الأحد، 30 أكتوبر 2016

الاتجاه التكاملي في فكر الدكتور الطاهر مكّي.........د. يوسف نوفل





الاتجاه التكاملي في فكر الدكتور الطاهر مكّي

د. يوسف نوفل(*)

لا ينفصل عطاء الدكتور الطاهر مكّي عن عوامل تكوينه، ومناخ نشأته وميلاد مواهبه، وروافد تغذيته وتثقيفه، وهو ما يمكن الوقوف على تفاصيله، بسهولة ويسر، لمنْ يلمّ بتفاصيل سيرته، وخطوات مسيرته، وتقلّب وجهه في آفاق المعرفة والعلوم، والتجارب، والمواقف، وحلّـه وترحاله، وبعثاته وأسفاره، ولغته المحلية، بين ما اكتسب من لغات، وأطلّ من نوافذ، ونظر من كوى، وارتقى من منارات.
تفاعل ذلك كله تفاعلا خلاّقا، في تدرّج منطقي، ينضج على مهل ماضيا من حلقة صغرى، إلى أخرى كبرى، إلى ثالثة أكبر، بدءا من أضيق دائرة معرفية إلى أوسعها وأرحبها، متدرجا، وناهلا من أصالة الصعيد إلى تنوع القاهرة في مرحلة من أزهى مراحلها الحضارية والثقافية، بأعلامها، وأنشطتها، وهو يسعى بين نواديها، ومنتدياتها، ومحافلها، ومؤسساتها وكياناتها، ومهرجاناتها وحفلاتها، ملتقيا بالأعلام والعلامات، والقامات والهامات، ممن يضيق المقام عن حصرهم وحصر عطائهم، ممّا هو مسجّل في تاريخ الأدب والثقافة في مصر قبيل منتصف القرن الماضي، وبعده، ثم ليكمل مسيرة عطائه في مرحلة لاحقة. لا متلقيا، وآخذا وتأهلا، كما كان شأنه في مرحلة التكوّن والتكوين. بل معْطيا، ورائدا، ومسْهما، ومعلـّما في مجالات تعددتْ بقدر تعدد غذاء روحه العلمي والأدبي، وتنوعت بقدر تنوع الروافد والمنابع، وتكاثرتْ وتعاظمتْ حسب تعاظم دور المؤثرين فيه من الأجيال السابقة له، وحسب تفاعل دور المتلقين عنه من تلامذته وأتباعه ومريديه، والمعجبين ـ بل المفتونين ـ به وبعلْمه وبثقافته وموسوعيته وغزارة مكنونه، وفوق ذلك كله دماثة إنسانيته، ورحابة صدره، وفائض علمه، وفيض حنانه، وإشراقات حبه الصوفي لأبنائه وروّاد ناديه، ممن تنوعت أعمارهم بين سني الشيخوخة والهرم، ومرحلة الكهولة، ووسطية العمر، وشباب العلم، وطلاب الجامعات، وهو بين تعدد الطبقات، والسمات، والانتماءات، والمعتقدات، والقامات، والأعمار، واحد في عواطفه ومواقفه والتفاتاته تجاههم جميعا، وكأنه الحاكم العادل الذي يساوي بين رعيته، وما هو هنا إلا الأب للجميع يساوي بينهم حبا وعطاء واهتماما برغم ما بين الجميع من تباين.
هذا التنوع الخلاّق في تكوينه ـ من ناحية ـ ، وفي علاقاته ـ من ناحية ثانية ـ وفي إبداعه وعطائه ـ من ناحية ثالثة ـ يجعلك تراه جامعا في جعبته بين التنوع، وضاربا بأسهمه، أيضا، بما في ذلك عضويته بمجمع اللغة العربية، في تنوع واضح فريد؛
إذْ تعددتْ وتنوعتْ مؤلفاته وترجماته تعددا وتنوعا يرسم الصورة التكاملية لعطائه العلمي والثقافي والحضاري في وجوهه المتنوعة بين:
دراسة الأعلام، سابرا الأفهام:
منتقلا بين: امرؤ القيس، حياته وشعره، ودراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة، وغيرهما.
ودراسة الأدب المقارن في عالميته وإنسانيته: تنظيرا وتطبيقا:
بين: ملحمة السيد، دراسة مقارنة لأقدم ملحمة إسبانية، مع ترجمة النص إلى العربية، والأدب المقارن: أصوله وتطوره ومناهجه، وفي الأدب المقارن: دراسات نظرية وتطبيقية، ومقدمة في الأدب الإسلامي المقارن.
والشعر العربي المعاصر: روائعه ومدخل لقراءته
ومصادر الأدب :
دراسة في مصادر الأدب.
والقصة:
القصة القصيرة، دراسات ومختارات
الأدبية: وغزارة الدراسات
بين كتاب ابن حزم، دراسات أندلسية في الأدب والتاريخ والفلسفة ، والأدب الأندلسي من منظور إسباني، ومقال دراسة عن الحرب الأهلية الإسبانية في موسوعة أحداث القرن العشرين، ومقال حينما كانت إسبانيا تتكلم العربي وتدين بالإسلام، مجلة الكتب وجهات نظر، والعالم الإسلامي في مطلع القرن التاسع عشر كما رآه الرحّالة الإسباني دومينجو باديا (علي بك العباسي).
والتأثير العربي، وهو ما يعزز منظور الأدب المقارن:
أصداء عربية وإسلامية في الفكر الأوربي الوسيط.
وتحقيق التراث العربي:
طوق الحمامة في الألفة والآلاف لابن حزم، والأخلاق والسير في مداواة النفوس
والإبداع الأدبي:
السلطان يستفتي شعبه، وحكايات أخرى، وبابليونيرودا: شاعر الحب والنضال.
والترجمة عن الفرنسية:
الشعر الأندلسي في عصر الطوائف لهنري بير يس، والحضارة العربية في إسبانيا لليفي بروفنسال، وهذه المرأة لي، رواية لجورج سيمتون مع مقدمة عن حياته وفنه، والرواية البوليسية بعامة.
والترجمة عن الإسبانية:
مع شعراء الأندلس والمتنبي للمستشرق إميليو غرسيه غوميث، والفن العربي في إسبانيا وصقلية للمستشرق فون شاك، والتربية الإسلامية في الأندلس، أصولها الشرقية، وتأثيراتها الغربية للمستشرق خوليان ريبيرا، والشعر العربي في إسبانيا وصقلية لفون شاك.
والترجمة عن الإنجليزية:
مناهج النقد الأدبي لإنريكي أندرسون، والرمزية، دراسة تقويمية "بالاشتراك" لآنا بلكاين.
والسيرة الذاتية:
رحلتي في الحياة بين كتـّاب القرية ودواوين الشعراء
هكذا نجد أنفسنا أمام ظاهرة ثقافية فريدة تجمع بين قديم وحديث، شرقي وغربي، محليّ وعالميّ، إسلامي وعربي وأوروبيّ، وقد اجتمع هذا المزيج الفريد في بوتقة خلقتْه خلقا جديدا فن تنوع خلاّق.
هذا المزيج الذي تحدثنا عنه قد يعود بنا إلى سابق عهده بمنبر عريق في مجلة الرسالة، التي أصدرها أحمد حسن الزيات، وصدر العدد الأول منها في 15 من يناير 1933، والهلال التي صدرت سنة 1892، ومنبر عريق في صحيفة الأهرام، وغيرها مما صدر من مجلات وصحف منذ الربع الثاني من القرن الفائت، بقضاياها، وكتابها، ودورها في الحياة الثقافية، مما يطول حصره بالكتابة والإسهام في حواراتها، وإثراء الكتابة فيها ، ومن ذلك:
رئاسته تحرير مجلة أدب ونقد التي صدر عددها الأول في يناير 1984وقد كان لذلك كله تأثير واضح فيه، فمن خلال تلك المنابر أعجب وتأثر بكتابها: الزيات، والعريان، وشاكر، والرافعي، وطه حسين، والعقاد، وهيكل، وأمثالهم.
وفي النشأة الأولى في قريته كان لشاعر الربابة تأثير فيه، وفي خياله، كما حدثنا، وكما حدثنا من قبله طه حسين.
وفي القاهرة كان تردده على الندوات، والمهرجانات واللقاءات الثقافية،ومنها ندوة الجامعة الأمريكية، وفيها رآى طه حسين، ورآى غيره من المفكرين،
وكان التأثير الأكبر لدار العلوم بأساتذتها، وأعلامها، ومناهجها، وعلومها،
وأول من أثر فيه تقارنيا إبراهيم سلامة، ثم محمد غنيمي هلال، وفي إسبانيا أستاذته، ومنهم: إميليو غرسيه غومث.
وكان حقا علينا، نحن معاصريه، أن نكتب عنه للأجيال القادمة، وإنْ قصّرْنا، فبحسبنا ما صنع غيرنا، ومما كتب عنه:
حسام الخطيب في آفاق الأدب المقارن عربيا وعالميا، وعلي شلش في الأدب المقارن بين التجربتين الأمريكية والعربية، ورسالة الدكتوراه لتلميذتي الدكتورة يمنى رجب، وهي رسالة لنيل درجة الدكتوراه عنه وعن عطائه التقارني، بكلية البنات، جامعة عين شمس.، حيث كان لي شرف الإشراف عليها.
****



(*) أستاذ الأدب والنقد - كلية البنات – جامعة عين شمس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك