الأحد، 19 مارس 2017

منهج الطاهر مكي في الدراسات المقارنة نظرا وتطبيقا....د. يمنى رجب إبراهيم


منهج الطاهر مكي
في الدراسات المقارنة نظرا وتطبيقا

د. يمنى رجب إبراهيم (*)

بدأ الأدب المقارن في الظهور في عالمنا العربي بمحاولات تمهيدية قام بها أمثال: فخري أبو السعود، ونجيب العقيقي، وغيرهما.
واتسمت هذه المحاولات بالاضطراب والخلط بين المفاهيم؛ حيث أقيمت الموازنة مقام المقارنة أحياناً. لكن هذه المحاولات كان لها فضل التمهيد والتعريف بفكرة الأدب المقارن في عالمنا العربي.
حتى كانت عودة: محمد غنيمي هلال من بعثته الدراسية في فرنسا عام1952، حيث أصدر كتابه: (الأدب المقارن) ط1- عام1952م. مؤصِّلاً للمدرسة الفرنسية في منهج المقارنة. ثم توالت دراساته وتطبيقاته حتى عُدَّ بذلك رائداً فعلياً للدراسات الأدبية المقارنة في عالمنا العربي.
ولم يقتصر دوره على ذلك فحسب، بل تعداه إلى موقع التأثير في الحركة التقارنية في مصر والعالم العربي بشكلٍ عميق. وسار على المنهج الفرنسي المقارن- الذي كان غنيمي هلال يؤسّس له- العديد من المقارنين العرب لفترة طويلة.
ثم ظهرت الحاجة إلى التطوير، وبخاصة مع ظهور مناهج أخرى تزاحم المنهج الفرنسي في المقارنة وتثبت كفاءتها. وبدأت مرحلة جديدة مع الطاهر أحمد مكي الذي عاد من بعثته الدراسية في إسبانيا بعد أن اطَّلع على العديد من المناهج المتصلة بالمنهج الفرنسي والمختلفة عنه، فأصدر كتابه الضخم (الأدب المقارن، أصوله وتطوره ومناهجه) عام 1987.
1- ومن المهم أن نرى أنه منذ تأليف كتاب غنيمي هلال في الأدب المقارن عام1952م كان تقدم الأدب المقارن في مصر بطيئا حتى ظهور كتاب (الأدب المقارن) للطاهر مكي عام1987 في طبعته الأولى أي بفارق خمسة وثلاثين عاماً. ومعنى ذلك ضرورة وجود تجديد قام به مؤلف الكتاب كما ذكر في مقدمته، حيث هدف إلى تغيير مسار الأدب نحو وجهات جديدة تمثلت في توسيع النظرة المقارنة وعدم حصرها في المنهج الفرنسي، ولفت الانتباه إلى المنهج الأمريكي المنفتح، بل وإلى المناهج الأخرى في الأدب المقارن. فكان بذلك رائداً للجيل الثاني في الأدب المقارن في العالم العربي.
2-  كما لفت الانتباه إلى تأثير الأدب العربي بعامة، والأندلسي بخاصة في الأدب الأوربي عن طريق الوسيط الحيوي: الأندلس(إسبانيا)التي قضى فيها الطاهر مكي تسع سنوات يتغذى بالصلات القوية بين الأدبين:العربي،والأوروبي حيث تعددت جوانب التأثير ليس فقط في الكتب والمؤلفات، بل في المعمار،والفلسفة،والسياسة، والنحت، وأوجه الفن جميعها.
أ‌.وتعدّ جِدَّة الموضوع إحدى صعوباته؛ حيث لم يُكتب فيه من قبل إلا القليل، بينما كثر الحديث عن محمد غنيمي هلال وتنوَّع بين كتب، ومقالات، ومؤلفات عديدة ترصد اتجاهه التقارنيّ باعتباره مؤسساً للجيل الأول للأدب المقارن في مصر والعالم العربي. لذا كان لزاماً عليَّ أن:
أجمع مؤلفات الطاهر مكي المقارنة وترجماته، وما كُتِبَ عنه، وأقوم
بقراءتها وتحليلها. وأقوم بالعديد من اللقاءات التسجيلية معه للوقوف على
مسيرته في مجال المقارنة.   
ب‌.  يتميز أسلوب الطاهر مكي في التأليف بالتدفق الغزير. فهو يذكر المعلومات في إسهاب واضح لكثرتها وعمقها. لكن مع ندرة توثيقه للمصادر والمراجع في الهامش. وكان ذلك من صعوبات البحث؛ حيث يتعذّر الرجوع إلى أصل المعلومة إلا عن طريق الرجوع إلا سيادته.
ج‌-  قلة المصادر والمراجع المترجمة عن الأدب الإسباني في المكتبات العربية، كذلك قلة المصادر والمراجع المختصة بمسألة التأثير العربي الأندلسي في الأدب الإسباني والغربي بشكلٍ عام. الأمر الذي يتطلب الكثير من البحث، واللجوء إلى مصادر بلغاتٍ أخرى مثل الإنجليزية والأمريكية. وقد أفادني أستاذي الفاضل: الأستاذ الدكتور: يوسف نوفل بمعرفة كثير من المصادر والمراجع المهمة وأمدني ببعضها ،وأرشدني الى مظان وجودها.
ومن الدراسات السابقة: التي تناولت الجانب التقارني عند الطاهر مكي:
1- (ثلاثة كتب في الأدب المقارن) للدكتور: شعبان عبدالجيد- المنوفية 2003 الذي يعرض فيه عرضاً مختصراً لثلاثةٍ من كتب الدكتور الطاهر مكي هي: الأدب المقارن، وفي الأدب المقارن، مقدمة في الأدب الإسلامي المقارن.
- والدراسة الثانية كانت:
2- (بين الطاهر مكي وثرفانتس) للدكتور محمد المسلماني، الزقازيق، 2008. وهي دراسة موسَّعة لمقال الدكتورالطاهر مكي: (أصداء عربية في قصة إسبانية) عن ثربانتس.
وقد اعتمدتُ في دراستي المنهج الوصفي التحليلي. وذلك بعد الاستقراء الشامل لمؤلفات الدكتور الطاهر أحمد مكي المقارنة، وترجماته المتعددة لاستنباط رؤيته الأصيلة في الأدب المقارن في الجانبين: النظري والتطبيقي مع القيام بحصر بيبليوجرافي لأعماله.
وفي ضوء ما سبق جعلتُ البحث مكوناً من: مقدمة، وتمهيد، وبابين، وخاتمة. وتفصيل ذلك كالآتي:
تمهيد:
تناولتُ فيه واقع الأدب المقارن في العالم العربي بداية من المحاولات التمهيدية حتى البداية المنهجية مع غنيمي هلال. ثم تناولتُ بالبحث: المقارِن: الأستاذ الدكتور الطاهر أحمد مكي: ثقافته، اتجاهه إلى دراسة الأدب المقارن.
الباب الأول:
 التنظير لقضايا الأدب المقارن عند الطاهر مكي.
وهو مُكوَّن من فصلين:
الفصل الأول: مفهوم الأدب المقارن:
وفيه بحثتُ مفهوم مصطلح الأدب المقارن حسب منهج المدرسة الفرنسية في المقارنة، وكيف تطور هذا المفهوم إلى شكلٍ آخر هو الأدب العام بالمفهوم الأمريكي الحديث الذي يعدّ أكثر انفتاحاً من المفهوم القديم. كما تناولتُ وجهة نظر الطاهر مكي ومحاولته التوفيق بين المفهومين بشكلٍ يلائم الدراسة الأدبية المقارنة الحديثة. كما تناولت مجالات البحث في الأدب المقارن؛ حيث تتّم دراسة أحد موضوعين: موضوع الانتقال أو كيفية الانتقال. كما تناولتُ عوامل الانتقال مثل: الكتب والمطبوعات،و الكتاب والمؤلفين.... ودراسة التأثير وطرائقه، والمصادر، والرحلة والرحالة وغيرها.
كما تناولتُ عدة الباحث المقارن وعناصر تكوينه الثقافي.
الفصل الثاني: قضايا الأدب المقارن:
وقد بحثتُ فيه بعض القضايا المهمة في ميدان الأدب المقارن مثل: الموضوعات والمواقف، حيث تَعدُّد أشكال كلٍ منهما وضرورة التزام منهج تقارني خاص في دراستهما. كذا تناولت دراسة النماذج البشرية دراسة مقارنة بمختلف أنواعها وموقف الطاهر مكي من تلك الدراسة. كما تناولتُ الأنواع الأدبية وتقسيم الطاهر مكي لها إلى شعر، ونثر، وخطابة. ودرست كيفية رسمه منهج دراستها تقارنياً. كما تناولتُ دراسة التأثيرات المتبادلة بين الفنون من وجهة نظر الأدب المقارن. ومن قضايا الأدب المقارن المهمة الأدب العام، والأدب العالمي. حيث يعدّ الأدب العام- من وجهة نظر الطاهر مكي- مكمّلاً لدراسة الأدب المقارن، وممهِّداً لدراسة الأدب العالمي.
الباب الثاني: التطبيق عند الطاهر مكي:
وهو مقسَّم إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول: الشعر:
حيث تناولتُ فيه دراسة الطاهر مكي التطبيقية المقارنة لموضوعات شعرية عديدة هي : ملحمة السِّيْد،و شعراء التروبادور،و الموت بين نازك الملائكة ولوركا.
الفصل الثاني: النثر:
وبحثتُ فيه تطبيق الطاهر مكي المنهج التقارني في بحثه عدة موضوعات نثرية هي: كتاب طوق الحمامة لابن حزم وتأثيراته، وكتاب تربية العلماء لـ بدرو ألفونسو،و قصة ربح الأصدقاء لثربانتس، وتأثرها بقصة عربية، وكتاب قصص الحمراء لـ واشنطن إرفنج.
الفصل الثالث: الطاهر مكي، والترجمة، والمجال التقارني:
وتناولتُ فيه بداية أن الترجمة تعد فرعاً حديثاً من فروع الأدب المقارن، ومنهج المقارِن في دراسته للترجمة دراسة تقارنية، وجهود الترجمة في العالم العربي في مجال الشعر والنثر;لما لها من صلات قوية بعالم المقارنة. كما تناولتُ علاقة الطاهر مكي بالترجمة، وجهوده الغزيرة فيها، وأسلوبه المتميز بوصفه مترجماً أدبياً.
وقد رجعْت إلى مراجع عديدة في هذا المجال، أترك الإشارة التفصيلية لها في حديثي في التمهيد تجنباً للتكرار.
ولا يسعني – بعد ذلك- سوى أن أتقَّدم بخالص الثناء إلى أستاذي الفاضل: الأستاذ الدكتور: (يوسف حسن نوفل)الذي سعدتُ بإشرافه على هذا البحث. فكان كريماً في عطائه العلمي الغزير، رحب الصدر دائماً. نفع الله بعلمه، وجزاه عني خير الجزاء
كما أشكرُ القائمين على أمر: مكتبات كلية البنات، وكلية الآداب، وكلية الألسن بجامعة عين شمس على معاونتهم لي.
كذا: دار الكتب،والمكتبة المركزية بجامعة القاهرة،ومكتبة المجلس الأعلى للثقافة.
وقد قيل قديماً: "لا ينبغي أن يخلو تصنيف من أحد المعاني الثمانية التي تصنف لها العلماء وهي: اختراع معدوم، أو جمع مفترق، أو تكميل ناقص، أو تفصيل مجمل، أو تهذيب مطول، أو ترتيب مخلَّط، أو تعيين مبهم أو تبيين خطأ".([1])
وقد بذلتُ ما في وسعي من جهد حتى يخرج هذا العمل بهذه الصورة، فالله أسأل أن يكون قد حاز التوفيق باستيفاء بعض هذه المعاني، وأن ينفع به ويتقبله. والله من وراء القصد.
****

الهوامش:


(*) أستاذ مساعد في الأدب المقارن - كلية البنات جامعة عين شمس.



([1]) قواعد التحديث: محمد جمال الدين: تحقيق: محمد بهجة. دار إحياء الكتب العربية. د.ت:38. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك