الخميس، 4 أبريل 2013

عميد دراسات الأدب الأندلسي د. الطاهر مكي: خصوم الثورة أغنياء.

المصدر: الأهرام اليومى
بقلم: محمود القيعي.

إذا كان لكل إنسان نصيب من اسمه، فالدكتور الطاهر أحمد مكي له من اسمه أوفى نصيب. يعرف ذلك كل من عرفه أو اقترب منه أو حاوره. 
له كلمة أثيرة تجرى على لسانه دائما وهي يا ولدي يقولها بلسانه بصدق، فتستقر في أعماق قلبك بسهولة. 
د. الطاهر مكي (مواليد 1924) مثقف وأستاذ أكاديمي ومترجم وناقد وأديب، وله شغف بالسياسة عاش سنوات في اسبانيا ادرك خلالها أهم السمات التي تميز نظرة الأسبان للواقع وابرزها قضية حسين سالم. ناقشناه في النقد، وحاورناه في الترجمة، واستمعنا إليه في السياسة، وأفاض في الحديث عن وزارة الثقافة، فهو يري انها في عهد النظام السابق حادت عن دورها وتحولت إلى شباك لصرف الرشاوي، صابا جام غضبه على المثقفين الذين يأكلون على كل الموائد، ويرقصون على كل الأنغام، وإلى تفاصيل الحوار الذي لا يخلو من إثارة. 
- ما بين فخار الماضي وآلام الذكرى. كيف ترى الأندلس الآن؟
أراها مثالا رائعا مجسما، يجب على العرب أن يتذكروه، وأن يدرسوا كيف كنا، وكيف انتهينا؟كانت الأندلس في عصرها قمة الحضارة، قمة القوة، وكان الأسطول الأندلسي هو المسيطر على غربي البحر الأبيض المتوسط، وكان عبدالرحمن الناصر مرعبا لكل القوى الأوروبية، وكانت قرطبة العاصمة يضرب بها المثل، ويدللون على ذلك بأن هناك قصيدة لراهبة ألمانية في دير منعزل تتخذ من قرطبة في جمالها وروعتها مثلا يحتذى. 
هذه الحضارة كلها اندثرت، لم يبق منها شيء، علينا أن نكون علميين، وأن يعرف كل منا لماذا بلغت هذه الحضارة قمة الروعة؟ ولماذا انهارت واندثرت، ولم يبق منها شيء؟ علميا، إذا تكررت الأسباب، تؤدي إلى النتائج نفسها، علينا أن ندرس أسباب التقدم، لنعيده، وندرس أسباب الانحدار لنتجاوزه، وبغير ذلك، سيظل الإنسان متخوفا من المستقبل. ومأساة الاندلس درس بليغ لمن أراد أن يعتبر. 
- وما أبرز الدروس المستفادة - سياسيا وثقافيا - من مأساة الأندلس؟
أبرز الدروس المستفادة والتي نحاول دائما أن نبرزها في دراساتنا، وفي تذكيرنا للناس، هو أن الاستعانة بالأجنبي لا فائدة منها، ولا طائل من ورائها. 
الأمم ليست جمعيات خيرية، الأمم كلها صاحبة مصالح. 
الذي حدث في الأندلس أن الخلفة والشقاق غير العقلاني أضعف الدولة، وأقول غير العقلاني لأن من طبيعة العقل البشري أن يرى الأشياء من أكثر من زاوية، وأن يبحث عن المخرج الأفضل، وأن يتلاقى عند مصلحة المجموع، لكن الذي حدث في الأندلس أن كل دويلة، وكل فرد، وكل جماعة سياسية كانت تبحث عن مصلحتها الذاتية، فإذا عجزت عن تحقيقها، استعانت بالعدو، وهكذا انتهى الحال بالأندلس، حيث ظل العدو يضرب الدويلات الإسلامية بعضها ببعض، فأتي عليها جميعا، وانتهى منها. 
- أنستطيع أن نقول: ما أشبه الليلة بالبارحة؟
للأسف نفس الظاهرة تتكرر الآن، نحن نستعين على بعضنا البعض بأعدائنا وبخصومنا، ونلجأ إليهم، ونتصور أن الحل عندهم، ويظهرون لنا أنهم معنا، ولكن ذلك كله وهم، ومن هنا، فعلينا أن نتعامل مع غيرنا معاملة الند للند، وألا نتركه يتدخل في شئوننا، وما لم تتم الوحدة والتعاون، سوف ينطبق علينا المثل العربي القديم إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
هناك أيضا أشياء كثيرة كان ظاهرها القانون والدستور والديمقراطية، ولكن باطنها كان أشياء أخرى، سببت فسادا وإفسادا للبلد، وأدخلتها في متاهات لا تنتهي أربكت الدولة. 
مصر ليست ملكا للإخوان، مصر للمصريين، ولكن الإخوان نجحوا في كسب ثقة الناس، فلنعطهم الفرصة، لأننا عندما نختلف، يكون الطريق هو صندوق الانتخابات، لا نملك إلا هذا. 
التونسيون سبقونا في احترام نتائج الصندوق، وأذكر أن زعيمة الحزب الشيوعي هناك عندما فاز حزب النهضة، قبلت وقالت إنها تحني رأسها للصندوق وللشعب التونسي. 
ودعني أتساءل: ما هذا التطاول على رئيس الدولة بالحق والباطل؟
- مبارك سحقنا سحقا ولم يستطع إنسان أن يقول له انت فرعون 
وما نراه الآن ليس من الأدب السياسي في شيء على الإطلاق، وأنا لست إخوانيا، ولا أحب مرسي، ولكنه رئيس الجمهورية، ليس معنى ذلك ألا أعارضه وأقدسه، ولكن المطلوب أن نعارضه وننقده ولكن بأدب الحوار. 
ولننظر إلى واقعنا قبل 50 سنة، وسنجد أنه لم يكن لدينا واقع سيئ كما هو الآن. 
الآن هم يزرعون لنا حربا عربية عربية في كل شبر من الأرض العربية، ويستعدون لإشعال هذه الفتن، ويتظاهرون بأنهم مع العدل والحق والحرية، وهم ليسوا على شيء من ذلك إطلاقا. 
عشت في إسبانيا سنوات عديدة، وتعرفت على المجتمع الاسباني عن قرب، كيف تقرأ قضية حسين سالم وكيف يمكن التعامل مع قضية الأموال المنهوبة؟
علينا أن نرى الأمور من وجهة النظر القانونية، أولا هذه البلاد في أعماقها ليست معنا، وتتظاهر بأنها دولة قانون، وهم يعرفون من أسرارنا ومن السرقات التي تمت في بلادنا أكثر مما نعرف، وعندهم من الوثائق ما لو استخدموها، لأعطتهم الحق في القبض على هؤلاء، ولكن ببساطة شديدة هم يستفيدون من هذه الأموال، فلماذا يغلقون بابا يأتي لهم بالخير؟ ولذلك يجب أن نكون منطقيين وواقعيين، وأن نتعامل مع هؤلاء الناس بالوثيقة وبهدوء، وهم لن يعطونا شيئا بسهولة، لأن مآل هذه الأمول ستكون للبلاد التي هي فيها، هو لن يأخذها، ولن ييسروا له الخروج بها، ولو أحسوا أنه سوف ينزح بها إلى بلد آخر، ساعتها هم الذين سيتصدون له، لكن هم يرهبونه، ويتلقون طلباتنا، ويقولون نحن نفحصها، وذلك ليس تطمينا لنا، ولا خدمة لنا، وإنما إرهابا لهؤلاء لكي يستكينوا ويتركوا الأموال لهم. 
- نعرف أن هناك الآلاف من الكلمات العربية دخلت إلى اللغة الإسبانية، فأي المجالات كانت الكلمات العربية أكثر حضورا؟
كل الألفاظ المتصلة بالحضارة دخلت إلى الإسبانية، القاضي، القائد، الدليل، المحافظ، صاحب الشرطة. إلخ. 
لكن الكلمة الوحيدة التي دخلت الاسبانية واستدعت اهتمامي هي كلمة هدية حيث كانت الهدايا شائعة في العصور الوسطى في الأندلس بين حكام الدول وسفرائهم ووزرائهم، وليس الأفراد. وانتقلت الكلمة إلى اللغة الإسبانية، ولكن مع تعديل بسيط في ذلك الوقت، حيث كان حرف الهاء يكتب فاء، فكانت تنطق فدية وفي إحدى المرت رجعت إلى المعجم، لأراجع ما معنى كلمة فدية فوجدت في المعجم أنها كلمة من أصل عربي، ومعناها سبورنو أي رشوة. إذن هناك ألفاظ كثيرة جدا تمثل حضارة، وألفاظ تمثل لونا من العلاقات الاجتماعية، وهي أكثر مما نتصور. 
- بمناسبة الحديث عن الفساد والرشاوى، كيف ترى بيت أبي الطيب عن مصر: نامت نواطير مصر عن ثعالبها. فقد بشمن وما تفنى العناقيد؟
المتنبي كان شاعر الحكمة، والشعر ليس فقط خيالا، ولكنه يصور الواقع الذي حوله، والمتنبي عندما جاء مصر، لم تكن مصر في القمة، وإنما كان يحكمها عبدخصي كافور الاخشيدي والمتنبي في هذا البيت الخالد كان يعبر عن الواقع، وهو يمثل حالنا أيام النظام البائد تمام التمثيل. 
- المثقف والسلطة. علاقة شرعية أم محرمة؟
المثقف لا يكون مثقفا حقيقيا إلا إذا كان في مواجهة السلطة، المثقف الذي يكون مع السلطة هو تاجر كلام، مهنته أن يبيع للشعب كلاما جميلا، لأن الثقافة موقف، وموقف المثقف ليس مع السلطة، وإنما في مواجهتها، وأن يكون رقيبا عليها، ليدافع عن حقوق شعبه بحكم ما أعطاه الله له من معرفة وقدرة على البيان، فإذا لم يستطع أن يقوم بهذه الوظيفة، فعليه أن يتنحى، ويترك المجال لغيره. 
أما هؤلاء الذين يأكلون على كل الموائد، ويرقصون على كل الأنغام، ويرتدون كل الأزياء، فهم ليسوا من الثقافة في شيء، وأعتقد أن أمرهم انكشف الآن، وبرغم ظهورهم على القنوات الفضائية المشبوهة، فإنهم لم يعد لهم قيمة. 
- يرى البعض أن وجود وزارتين للثقافة والإعلام علامة من علامات النظام التسلطي؟
أتفق، وقد طالبت بذلك طوال حياتي، لا أعرف دولة متحضرة فيها وزارة للإعلام، أو للثقافة. 
- ولكن فرنسا بها وزارة ثقافة؟
ديجول كان مغرما بالكاتب الكبير اندريه مالو وعينه وزير دولة للثقافة، بلا إدارة، بلا مسئوليات، وبلا سلطة تنفيذية، وكانت مهامه توجيه رئيس الجمهورية لفهم كيف تكون الثقافة. 
ولكن زارة الثقافة عندنا تحولت علي مدى العقود السابقة إلى وزارة شباك لصرف الرشاوى وليس أكثر من هذا، ووزعت الوزارة من الرشاوى الشيء الكثير. فعندما جاءت ثورة يوليو، واكتشفت ما يسمى بالمصاريف السرية في وزارة الداخلية، أسكتت الأنفس. 
- أعتقد لو أن الوزارة الآن تتبعت الأموال التي صرفت عن طريق المثقفين وللمثقفين، وإذا ما كانوا يستحقونها أم لا؟ فستجد عجبا، وستضع كل إنسان في مكانه. 
والثقافة في عهد وزارة الثقافة انحدرت عندنا انحدارا كبيرا، وأذكر أن الهدف من إنشاء وزارة للثقافة كان القصد منها السيطرة على حركة طبع الكتب ونشرها وأرزاق الأدباء، إذا كنت مع الدولة، تنشر لك، وأبواب الرزق مفتحة، لست مع الدولة سوف تموت جوعا. 
- وما البديل لوزارة الثقافة؟
نسأل أنفسنا: لماذا ازدهرت الثقافة قبل وزارة الثقافة؟ لنبحث ماذا كان يقرأ التلاميذ في الثانوي في ذلك الوقت، وماذا يقرأون الآن؟ التلاميذ في الأربعينيات والخمسينيات كانوا يقرأون من التراث الحيوان للجاحظ، ملخص الأغاني للأصفهاني، ملخص الكامل للمبرد، كتاب المكافأة كاملا لابن الداية الآن التلاميذ لا يقرأون شيئا إطلاقا. ويقرر عليهم كتب مؤلفة تأليفا خصوصيا، كتبها بعض المؤلفين المهيمنين على وزارة التربية والتعليم. 
- وزارة الثقافة تصدر مجلات 13 مجلة لا يقرأها أحد!
كم ننفق على هذه المجلات؟! أحمد حسن الزيات كان يصدر الرسالة أسبوعيا بمفرده، ولم يكن معه سوى كاتب حسابات، وموظف لإرسال المجلة للمشتركين. الآن نرى مجلات وزارة الثقافة وبها رئيس مجلس الإدارة ونائب رئيس مجلس الإدارة، ورئيس التحرير، ونائب رئيس التحرير، ومدير التحرير ونائب مدير التحرير، والمدير الفني، ونائب المدير الفني، إلخ. وهي لا توزع ولا تقرأ وليس لها صدى على الإطلاق، وتكلفنا الكثير!.
أعتقد أن كل هذه الاشياء لم تكن بحاجة إلى وقت لكي توقف. 
كل الناس يعرفون أن مجلة القاهرة أصدرها وزير الثقافة لتدافع عنه، هل وزير الثقافة الآن بحاجة إلى جريدة لتدافع عنه؟! والثقافة لكي تبدع لابد أن تترك للمنافسة الشريفة فقط. 
- عملت بالترجمة وقتا طويلا، هل فقدت مصر ريادتها في الترجمة؟
مع الاسف الشديد، وأذكر أمرين شهدت مصر بلغت فيهما الروعة: تحقيق التراث، والترجمة. 
وأذكر ونحن طلبة في مدريد، ان طالبا من لبنان - رحمه الله اسمه منير ناجي، كان يعد رسالة عن ابن هانئ الأندلسي، وكتب الرسالة وأقرها الأستاذ، وهو غارسيا غومس، وسأله: على أي طبعة لديوان ابن هانئ اعتمدت؟ فذكر له طبعة تصدر في بيروت، ومع أن الإسبان بينهم وبين لبنان صلة بحكم الكاثوليكية، لكن غومس قال له: أعوذ بالله بالعربي! وتساءل: هل هذه الدار يعتمد على طبعتها؟ وقال: عندما يطبع الكتاب محققا في القاهرة، فإن طبعة القاهرة هي التي تكون الأصل، قال: وهل حقق الديوان في القاهرة؟ قال: نعم، حققه (زاهد على) في دار المعارف، فقال له: ولكن هذا الكتاب غير موجود في إسبانيا، فقال له: لا تجمع إلى سوءة الجهل سوءة الكذب، هذا الكتاب موجود عندنا في المكتبة، ونادى سكرتيرته، وطلب منها إحضار الكتاب، فأحضرته. 
مدرسة تحقيق التراث عندنا ماتت، كان آخر العظماء فيها المرحوم محمود الطناحي. 
فيما يتصل بالترجمة أذكر انني كنت في طنجة، وكانت ميناء دوليا، وكانت بها مكتبة كبيرة تبيع الكتب العربية، وجاء رجل وسأل عن كتاب مترجم، فأعطى له كتابين فقال له: أنا أريد الترجمة المصرية، ورفض أن يأخذ الترجمة الأخرى. 
كان التراجمة المصريون هم أعظم التراجمة د. محمد عوض مثلا، عندما نقرأ ترجمته لكتاب النقد الادبي، فكأننا نقرأ كتابا باللغة العربية. 
الآن ليس عندنا مترجمون، إذا كان المترجم يعرف اللغة الأجنبية، لا يعرف العربية. 
- وكيف تقيم أداء المركز القومي للترجمة الآن؟
المركز القومي للترجمة كان أكذوبة كبرى، وكل ما قيل فيه كذب في كذب، بعض الكتب توجد لدى قديمة، يوجد كتاب عن الحوار بين الأديان، كتب سنة 1880، كيف نترجم كتابا كتب منذ ذلك الزمن السحيق؟ لا يعرض للكتب العربية التي تناولت ذلك الموضوع، لأن دار الكتب لدينا أنشئت سنة 1872، فلم تتكون فكرة للمؤلف عن الكتب العربية. أيضا هم يزعمون انهم يترجمون من اللغة الأولى، وكان هذا كذبا صريحا، وكان هذا طريقا للرشاوى الكبيرة، لدرجة أن هناك كتابا ترجمه مترجم جيد أظنه د. نعيم عطية، فأعطيت له مكافأة عشرة آلاف جنيه، ولكن المراجع أخذ خمسين ألفا!.
وتوجد كتب ترجمتها هيئة الكتاب في نفس السنة، لأنه كان مخططا إعطاء هذا عشرة آلاف - وذاك عشرين، وذاك ثلاثين. 
لذلك كان مشروع الترجمة الأول أعظم منه وأروع، واكثر إشاعة للثقافة. 
- هل أعمانا الافتتان بدريدا وبارت وفوكو وغيرهم عن عظمائنا ابن جني، الجرجاني والقرطاجني وابن سلام وغيرهم؟
يقول الشاعر القديم: يقضى على الإنسان في أيام محنته. أن يرى حسنا ما ليس بالحسن
انتشرت حملة استمرت خمسين سنة، تصف كل من يقوم على القديم بأنه ظلامي، ومتخلف، بعض الناس لكي يبرهن على أنه ليس ظلاميا ولا متخلفا، ولا رجعيا، يلوك لسانه ببعض الاسماء الأجنبية، وهو لا يعرف شيئا، وملأوا لنا سوق النقد بمصطلحات الله أعلم بها، غير مفهومة، ولا أحد يعرف من أين جاءوا بها؟ ولا أكتمك أنني حزنت عندما علمت أن قسم البلاغة في دار العلوم لا يدرس عبدالقاهر الجرجاني، لانه في زماننا كانت توجد محاضرة مخصصة اسمها نصوص من عبدالقاهر الجرجاني 
- فعندما يتخرج الطالب من دار العلوم، ولا يعرف من هو عبدالقاهر الجرجاني، فقل على البلاغة والنقد الأدبي السلام، وعندما يتخرج طالب من دار العلوم ولا يحفظ روائع شعر شوقي، فماذا تنتظر منه؟
اما هذه الكتب المترجمة، فتعجب عندما تقرأها، لا تفهمها، لأن الذي ترجمها لايفهم النص الأجنبي، وهي قواعد انتزعت من نصوص اجنبية، كيف تطبقها على لغة عربية عريقة. 
نحن بحاجة إلى نقد أدبي عربي يستفيد إلى أبعد حد من مستحدثات العلم، بشرط أنه هو الذي يتوصل إليها ويضعها في خدمة اللغة، ولا يضع اللغة في خدمة هذه القواعد. 
- الجوائز الأدبية كيف تراها وأنت مرشح لجائزة كبرى الآن؟
هذه الجائزة انا مرشح لها منذ نحو 15 عاما، وتقريبا منذ أن أنشئت وأنا مرشح لها. 
- هل تبرئ الجوائز في مصر من الهوى؟
أعطيك مثالين: في سنة 1992 رشحت لجائزة الدولة التقديرية، ولم أحضر اجتماع القسم الذي رشحني، وتم ترشيحي من جامعة القاهرة، وأرسل الترشيح للمجلس الاعلى للثقافة، وحصلت على 31 صوتا من 39 صوتا، وحصل عاطف صدقي على 30 صوتا، وحصل فتحي سرور على 28 صوتا، وحصل على لطفي على 26 صوتا في الاقتراع الثالث، وخرج د. الأنصاري - رحمه الله - من الاجتماع قبل انتهائه واتصل بي مهنئا، ومع ذلك لم أحصل عليها. 
وكنت كل سنة أرشح للجائزة، لدرجة أن بهاء طاهر - مساه الله بالخير - وليس بيننا صلات - عندما حصل على الجائزة، قال أنا في الواقع كنت أرجوها إما للطاهر مكي أو لكمال بشر. 
وانا لا أهتم بالجوائز ولا أعطيها أى أهمية، لسبب بسيط أن الذين يحكمون عليك باستحقاقك الجائزة من عدمه هم أقل شأنا علميا. 
- كتابك السلطان يستفتي شعبه. أى معنى سياسي وثقافي يكمن وراءه؟
في الحقيقة أن القصة التي تحمل هذا العنوان - وهي قصة شعبية مغربية - كان مقصودا بها أن بعض الناس يصلون إلى رئاسة الدولة وهم خلو من أي فلسفة، ويتصنعون العلم والمعرفة، وهم ليسوا علماء، وليسوا على شيء من معرفة، ويتظاهرون بالديمقراطية وهم في أعماقهم مستبدون، والقصة الوحيدة ذات الطابع السياسي هي هذه القصة، أما باقي الكتاب فهو قصص شعبية. 
- الحرية في مجتمعنا العربي. أزمة حكم أم أزمة مجتمع؟
أزمة مجتمع، لأنها لو كانت أزمة حكم فقط، لطالب الإنسان بالحرية لنفسه ولغيره، ولوقف عند حدوده، لكن الناس الآن في وطننا، يطلبون الحرية لأنفسهم فقط، ويعنون بالديمقراطية أنفسهم، ويتحدثون باسم الجماعة، وليس لديهم جماعة، ويتحدثون باسم الأغلبية، وهم لا يمثلون إلا أنفسهم، إذن الحرية عندنا أزمة مجتمع. 
نحن على امتداد الأعوام الطويلة التي مرت، غاب في فلسفتنا، وفي دراساتنا المعنى الديمقراطي، وأخذنا العناوين فقط، ولسوء الحظ أن الذين كانوا يتداولونها كانوا في الحقيقة خواء من المعرفة، وفي الوقت نفسه كانوا غير جادين، وغير راغبين لا في الديمقراطية، ولا يفهمون الحرية بمعناها السياسي ومعناها الإيجابي الذي يوصل إلى خير الناس جميعا. 
- ونحن نحتفل بعامين على ثورة يناير كيف تقيم هذه الثورة؟
أولا هذه الثورة كانت لابد أن تأتي، وأجمل ما فيها، أنه رغم القبضة الخانقة، استطاع هؤلاء الشبان أن يعيدوا إلى مصر وجهها الأساسي المعروف القومي الوطني، ولكن مع الأسف الشديد أن ثقافة هؤلاء ثقافة نت لم يستطيعوا أن يتجمعوا عند قواعد متفق عليها، ومعروف ان خصوم الثورة كثر، وأغنياء، واخذوا ينفقون ببذخ لإفسادها، فترفقت بنا السبل، وأطعنا وقتا طويلا في اشياء لا تفيد، وهناك أشياء يقصد بها الشر والباطل، وألبست ثوب الحق، ونحن لا نستطيع التعرض لشئون القضاء، ولكنني أذكر مثلا عندما فصل مفيد شهاب نحو 700 استاذ من الجامعة بلغوا السبعين، وأرسلوا لنا خطابات تفيد رفع أسمائنا من كشوفات الجامعة، ولا صلة لكم بها، رفعنا قضية في المحكمة الدستورية، وطالبنا فيها بإلغاء هذا القانون بالنسبة لنا، لأن القانون القديم مطبق علينا، وخرجنا إلى المعاش منذ زمن، وكان معنا عمالقة الفقه الدستوري، فظلت هذه القضية متداولة 4 سنوات، وبعد هذه السنوات الأربع حكم لنا في هذه القضية البسيطة، أما ان تحل مجلس الشعب في جلسة واحدة، وبقرار نافذ!
هناك أيضا أشياء كثيرة كان ظاهرها القانون والدستور والديمقراطية، ولكن باطنها كان أشياء أخرى. 
لابد أن تنقى الثورة، وأن تعطى فرصة للذين نجحوا في الانتخابات أن يخرجوا ما عندهم، ولكنني في نفس الوقت أتوجه برجاء للدولة نفسها، بعض الوزراء كسالى، هناك قرارات لا تستحق أن تؤجل، فمثلا في الجامعات، هناك لجان تسمى لجان ترقيات الأساتذة، منذ مجيء الثورة، ونحن نريد تغييرها، ولا تزال كما هي، ولا يزال 4 أو 5 هم من يتحكم في الترقيات. 
بعض الأشياء في البلد تحتاج إلى حسم، لاسيما الأمور التي تتصل بمصالح الجمهور، ولابد من تذكير الناس بأننا في سفينة واحدة، إذا غرقت، غرقنا جميعا، وإذا نجت، نجونا كلنا. 
- أخيرا ما جديد د. الطاهر؟
من عادتي ألا أعمل في شيء واحد، الآن أنا بصدد نشر رسائل متبادلة ومعاهدات تجارية وسياسية بين مملكة في كتالونيا في إسبانيا، وبين المماليك هنا، وبينهم وبين الحكومة في تونس، والجزائر والمغرب. 
وأهمية هذه الرسائل أنها تلقى ضوءا على علاقاتنا مع إسبانيا، والإسبان أنفسهم نشروها بالإسبانية بالرغم أنها بالعربية، وتعتبر هذه الأشياء جزءا من التاريخ، وتعلمنا هذه الوثائق أن الاقتصاد يلعب الدور الأكبر في علاقات الدول. 
ولدي مخطوطة جيدة أوشكت على الانتهاء منها عن نظم الحرب في الإسلام كان قد وضعها رجل أندلسي في القرن الرابع عشر الميلادي، والعجيب ان الفرنسيين لكي يعرفوا كيف يحاربوننا، ترجموا هذه المخطوطة إلى الفرنسية. 
وانتهيت من كتاب عن صورة صلاح الدين الأيوبي في الأدب الأوروبي الوسيط واكتشفت أن الأوروبيين يحترمونه احتراما شديدا، لدرجة أنهم نصروه، زاعمين انه اعتنق المسيحية، ودفن لديهم، ويشتمل الكتاب على حكايات عن إنسانيته وبطولته في الأدب الإيطالي والفرنسي، والاسباني والانجليزي.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك