نشرت الأستاذة سماح عبد السلام في الحوار المتمدن على شبكة الانترنت هذا الحوار مع العلامة الدكتور/ الطاهر أحمد مكي.
نص الحوار:
نص الحوار:
الطاهر مكى شيخ النقاد حاليا فى مصر والعالم العربى، يمتلك العديد من الآراء ووجهات النظر فى الساحتين الأدبية والسياسية، استمدها من خلال تجربة حياتية تقترب من التسعين عاما، فى حواره مع «التحرير» صب جام غضبه على الثقافة والمثقفين الذين يرى أن معظمهم تحول عن دوره الحقيقى فى الدفاع عن الحرية والديمقراطية إلى البحث عن جاه أو منصب، مطالبا بإلغاء وزارة الثقافة والقيام بثورة أدبية تفرز جيلا جديدا.
■ ما رؤيتك للمشهد النقدى حاليا، خصوصا مع تعدد اتهامه بعدم مواكبته للحركة الإبداعية؟
- لكى يوجد نقد حقيقى لا بد أن يكون لدينا إبداع حقيقى، نحن الآن ليس لدينا إبداع أدبى وإنما دعاوى فارغة ليس وراءها شىء حقيقى.
■ تؤكد عدم وجود أدب أو نقد مؤخرا، فهل تواكب الإصدارات الحديثة؟
- لقد فكرت وأنا أدرِّس القصة القصيرة لطلابى بالجامعة أن آخذ بعض القصص التى كتبت فى الصحف الكبرى، فقد تصورت أنه لا يصح لجريدة كبرى أن تنشر القصة إلا إذا كانت جيدة، ولكن بقراءتى للقصص فى تلك الجريدة وجدتها مليئة بالأخطاء النحوية واللغوية والأسلوبية والتى لا يقع فيها طلاب الفرقة الأولى، جئت إلى قصة أخرى وحاولت فهم ما يريد الكاتب قوله فلم أتوصل إلى شىء، الدليل على ذلك أن «الأهرام» فى أعدادا الأخيرة تنشر قصة ليوسف إدريس لأنها لم تجد فى ما يرسل إليها ما يستحق النشر، فقدم لنا قصة نُشرت قبل خمسين عاما.
الرواية مثل القصة من الناحية السلبية ولكن الفرق بينهما هو أن عوار القصة يظهر بسهولة، لأنها قصيرة، أما الرواية فتحتاج لعدة قراءات لكى تصل لما فيها من أخطاء، لم أجد رواية جيدة، الناس يتصورون أن من يكتب حكاية يقدم رواية، ما يُكتب حاليا حكايات مملة، وهذا هو الفرق بين الفن والثرثرة، الفن يجذبنى، لذلك فمن قواعد النقد البديهية أن العمل الجيد هو الذى إذا بدأت قراءته لا تتركه حتى تكمله، لذا لم أجد إلا القليل جدا من الروايات الأخيرة لفت الانتباه.
■ وهل حال الشعر مثل الرواية والقصة؟
- الشعر انتهى، الشعراء الجيدون أُوصدت فى وجوههم الأبواب إذا استثنينا شاعرا جيدا هو فاروق جويدة، ولمكانته فى «الأهرام» يستطيع نشر ما يريد، يكتب شعرا جيدا وله تفانين فى كتابته، كما يعكس صورة المجتمع فى شعره، كذلك الأمر بالنسبة للشاعر أحمد غراب وعبد اللطيف عبد الحليم أبو همام رغم أنه يحارب كثيرا، ما عدا ذلك فهو كلام لا يرقى لمستوى الشعر.
■ ألم تفرز قصيدة النثر شعراء، خصوصا أنك لم تشر إلى أى من شعرائها كنموذج إيجابى كما ذكرت فى التفعيلة؟
- كيف تكون نثرا وتفرز شاعرا؟، كيف تكون ناثرا وتكتب شعرا؟ هذه ادعاءات خاصة بأفراد يجلسون على المقاهى ويتصورون أنهم يعيدون ترتيب الكون، ليس هناك شىء اسمه قصيدة النثر، ولكن هناك ما يسمى بالنثر الجميل الموقع ولا صلة له بالشعر، لقد كانت مقالات الزيات نثرا جميلا موقعا، كنا نحفظها حبا فيها، حيث تثبت فى الذاكرة، من يكتب الشعر لا يكتب النثر، من يقول على النثر شعرا يخدع نفسه قبل أن يخدع الآخرين.
الشعر الحر مات، لا أحد يذكر من كان يكتبه، فقد اختفى معظمهم من الساحة وبعضهم ظل محتفظا بمكانته لأسباب لا علاقة لها بقوة الإبداع وإنما بالشللية وتبادل المصالح، كان بوزارة الثقافة اتجاه غربى لقتل القصيدة العربية، لذا شجعت من كتب كلاما غير عربى أو لا يتبع التراث العربى، حاليا لا توجد ثقافة، أليس غريبا أن تنشر الوزارة عشرات الكتب لآخرين فى الفترة الماضية، بينما لا تنشر كتابا واحدا للعقاد؟!
■ إذن نحن بحاجة إلى ثورة أدبية لكى تقدم لنا حركة ثقافية جديدة؟
- نعم.. ولكن المشكلة أن الثورات تأخذ زمنا أيضا لكى تخلق ثورة أدبية. نضع القواعد حاليا ولكن الناتج بعد ربع قرن، ولكن علينا أن نبدأ من الآن بالتعليم والبحث عن المواهب فى الريف.
■ تطالب باستمرار بإلغاء وزارة الثقافة، فما البديل؟
- أروع عصور مصر الثقافية لم يكن بها وزارة للثقافة، عندما أنشئت هذه الوزارة كانت تحت مسمى وزارة الثقافة والإرشاد القومى، مهمتها توجيه الكتّاب لكى يبشروا بمبادئ الثورة فجذبت الناس إليها، ثم أممت الحكومة كل وسائل النشر حيث اقتصر ذلك على الكتب التى تسير فى الخط الذى تريده الحكومة، مما تسبب فى ضمور الإبداع وهروب أصحاب الفكر الحر، ثم جاءت وزارة الثقافة فى بداية عهد السادات وتحولت لمكتب رشى وكانت النتيجة أننا افتقدنا الوجوه الجديدة.
نحن أهملنا الريف واتجهنا للتركيز على كتاب المدينة، باب النشر مفتوح فقط لمن يعملون بالقاهرة والذين تحولوا لمحترفى جمع الأموال حتى وإن كانت قليلة. أضحك كثيرا على ذكر تعدد طبعات وترجمات بعض الكتب لأنى أراها مجرد أكذوبة على القارئ. فلم يحدث أن تكرر طبعات أو ترجمة كتب سوى لنجيب محفوظ وبعض المبدعين.
■ صرحت بأن المثقف بلا موقف تاجر كلام، فما أبعاد الموقف الذى يجب عليه اتخاذه؟
- طوال عصر مبارك حدثت مآسٍ كثيرة من اعتداء على حرية الفكر والوطن، لم يتحرك مثقف من المعارضة أو حتى القضاة الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها، جميعهم صمتوا لأنهم يقبضون، هم ليسوا مثقفين وإنما تجار كلام، والعجيب أن أكثر الناس رقصا فى مهرجان مبارك هم الأكثر رقصا فى مهرجان الثورة، هؤلاء خطر على الثورة وعلينا فضحهم.
الذى يجب أن يتحدث حاليا هم من دفعوا الثمن فى العهد السابق، أقول دائما لطلابى: ليس من السهل على الإنسان أن ينزل إلى الشارع ويعارض ويذهب إلى السجن، ولكن ما من قوة فى الوجود تستطيع أن تأخذنى وتطلب منى أن أهتف بحياة الرئيس إلا إذا اشترونى بالمال. كذلك هم لا يبيعون أنفسهم من أجل لقمة العيش وإنما من أجل ترف عال، بعضهم جاء حافيا من قريته ويصر على السكنى فى الزمالك، ليس لأنها منطقة مريحة على العكس، ولكن لأن بها معنى طبقيا. هؤلاء تاجروا باسم الثقافة ولم تعرف مصر لهم موقفا على امتداد 30 عاما.
المثقف هو الرجل صاحب الموقف والذى يطلب حياة أفضل، لذلك لا أعرف مثقفا حقيقيا منسجما مع الحكومة. على المثقف أن يقول كلمة الحق ولا يخشى أحدا ودون أن يتلون، وإذا لم يستطع أن يقولها يصمت لكنه لا يؤيد باطلا.
■ ترجمت عن الفرنسية والإسبانية، فكيف ترى حركة الترجمة فى مصر؟
- الترجمة من أصعب الأشياء، لها قواعد نحن كمصريين أول من وضعها، إذا رجعنا إلى الكتب التى ترجمتها لجنة التأليف والنشر والترجمة فى الثلاثينيات والأربعينيات سنجدها رائعة من جهة الترجمة والمترجم نفسه.
فى الترجمات الأخيرة تسير بمنطق «أوكازيون وصاحبه غائب» يريدون عددا فقط، نجد كتبا تمت ترجماتها مرتين فى المجلس الأعلى للثقافة وهيئة الكتاب فقط لكى يتقاضى المؤلف أجرا عنها، بالإضاءة إلى أن بعض الكتب المترجمة سيئة ومليئة بالأخطاء.
■ ما القضية التى يجب أن يتبناها الإبداع فى الفترة الحالية؟
- كيف نبنى مصر الناعمة من جديد؟ لأن مصر الناعمة انقرضت. مصر التى يكون بها عبد الوهاب وأم كلثوم وجاهين وطه حسين جُدد، مبدعين أقوياء من شتى المجالات، كيف نصل إلى إعادة هؤلاء.
■ كيف ترى القلق على الإبداع فى ظل الهجمة الظلامية الأخيرة؟
- يوجد بعض الشبان الجهلاء والذين يتصدرون للإفتاء، لا شك أنهم يخيفون، ولكنهم ليسوا الدين.. أرى أنهم لا يرتكزون على قاعدة أساسية وليسوا مثقفين إسلاميين، والإسلام دين سمح وكريم يتسع لكل أنواع الإبداع والخيال، لذا لا داعى للقلق.
■ أخيرا.. إلى أين تتجه مصر؟
- رغم كل شىء هناك تفاؤل. ويأتى التفاؤل من أن الطبقة غير المثقفة لا تزال سليمة وهى التى ستنقذ مصر عند الضرورة، طبقة البسطاء فى الأحياء الشعبية والأرياف، هؤلاء نياتهم بسيطة وأحاسيسهم صادقة، ولن يستطع أحد أن يقتنص منهم حضارتهم.
وهذا رابط الموضوع:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك