للحضارة إلى الآداب الفرنسية التي درست تاريخ الفكر على أفضل نحو،ومكنته شجاعته الأكاديمية من أن يقدم للقارئ العربي والأكاديمي العربي ترجمة عالية القيمة لأفضل الدراسات في هذا الميدان.
وعلى صعيد ثالث كان استشراف الطاهر مكي لدراسات الأدب المقارن استشراف ذكيا،ولم يقف عند حدود الاستشراف لكنه صاغ بدراساته أسلوبا بديعا لاستكناه آفاق الدراسات الأدبية المقارنة،وكان سفره القيم في الأدب المقارن بمثابة النواة التي تشكلت حولها الجمعية المصرية للأدب المقارن.
ثم دفعه إخلاصه العميق لتراث الإسلام الأدبي أن يرتاد بحنكة وذكاء مجالا جديدا للدرس الأدبي لم يسبقه إليه أحد بهذا القدر من الموسوعية والإطلاع فجاء كتابه " الأدب الإسلامي المقارن " على نحو ما جاءت كتبه السابقة قطعة من الأدب الرفيع والفن الرفيع أيضا.
ومع كل هذه  الإسهامات ظل الطاهر مكي متابعا يقظا لتجليات الفكر وإبداعاته ،وكانت كتاباته النقدية أبعد ما تكون عن التطبيق المباشر والمنفر للنظريات التي قد تفتن الشباب الأكاديميين حتى وإن بلغوا سنوات العمر المتقدمة.
لكن كتابات الطاهر مكي في النقد كانت في المقام الأول والأخير قطعة أدبية جميلة تضرب المثل في النقد الإبداعي الذي يحول الانطباع الدقيق إلى عبارة جميلة موحية قادرة على تكوين الانطباع عند قارئها.
وإذا كان شوقي ضيف وأحمد الحوفي وأضرابهما قد أجادوا دراسة العصور الأدبية فإن الطاهر مكي كان في الجيل التالي لهما أفضل من قدم العصور الأدبية من خلال أعلامها اللامعين وكانت دراساته أبرز نموذج لهذا النمط المتقدم من الدراسة الأدبية الذي لا يقف عند حدود تكوين الفكرة العامة عن العصور وإنما هو يتعدى هذا إلى تجليات الفكر المتباينة في إنتاج أبناء العصر الواحد مصرا بهذا تفاعل الفرد والجماعة في الإنتاج الفكري والإبداع الأدبي.
هكذا جاءت كتاباته عن امرئ القيس وعن شعراء الأندلس لتمثل درة من درر الدراسات الأدبية المعاصرة.
أما إسهامه الذي لم يلق التكريم المستحق حتى الآن فهو دراساته الموجزة عن إعلام عصره من الشعراء والأدباء ،ولا أظن أحدا وصل إلى ما وصل إليه الطاهر مكي من التعبير الذكي الرشيق عن الاستيعاب الجيد العميق لإنتاج من كتب عنهم،ولا شك انه استعان على هذا بذاكرته وذائقته وخبرته المباشرة ،لكنه حين استعان بهذا كان متمكنا من أدواته على نحو لم يتح بالقدر ذاته حتى لتلاميذه واللاحقين به من الذين شغلتهم لقمة العيش أو العمل في الجامعات العربية أو المناصب الإدارية عن ان يحيطوا بما أحاط به هذا العالم  الجليل من تاريخ الأدب المعاصر وحقائقه.
ويكفي في هذا المجال أن أنقل للرجل فقرة من دراسته الجميلة عن إحسان عبد القدوس وأن أشير إشارة عابرة إلى فقرة مماثلة كتبها في دراسته عن الشاعر نزار قباني ،ولا أظن هذين الرجلين حظيا بتقدير نقدي مجمل كالذي قدمه لهما الطاهر مكي وهما الرجلان الذين لم يحظيا بالإنصاف النقدي الحقيقي على نحو ما حظيا به على يدي عالمنا الجليل،ولم يكن من المستطاع أن تقيم جهودهما في الإبداع والأدب على هذا النحو المنصف إلا على يد الطاهر مكي الذي امتلك قلما قادرا وذائقة منصفة وفهما أعمق للتاريخ والإبداع والفن.
كان الدكتور الطاهر مكي يرى أن إحسان عبد القدوس يمثل بين كل مبدعي عصره اتجاها متميزا أصيلا ومدرسة قائمة بذاتها،لا يمكن أن ننسبها إلى غيره،ولا تجد من يمكن أن تضمه إليها،ولو ان هذا لا يمنع بداهة من انه قرأ كثيرا في آداب مختلفة ،وتمثل ما قرأ جيدا،فجاء إبداعه فردا،يمكن أن تلمح فيه توافقات خافتة مع غيره،في الظلال أو المعالجة ،ولكنه يحمل طابعه ومذاقه وصناعته .
ويقول الدكتور الطاهر مكي إنه لا يجد كاتبا تصدق عليه مقولة " الفن صورة عصره  كما تصدق على أدب إحسان،فبين صفحات ما كتب تجد مصر المعاصرة كلها،في شتى صراعاتها وتناقضاتها الفكرية والسياسية والاجتماعية،في الريف والمدينة،بين العمال والفلاحين والموظفين،والأغنياء والفقراء،والشباب والشيوخ،والرجال والنساء على السواء،مصر كلها هناك في أدب إحسان ،تتزاحم في الشوارع والميادين،والمصانع والحقول،تعيش وتتحرك وتناضل،تنبض بالحياة والأمل،يتغشاها اليأس والإحباط لحظات ما،لكنها تتقدم نحو غايتها دائما ".
" هذه الحيوية الدافقة نجدها في كل ما كتب في الرواية، والقصة،والمقال، وإن اختلفت المعالجة طبقا لما تقتضيه متطلبات النوع الأدبي من تقنيات فنية،وفيها كلها نلتقي بالصدق الفني دائما،والواقعي معه في أحايين كثيرة " .
وربما يعجب بعض من يقرأ الفقرة السابقة إذا كان على علم بقصة الدكتور الطاهر مكي في اكتشاف الأصل الفرنسي لقصة لا أنام.
ويصف الدكتور الطاهر مكي التفوق الذي أحدثه الزمن في فن إحسان عبد القدوس بطريقة ذكية فيقول :
" جاءت قصص إحسان عبد القدوس الأولى التي نشرها في مجموعتي " صانع الحب " و " بائع الحب " مجرد ذكريات لشاب يزور أوروبا ،وكتبها بأسلوب أقرب إلى الأسلوب الصحفي،حتى إنه كان يقطع سياق القصة ليصف بلدا ، أو يتكلم عن شخصية التقى بها،وفي مجموعة " النظارة السوداء " التي نشرها لأول مرة عام 1949 كان يقحم نفسه في السياق ليكتب مقالا يدافع عن فكرة أو يعرض رأيا".
" وعندما نشر روايته  " أنا حرة "  1952 جاءت تحقيقا صحفيا أكثر منها رواية أدبية ،وكان هذا عيبا خطيرا في تقنية القصة أدركه واعترف به فيما بعد،واخذ نفسه على تجاوزه والتخلص منه،وساعده على ذلك أن كتابة المقال العنيف المثير الذي يشد أعصاب القراء لم يكن متاحا بسهولة بعد أن تمكنت الثورة فوجد المجال فسيحا في القصة والرواية،وفي إسقاطاتها ورموزها ما يتيح له ان يعبر عن كل ما يريد دون خشية من ملاحقة أو مصادرة،فأقبل على كتابتها بجدية ".
" ومع المران والدربة والمثابرة والزمن أخذت شخصيته الأدبية تتطور وتنضج،وعيوبه الفنية تقل وتذوب،إلى أن أمتلك  ناصية الفن الروائي كاملة " .
ويشير الدكتور الطاهر مكي إلى هذه الخاصية التي صمم على أن يصف بها كتابات إحسان عبد القدوس الروائية من الارتباط الوثيق بالعصر فيقول :
" …فهو يكتب لعصره،ولا يفكر فيما سبق ،أو فيما سيجيء بعد،وإنما يصور أحداثا رآها فعلا،ووقائع عاشها،وأبطالا شاهدهم،وتعامل معهم،وتشعر في بعض قصصه برغم التخفي أنها تمثل تجربة ذاتية حقا،خبرها الكاتب فعلا،وكان بطلها واقعا " .

تاريخ النشر : 11/03/2012
مجلة : أكتوبر

http://www.gwady.net//

السبت، 29 أغسطس 2015

المجلس الأعلى للثقافة والطاهر مكى. بقلم: سعيد الشحات.


لم يبالغ الأديب الكبير بهاء طاهر حين قال بعد فوزه بجائزة النيل للآداب: «إن أستاذى الطاهر مكى كان أحق منى بالجائزة» قالها بهاء طاهر لأنه كبير القيمة ويعرف كبار القيمة وعلى عرشهم يتربع الدكتور الطاهر مكى، العلامة فى مجال الدراسات الأدبية عامة والأندلسية خاصة، والأستاذ الذى ضخ للحياة العملية والأدبية آلاف التلاميذ على مدى ما يزيد على ستين عاما قضاها فى التدريس بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وكنت واحد من هؤلاء الذين يحرصون على ألا يفوتهم محاضرة واحدة منه، وفيها سمعت منه عبارات لا يزال صداها يرن بداخلى: «لم يدخل الإسلام بلدا وخرج منها غير بلاد الأندلس»، ويتحدث بعذوبة فائقة عن قصة حب «حفصة بنت الحاج» العاشقة الأندلسية التى جهرت بحبها وكتبت الشعر فيه، وبعد قتل حبيبها غادرت الأندلس إلى المغرب وظلت فيها حتى ماتت، ومنه تعلمت كيفية قراءة أى نص فى القصة القصيرة بذائقة نقدية رفيعة، وذلك من خلال تدريسه لنا نصوصا منها اعتمادا على كتابه «القصة القصيرة دراسات ومختارات»، ونفس الشىء فى الشعر العربى من خلال كتابه «الشعر العربى المعاصر».. روائعه ومدخل لقراءته. مؤلفات ودراسات الدكتور الطاهر مكى هى انعكاس لرجل موسوعى، هو الذى فتح المجال للقارئ العربى حتى يفهم شاعر أمريكا الجنوبية «بابلو نيرودا» أيقونة شيلى ورفيق ثائرها اليسارى «سلفادور الليندى» الذى فاز بحكم شيلى عبر صندوق الانتخاب، لكن المخابرات الأمريكية اغتالته عبر أعوانها من الداخل وذلك بانقلاب دموى قاده الديكتاتور «أوغستو بينوشيه»، ويظل كتاب «بابلو نيرودا شاعر الحب والنضال» للطاهر مكى هو استدعاء لحالة فيها تزاوج الشعر بالثورة، وبنفس القدر من الرصانة والقوة والريادة كانت مؤلفاته الأخرى «أمرؤ القيس حياته وشعره» و: «مع شعراء الأندلس والمتنبى» و«مناهج النقد الأدبى» و«الشعر العربى فى إسبانيا وصقلية» و«الحضارة العربية فى إسبانيا» و«التربية الإسلامية فى الأندلس» و«تحقيقه لمخطوطتى طوق الحمامة» و«الأخلاق والسير» لابن حزم، و«دراسة فى مصادر الأدب» و«الأدب المقارن أصوله وتطوره ومناهجه». حاصل هذه المؤلفات أننا أمام علامة ورائد وعمدة فى إبداع الدراسات الأدبية، قدم إنتاجه العظيم، ومعه قيم عظمية بثها فى تلاميذه، وأهمها أنه لم يداهن سلطة من أجل منصب، ولم يقل نفاقا للحصول على مغنم، ولهذا فمن الضرورى أن ينتبه المجلس الأعلى للثقافة إلى ضرورة تكريم يليق به.

وفي اليوم التالي كتب تحت عنوان:  وزير الثقافة والطاهر مكى.
تلقيت اتصالا طيبا من وزير الثقافة الدكتور عبدالواحد النبوى، أمس الأول، تعليقا على ما كتبته فى هذه المساحة فى نفس اليوم بعنوان «المجلس الأعلى للثقافة والطاهر مكى»، وتحدثت فيه عن عالمنا الكبير الدكتور الطاهر أحمد مكى، ...، وتساءلت: لماذا لا ينظم المجلس الأعلى للثقافة تكريما يليق به؟ والدكتور مكى بالنسبة لى أستاذ، حيث كنت من تلاميذه أثناء دراستى الجامعية بجامعة القاهرة، وكنت أحصل فى مادته «الأدب»على «امتياز»، ملتزما بملاحظة يكتبها فى سؤاله: «لا تكتب فى الإجابة أكثر من 25 إلى 40 سطرا»، ومنفذا لتحريضه على الاستفادة من القراءة الخارجية فى الإجابة. أخبرنى وزير الثقافة أنه فور قراءة مقالى، كلف الدكتور محمد أبوالفضل بدران، رئيس المجلس الأعلى للثقافة، بزيارة الدكتور مكى  وأشار إلى أن «مكى» كان مرشحا لجائزة النيل، وبالرغم من أنه لم يحصل عليها، إلا أن حضوره الثقافى والفكرى لا ينكره أحد، فقلت للوزير، إنه إذا كان التصويت على الجائزة لم يذهب إليه فليس عيبا فى إنتاجه الأدبى والفكرى، ولكن لأشياء أخرى ليس له ذنب فيها، فمن الضرورى أن تفكر الوزارة فى تكريم يليق به، فوافقنى الوزير على ما قلته قائلاً: «جارٍ التفكير فى كيفية تكريمه بشكل لائق وعمل شىء كبير له»، وأضاف: «الدكتور مكى أستاذ كبير، لكن حالته تذكرنى بما ذكره الإمام الشافعى حين جاء إلى مصر وكان فيها عالما وفقيها عظيما هو الإمام الليث»، فقال: «الليث أبقى من مالك ولكن ضيعه تلاميذه»، يستدعى وزير الثقافة ما قاله الإمام الشافعى ويقيس عليه: «تلاميذ الدكتور مكى عليهم واجبات كثيرة نحو أستاذهم لم يفعلوها». بعد اتصال وزير الثقافة، تلقيت اتصالا آخر من الدكتور محمد أبوالفضل بدران، أخبرنى فيه أنه عائد من زيارة أستاذه الجليل الدكتور مكى... وأضاف أنه وأثناء شغله منصب عميد كلية الآداب جامعة جنوب الوادى، رشحت الكلية الدكتور «مكى» لجائزة النيل عام 2011، لكن فاز بها الكاتب الراحل أحمد رجب، وقال بدران إنه فعل ذلك بينما لم تفعله جامعته «القاهرة»، وقدمنا مبررات ترشيحه التى تجتمع على قيمة أن «مكى» عمدة فى مجاله. طلبت من الدكتور بدران ضرورة أن يقوم المجلس الأعلى للثقافة بعمل تكريم يليق بالرجل، وقلت له إن ترشيحكم له لجائزة النيل ليس نهاية المطاف، فقال: «ندرس بالفعل عمل شىء كبير يليق به.

المصدر: https://www.youm7.com/story




الناقد الأدبي الطاهر مكي: المجاملات آفة مشهدنا الأدبي والنقدي


كتب الخبر: سماح عبد السلام
افي حواره مع «الجريدة» أكد امتنانه لكل المتصلين به للاطمئنان على حالته، وصب جام غضبه على ما تشهده الحياة الأدبية والنقدية من تدني المستوى مطالباً بثورة أدبية تفرز جيلاً جديداً.

تؤكد عدم وجود أدب أو نقد راهناً، ما دليلك على ذلك؟

فكرت وأنا أعطي دروساً في القصة القصيرة لطلابي بالجامعة أن أخذ قصصاً كُتب عنها في الصحف الكبرى، فقد تصورت أنه لا يصح لجريدة كبرى أن تنشر القصة إلا إذا كانت جيدة، ولكن بقرائتي للقصص وجدتها مليئة بالأخطاء النحوية واللغوية والإسلوبية والتي لا يقع فيها طلاب الفرقة الأولى. جئت بقصة أخرى وحاولت فهم ما يريد الكاتب قوله فلم أتوصل إلى شيء، الدليل على ذلك أن ثمة صحفاً في أعدادها الآخيرة تنشر قصصاً ليوسف إدريس وغيره من كبار الكتاب لأنها لم تجد في ما يرسل إليها ما يستحق النشر، فتقدم لنا قصصا نُشرت قبل خمسين عاماً.
الرواية مثل القصة من الناحية السلبية، ولكن الفرق بينهما أن عوار القصة يظهر بسهولة لأنها قصيرة، أما الرواية فتحتاج إلى قراءات عدة كي تصل إلى ما فيها من أخطاء. لم أجد رواية جيدة، الناس يتصورون أن من يكتب حكاية يقدم رواية، ما يُكتب حالياً حكايات مملة، وهذا هو الفرق بين الفن والثرثرة. يجذبني الفن، لذلك من قواعد النقد البديهية أن العمل الجيد هو الذي إذا بدأت قرائته لا تتركه حتى تكمله، لذا لم أجد إلا القليل جداً من الروايات الأخيرة التي تلفت الانتباه.

هل حال الشعر مثل الرواية والقصة أم يختلف إلى حد ما؟

انتهى الشعر، الشعراء الجيدون أوصدت في وجوههم الأبواب إذا استثنينا شاعراً جيداً هو فاروق جويدة ولمكانته في الأهرام يستطيع نشر ما يريد، يكتب شعراً جيداً وله {تفانين} في كتابته، ويعكس صورة المجتمع في شعره. كذلك الأمر بالنسبة إلى الشاعر أحمد غراب، ما عدا ذلك فهو كلام لا يرقى إلى مستوى الشعر.

برأي ناقدنا، هل أفرزت قصيدة النثر شعراء، خصوصاً أنك لم تشُر إلى أي من شعرائها كنموذج إيجابي كما ذكرت في التفعيلة؟

كيف تكون نثراً وتفرز شعراً، كيف تكون ناثراً وتكتب شعراً؟ هذه إدعاءات خاصة بأفراد يجلسون على المقاهي ويتصورون أنهم يعيدون ترتيب الكون، لا شيء اسمه قصيدة النثر، ولكن ثمة ما يسمى بالنثر الجميل الموقع ولا صلة له بالشعر. كانت مقالات الزيات نثراً جميلاً موقعاً، كنا نحفظها حباً فيها حيث تثبت في الذاكرة، كذلك القصص وترجماته وأبرزها {آلام سارتر}، والتي عندما كان يقرأها جيلي كان يبكي لما انتهت عليه حال الوطن وهي نثر. يوجد شعر أو نثر، ومن يكتب الشعر لا يكتب النثر. من يقول على النثر شعراً يخدع نفسه قبل أن يخدع الآخرين. الشعر الحر مات، لا أحد يذكر من كان يكتبه، فقد اختفى معظمهم من الساحة وبعضهم ظل محتفظاً بمكانته لأسباب لا علاقة لها بقوة الإبداع وإنما بالشللية وتبادل المصالح. كان بوزارة الثقافة اتجاه غربي لقتل القصيدة العربية، لذا شجعت من كتب كلاماً غير عربي أو لا يتبع التراث العربي. لا توجد ثقافة راهناً، أليس غريباً أن تنشر الوزارة عشرات الكتب لآخرين في الفترة الماضية بينما لا تنشر كتاباً واحداً للعقاد .

هل ترى أننا بحاجة إلى ثورة أدبية كي تقدم لنا حركة ثقافية جديدة؟

نعم، ولكن المشكلة أن الثورات تستغرق زمناً أيضاً كي تخلق ثورة أدبية. نضع القواعد الآن ولكن الناتج بعد ربع قرن، ولكن علينا أن نبدأ من الآن بالتعليم والبحث عن المواهب في الريف.

لكن ما أولويات النقد في الفترة الراهنة؟

أرى ضرورة أن تجتمع مجموعة جادة ممن يؤلمهم ضياع مكانة مصر الأدبية، ليفكروا لماذا تدهورت؟ كذبنا على أنفسنا وسيرنا في طريق غير حقيقي، وغيرنا كان جاداً لنكتشف في نهاية الطريق أن غيرنا سبقنا. ذهب المستشرق الفرنسي جاك بيرك إلى العراق منذ 30 عاماً ليرى الشعراء وقرأ الروايات فقال: ذهب العراق بالشعر وذهبت مصر بالرواية. ولا يزال هذا الكلام صادقاً حتى الآن، ولكني أضيف إليه الآن أن الجيل الجديد من الروائيين في تونس والجزائر والمغرب هو الذي يكتب الرواية والقصة الجديدة، لديهم لغتهم الفرنسية فإذا جمعوا إليها المعرفة الغربية حيث الانفتاح على الرواية الأوروبية وقراءتها في لغتها، لذا استفادوا من التقنيات الحديثة للقصة والرواية، وأتساءل هل يوجد لدينا روائيون وكتاب مثل نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس يقرأون روايات بلغات أجنبية فيستفيدون من تقنيتها؟ أشك في ذلك... الكتابة الآن {طق حنك}... وعندما نعترض يقُال إننا نُصادر حرية الكتابة. بالطبع، المبدع حر في ما يقول ولكن المتلقي حر في تذوق ما يشاء.

ترجمت عن الفرنسية والإسبانية، فكيف ترى حركة الترجمة في مصر؟

الترجمة صعبة جداً، لها قواعد وضعها المصريون. إذا رجعنا إلى الكتب التي ترجمتها لجنة التأليف والنشر والترجمة في الثلاثينيات والأربعينيات سنجدها رائعة من جهة الترجمة والمترجم نفسه. في الترجمات الأخيرة تسير بمنطق {أوكازيون وصاحبه غائب} يريدون عددا فقط، نجد كتبا تمت ترجمتها مرتين في المجلس الأعلى للثقافة وهيئة الكتاب فقط كي يتقاضى المؤلف أجراً عنها، بالإضافة إلى أن بعض الكتب المترجمة سيئ ومليء بالأخطاء.

كيف تجلى أثر الثقافة الإسبانية عليك وقد حصلت على شهادة دكتوراه من إسبانيا؟

هي نقلتني إلى العالم الحديث، أنا رجل من صعيد مصر، تخرجت في دار العلوم، وثقافتي تقليدية، ولكني ذهبت إلى إسبانيا مفتوح القلب والعقل وكنت مستعداً لتقبل كل شيء، وقد عرفت أننا نكذب على أنفسنا وعشت في إسبانيا سبع سنوات متتالية ولم يحدث يوماً ما عكر مزاجي، لما لا وقد حدث تفاهم ما دام الإنسان يسير في حدود القانون. ومن ناحية الثقافة، ورغم أنني عشت في فترة فرانكو وهي فترة فاشية وكانت ثمة رقابة كبيرة على الكتب ولم يكن يتوافر الإنترنت أنذاك، فلم يكن ثمة حجب أو منع للثقافة الأجنبية، كذلك شهدت ازدهارا للمسرح والروايات والمكتبات ومعارض الكتب.

ما رؤيتك للمشهد النقدي، لا سيما مع تعدد اتهامه بعدم مواكبته الحركة الإبداعية؟

النقد الحقيقي يحتاج إلى إبداع حقيقي. نفتقد إلى وجود إبداع أدبي، حيث دعاوى فارغة ليس وراءها شيئاً حقيقياً، وطالما خلت الساحة من الإبداع الحقيقي فلا نتوقع منها نقداً حقيقياً، ليس لدينا ما يستحق النقد ولكنه مجاملات.
http://aljaridaonline.com/news