الخميس، 14 يوليو 2016

انتشار الاستعراب الإسباني ....أعمال الدكتور الطاهر مكي....فيرناندو دي أغريدا بوريو....ترجمة: د. محمد محمد عليوة.





انتشار الاستعراب الإسباني(*)
أعمال الدكتور الطاهر مكي

فيرناندو دي أغريدا بوريو
ترجمة: د. محمد محمد عليوة(*)

في الفترة الواقعة بين يومي الرابع والعشرين والسابع والعشرين من شهر فبراير لعام 1976، عقد الملتقى الأول للمتخصصين في الدراسات الأندلسية، بمقر المعهد الإسباني العربي للثقافة (سابقا)، الذي كان يديره في ذلك الوقت فرانثيسكو أوتراي ساردا.
وقد نشرت أبحاث الملتقى المذكور في العام التالي 1977، تحت إشراف صديقتنا العزيزة المستعربة الأستاذة الدكتورة كارمن رويث برابو، التي كانت تشغل منصب رئيس قسم الأبحاث في المعهد المذكور، في ذلك الحين.
كان من بين المشاركين في الملتقى، بنشاط وحيوية، من جانب المستعربين الإسبان، أعلامٌ بارزة مثل بدرو مارتينيث مونتابث، وأدولفو خل جريماو، وميكل دي إبلاثا، وسلفادور غومث نوجاليس، وشخصيات أخرى عديدة. ومن جانب المتخصصين في الدراسات الأندلسية من العرب كان ثمة تمثيل قوي لكل بلد من الأقطار العربية . ومَنْ ذا الذي لا يذكر الحفاوة الكبيرة التي استُقبل بها الدكتور عبد العزيز الأهواني في أعقاب إلقاء كلمته المهيبة في الملتقى؟ ولم يكن في ذرعنا، نحن الأحدث سنا والأكثر شبابا في ذلك الوقت، أن نكون بنجوى من الإعجاب الذي أيقظته فينا كلمات الدكتور الأهواني، على الرغم من عدم معرفتنا الدقيقة الوثيقة، في ذلك الوقت، بأعماله ودوره البارز في تشكيل تيار من المتخصصين في الدراسات الأندلسية بصفة عامة، وإنشاء المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد، على وجه الخصوص. لا جرم أنها كانت مبادرة طيبة، كما يقال عادة، ولكن النتائج المستخلصة من وقائع تلك الفعاليات لم تكن الفعاليات لم تكن قوية التأثير. ومع ذلك، بوسعنا أن نقول أن روح الاجتماع ظلت راسخة في ذاكرة أولئك الذين استمتعوا بحضور المؤتمر وإرهاف السمع إلى كلمات المشاركين المبرزين.
بفعل التوجهات السياسية تطرأ تغييرات على المؤسسات الرسمية ويتغير معها الأشخاص. ففي أكتوبر عام 1982، عُقد الملتقى الأول للأساتذة المتخصصين في اللغة والثقافة الإسبانيتين في الدول العربية. وقد ظهرت أبحاث هذا الملتقى مطبوعة في العام التالي. وفي عام 1990 نُشرت مجموعة من الأبحاث الأخرى الخاصة بما يمكن أن نعده استئنافا للمؤتمر الأول الذي عقد عام 1976 للمتخصصين في حقل الدراسات الأندلسية، قصدنا بذلك المؤتمر الذي خُصص للترجمة والنقد الأدبي في الفترة الواقعة بين يومي 24 و27 مايو عام 1988.
وقد تغير اسم المعهد الإسباني العربي للثقافة إلى "معهد التعاون مع العالم العربي"، لتنتقل تبعيته إلى الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي بموجب المرسوم الملكي الصادر في 23 ديسمبر 1988. وقد تمت الموافقة على النظام الأساسي للمعهد المذكور، وما ترتب على ذلك من إصلاحات في السادس عش من ديسمبر عام 2000.
وقد شهدت تلك الفعاليات التي عقدت في إطار برنامج "الأندلس 92" بمناسبة المئوية الخامسة لاكتشاف قارة أمريكا – مشاركة عدد من الشخصيات البارزة وكبار المتخصصين من المستعربين الإسبان والدارسين العرب . ويبرز من بين ممثلي الجانب المصري صديقي الدكتور محمود السيد علي، الذي شغل منصب مدير المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد، بموجب تزكية من جامعة الأزهر . ولا يغرب عن البال الدور الكبير الذي قام به المرحوم الدكتور حسين مؤنس، الذي شغل من قبل منصب مدير المعهد المصري، والذي يعد معلما بارزا من معالم العلاقات المصرية الإسبانية . ومن بين الشخصيات المصرية البارزة كذلك شخصية الدكتور محمود علي مكي، وهو من أكبر الشخصيات الثقافية المعروفة في مصر، وتربطنا به علاقات من المودة والإعجاب.
تنتمي شخصية الدكتور الطاهر أحمد مكي إلى الجيل الأول من أجيال المتخصصين في الدراسات الإسبانية الأندلسية من المصريين، كما جاء في البحث الذي ألقاه الدكتور محمود السيد علي، ضمن فعاليات ندوة "الترجمة والنقد الأدبي" والذي يشغل الصفحات من 137 حتى 145، تحت عنوان "الجيل الأخير من المصريين المتخصصين في الدراسات الإسبانية 1975-1985" إذ جاء في البحث المذكور أن "الجيل الأول من الرواد، من خلال تكوينه العلمي الأكاديمي، كان أكثر اهتماما بالدراسات الأندلسية، والدراسات المقارنة، في مجالات الأدب والفكر والتاريخ والفنون ؛ إذ قدم، ولا يزال يقدم لنا دراسات وأعمالا علمية رائعة".
من بين أعلام هذا الجيل، يذكر الدكتور محمود السيد شخصيات بارزة معروفة على نطاق واسع بيننا مثل الدكتور أحمد هيكل، والدكتور عبد العزيز سالم، والدكتور لطفي عبد البديع، والدكتور مختار العبادي، والدكتور عبد العزيز الأهواني، والدكتور محمود علي مكي، والدكتور الطاهر أحمد مكي نفسه.
الأسباب التي تأدت بي إلى اختيار أعمال الدكتور الطاهر أحمد مكي موضوعا للدراسة، ترتبط بالمقاصد التي نستهدفها من هذا العرض والتي تتمثل في التعاون الدقيق الوثيق بين الاستعراب الإسباني والمتخصصين المصريين في الدراسات الإسبانية. ففي عام 1955 نشرت في القاهرة الترجمة العربية التي قام بها الدكتور حسين مؤنس للدراسة الشهيرة التي أعدها أنخل جونثالث بالنثيا تحت عنوان "تاريخ الأدب العربي الإسباني"، وهو الكتاب الذي ظهرت طبعته الإسبانية الثانية عام 1945، ضمن سلسلة "لابور" ( رقم 164-165). وقد ذكر إميليو غرثية غومث في تقديمه للترجمة العربية : "يعد هذا العمل رمزا للاهتمام، وحتى العاطفة التي يشعر بها مشارقة اليوم، وبخاصة الجيل الجديد من العلماء المصريين، نحو الثقافة الأندلسية التي يتخذونها موضوعا للدراسة... ويعد المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد معلما من معالم التقارب بين الجانبين المصري والإسباني، إذ يضطلع بدور مثمر للغاية، ونحن نرجو له مستقبلا مزدهرا".
للدكتور الطاهر مكي أعمال علمية منشورة على نطاق واسع ما بين كتب ومقالات في مجلات أدبية. وقد تفضل هو بأريحية منه بأن يسر لي جانبا من المعلومات عن سيرته الذاتية، عبر مكالمة هاتفية جرت بيننا.
في السادس والعشرين من أبريل عام 1957 جاء الطاهر أحمد مكي لأول مرة إلى إسبانيا بموجب منحة دراسية قدمها له المعهد الذي كان يسمى آنذاك بالمعهد الإسباني العربي للثقافة. وقد روى لي ذكرياته عن تلك الأيام، وخص بالذكر منها بمودة خاصة، الدعم الذي قدمه له صديقه الصدوق بدرو مارتينيث مونتابث، الذي كان مديرا للمركز الثقافي الإسباني في القاهرة في ذلك الوقت.
كان الهدف من وراء زيارة الطاهر أحمد مكي لإسبانيا أن يعد رسالة للدكتوراه تحت إشراف إميليو غرثية غومث. غير أنه كان عليه أن يعدل مشروعه الذي كان يستهدفه من الزيارة ؛ ذلك أن إميليو غرثيه غومث وقع عليه الاختيار [ من قبل الحكومة الإسبانية ] ليصبح سفيرا لإسبانيا في كل من العراق والأردن وتكون كابول تابعة له.
في نهاية المطاف نوقشت رسالة الدكتوراة التي أعدها الطاهر مكي، تحت إشراف إلياس تيريس، في الثامن من يوليو عام 1961. وكان موضوعها "الفقه والفقهاء وتأثيرهم في الحياة الاجتماعية والسياسية في الأندلس حتى وفاة عبد الرحمن الناصر" . وقد حصل على تقدير "ممتاز".
وأما عن مقر إقامته في مدريد، فقد كان الدكتور الطاهر مكي يقيم في المقر السابق لبيت العلاقات الثقافية، الذي يمثل ذكريات جميلة لكثير من طلاب البعثات العلمية الذين حصلوا على منح دراسية من وزارة الخارجية الإسبانية، والذين أقاموا في ذلك المبنى الكائن في شارع لاجرانخا، على مقربة من المدرسة الدبلوماسية. انتهت المنحة الدراسية التي حصل عليها الدكتور الطاهر مكي في يناير 1962 ليعود بعدها إلى مصر.
في وقت لاحق أرسلت وزارة التعليم العالي المصرية الدكتور الطاهر مكي إلى جامعة اليسوعيين في مدينة بوغوتا، ليقدم سلسلة من المحاضرات حول الحضارة العربية . وقد أمضى هناك عامين، ليعود بعد ذلك إلى مصر، حيث عمل أستاذا للأدب الأندلسي في كلية دار العلوم – جامعة القاهرة. ولا يزال الدكتور الطاهر مكي يعمل أستاذا في جامعة القاهرة . وقد شغل منصب وكيل كلية دار العلوم لشئون الدراسات العليا والبحوث، إلى جانب عضويته بالمجلس الأعلى للثقافة بوزارة الثقافة المصرية . والدكتور الطاهر أحمد مكي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة. وقد حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1992.
في السابع والعشرين من مايو 1993، أقيمت في مدريد احتفالية كبرى تحت عنوان "تكريم المستعربين الإسبان والمتخصصين المصريين في حقل الدراسات الإسبانية" وقد اشترك في تنظيم هذه الاحتفالية عدد من المؤسسات العلمية والأكاديمية من الجانبين المصري والإسباني، من بينها المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد، وجامعة كمبلوتنسي في مدريد، ووزارة الثقافة الإسبانية، ومعهد التعاون مع العالم العربي . وقد كان من بين المشاركين في هذه الاحتفالية الدكتور الطاهر مكي، إذ ألقى بحثا تحت عنوان "بلاسكو إيبانييث في اللغة العربية".
ولا ننسى، كذلك، مشاركة الدكتور الطاهر مكي في المؤتمر الدولي الأول الذي عقد في كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر حول "الإسلام والثقافة الإسبانية"، في الفترة الواقعة بين يومي 4 و6 ديسمبر 1999 . وقد أسهم في تنظيم هذا المؤتمر، بالإضافة إلى كلية اللغات والترجمة، معهد ثيرفانتس بالقاهرة، والسفارة الإسبانية بالقاهرة، والهيئة المصرية العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق التابعة لوزارة الثقافة المصرية، والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي. وأما البحث الذي ألقاه الدكتور الطاهر مكي في المؤتمر، فقد جاء تحت عنوان "الإسلام في فكر أميركو كاسترو".
تناثرت مقالات الدكتور الطاهر مكي على متن عدد من المجلات الرئيسية داخل مصر وخارجها، فمن بين المجلات المصرية التي احتضنت مقالاته مجلة الهلال، والرسالة، والثقافة، والمجلة، إضافة إلى صحيفة الأهرام اليومية الشهيرة. ومن بين المجلات الأخرى التي كانت ميدانا لدراساته خارج مصر اللسان العربي، والبحث العلمي، وآفاق عربية، والدوحة، والفكر العربي .
كثيرة هي الكتب التي صنفها الدكتور الطاهر مكي، وقد صدر لعدد منها خمس طبعات، نذكر من بينها ترجماته للإنتاج العلمي للمستعربين الإسبان . ولابد أن نذكر في هذا الصدد دراساته التي خصصها لموضوعات أخرى مثل "ملحمة السيد" التي صدرت في القاهرة عام 1983، وبابلو نيرودا (القاهرة 1974)، والأدب المقارن (القاهرة 1987)، والقصة القصيرة (القاهرة 1988)، والشعر العربي المعاصر (1990) إلخ. وثمة ترجمات أخرى خاصة بالدراسات الأندلسية، مثل الدراسة التي أعدها المستعرب الكبير ليفي بروفنسال "الحضارة العربية في إسبانيا" . وقد تضمن هذا الكتاب، كما هو معروف، المحاضرات التي ألقاها ليفي بروفنسال في كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1938. وقد نشرها بالإسبانية إيسدرو دي لاس كاخيجاس . وأما الترجمة العربية التي قام بها الدكتور الطاهر مكي، فقد صدرت عام 1979، وصدرت منها طبعة ثانية بالقاهرة عام 1985.
من بين الترجمات الأخرى الشهيرة للدكتور الطاهر مكي ترجمة كتاب المستشرق الألماني ألدولف فريدريك فون شاك الذي جاء تحت عنوان "فن العرب وشعرهم في إسبانيا وصقلية". وقد نال هذا الكتاب قدرا هائلا من الشهرة والانتشار في الترجمة الإسبانية التي اضطلع بها خوان باليرا . وقد صدرت منها طبعة جديدة في إسبانيا عام 1988. أما ترجمة الدكتور الطاهر مكي فقد جاءت تحت عنوان "الفن العربي في إسبانيا وصقلية"، وقد تركزت على الجزء الثالث من الكتاب. (وبين يدي نسخة من ترجمة الدكتور مكي تحمل تاريخ 1980 بإهداء رقيق).
من بين مؤلفات الدكتور الطاهر مكي الخاصة بالاستعراب الإسباني:
1-                         دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة . القاهرة 1976، 1977‘ 1981.
2-                         مع شعراء الأندلس والمتنبي : سير ودراسات، إميليو غرثية غومث، القاهرة – مكتبة وهبة 1974، الطبعة الثانية 1978.
3-                         التربية الإسلامية في الأندلس: أصولها المشرقية وتأثيراتها الغربية، خوليان ريبيرا، القاهرة – دار المعارف 1980.
4-                         دراسات أندلسية في الأدب والتاريخ والفلسفة، القاهرة – دار المعارف 1980، 1983، 1987، 1990 . (يتضمن الكتاب ترجمات لكل من خوليان ريبيرا، وسوليداد خيبرت، وأنخل جونثالث بالنثيا، وميجيل آسين بلاثيوس).
5-                         الأدب الأندلسي من منظر إسباني، القاهرة، مكتبة الآداب 1990. (يتضمن الكتاب ترجمات ومقالات مختلفة لكل من خوليان ريبيرا، وأنخل جونثالث بالنثيا، وكلاوديو سانشيث البورنوث، وخوسيه أورتيغا إي غاسيت، وميجيل آسين بلاثيوس، وسوليداد خيبرت، ورامون منندث بيدال).

****



(*) العنوان الأصلي لهذه المقالة :
La difusión del arabismo español, La obra del profesor TAHER MAKKI, crónicas Azahar, Revista del Instituto Egipcio de Estudios Islámicos de Madrid, número 1, junio 2003.
(*) أستاذ البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن – كلية دارالعلوم – جامعة القاهرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك