توابل / د. الطاهر مكي:
المنشور الأدبي بعد الثورة "طق حنك"
د.
الطاهر مكي: المنشور الأدبي بعد الثورة "طق حنك"
الاثنين
05 أغسطس 2013
يقف
الناقد الأدبي الدكتور الطاهر مكي على أعتاب التسعين وما زال يعمل ويتحرك بروح شاب
في العشرين، يتسم بخبرة عميقة وحصيلة علمية ينهل منها تلامذته ومريدوه باختلاف
أجيالهم، وحكمة جلتها الأيام وزادتها لمعاناً، كما يتسم بذاكرة جيدة واحترام شديد
للعمل، ويعتبر الكتابة جائزته الكبرى.
حول الشعر والترجمة والنقد والمؤسسات الثقافية التي لم يخفِ استياءه منها... كان الحوار التالي معه.
حول الشعر والترجمة والنقد والمؤسسات الثقافية التي لم يخفِ استياءه منها... كان الحوار التالي معه.
أنت
أحد أهم القامات الكبيرة في حقل الدراسات الأدبية في العالم العربي ومع ذلك يُلاحظ
انسحابك من الحياة العامة والوسط الثقافي في السنوات الأخيرة ما السبب؟
الحياة الثقافية في السنوات الأخيرة اختلط فيها الحابل بالنابل، وطفا على السطح من ليس لهم حظ من الثقافة التي اضحت عملية بيع وشراء وإفادة واستفادة، وهذا منافٍ لطبيعتي.
كيف تحدّد الثقافة إذاً؟
الثقافة عندي موقف ومن لا موقف له فهو ليس مثقفاً بل تاجر كلام. اليوم لم تعد ثمة مبادئ أو غايات محددة، وإنما ثمة من يبيع ويشتري ويستفيد، وتجده يرقص على كل الأنغام ويأكل على كل الموائد. إجمالا اختفى المثقف الحقيقي في مصر منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذين بقوا في الساحة إما اعتزلوا إذا كانوا من القدامى أو رحلوا، فيما تنقص الشباب خبرة وتجربة وقدوة.
ماذا عن متابعتك للأعمال الأدبية؟
تدفع المطابع كل يوم بمئات الكتب التي لا تتضمن مادة تُقرأ، إنما فيها من يستطيعون النشر بنفوذهم أو بوسائل أخرى، وهم يكتبون في عجلة ولا يعبرون عن تجربة ولا يدافعون عن قضية ولا يقدمون إبداعاً، ولكي تحقق مجرد متابعة لهذه الكتب تحتاج إلى ضعف عمرك... أحياناً نصادف كتباً تتمتع بالإبداع القصصي والروائي في شمال إفريقيا، كذلك ما زال الشعر العربي بمفهومه الصحيح والدقيق منتعشاً في العراق واليمن، على رغم ظروفهما السياسية الصعبة، واختفى الشعر في مصر باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليدين، منزوٍ هنا أو هناك، لكن الأغلبية مجرّد كلام ينطبق عليه ما يسميه إخواننا الشوام «طق حنك»!.
لكن كثراً يكتبون قصائد النثر.
قصيدة النثر مصطلح ينقض بعضه بعضاً، فالقصيدة لا تنسجم، قطعاً، مع النثر.
إلامَ تعزو تفشي العامية وتغلغلها في المشهد الشعري الراهن في مصر؟
ضعف الثقافة وتفشّي الأميّة بين أدعياء الأدب. الفصحى في كل بلد وفي كل لغة هي الأرقى، باتفاق الجميع، ومن لا يستطيعها فهو الأقل ثقافةً وقراءةً ومعرفةً بتراث أمته، لأن التراث جاءنا بالفصحى والعامية لغة محلية وآنية وليس لها أبجدية تكتب بها، فهي تُسمع فحسب لكنها لا تُقرأ.
ماذا عن تحقيقك لكتاب «طوق الحمامة» الذي يعدّ أحد أهم المراجع الفقهية عبر التاريخ الإسلامي؟
كان الكتاب مهملاً في العالم العربي بزعم أنه يتكلم عن الحب، والكلام في الحب عيب! وكانت طبعاته رديئة جداً، وأنا شخصياً لم أسمع به إلا عندما كنت في إسبانيا، حيث سألني الأستاذ الذي كان يشرف على رسالة الدكتوراه- وهو مستشرق كبير- عما إذا كنت قرأت «طوق الحمامة»، فأجبته بأني أسمع به لأول مرة! فتعجب كيف يتخصص شخص في الأدب الأندلسي ولم يسمع بـ «طوق الحمامة»، فبدأت أبحث عنه واكتشفت أن الطبعات العربية شعبية ومليئة بالأخطاء.
عندما عدت إلى مصر رأيت أن من واجبي أن أقدم الكتاب إلى القارئ العربي بصورةٍ يستحقها، ثم ألّفت كتاب «دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة» يشرح «طوق الحمامة» ويبين أوجه الجمال فيه. كان من المفترض أن يأتي هذا الكتاب الثاني كمقدمة لـ «طوق الحمامة» لكنه طال في عدد صفحاته ولم أشأ أن أصرف الناس عنه بمقدمة تتكلم عنه، فآثرت أن أجعله كتاباً مستقلاً، وشاع «طوق الحمامة» الآن وبدأ الناس يصححون ما ينشرون منه من خلال العودة إلى طبعتي من دون إشارة إلي مع الأسف!
هل نحن نترجم بالشكل الكافي كماً وكيفاً؟
نحن لا نترجم شيئاً وما نترجمه مضحك، في غالبيته، لأنه أولاً قليل جداً، فنحن مثلاً لا نترجم عُشر ما تترجمه إسرائيل سنوياً ولا واحد في المئة مما تترجمه اليابان...
ثانياً، لا تخضع الترجمة عندنا لقواعد علمية منهجية على رغم الأسماء الطنانة مثل «المجلس القومي للترجمة» و{المجلس الأعلى للثقافة»، فهي لافتات ضخمة رنانة ومضمونها لا شيء، لأن الترجمة تتطلب إتقان العربية وأساليبها وقواعدها وليس معرفة اللغة الأجنبية فحسب، بالإضافة إلى التمكن من النوع الأدبي الذي تترجم فيه. مهما أتقن الاقتصادي علمه فهو لا يحسن ترجمة كتاب في النقد الأدبي، كذلك لا يمكن لناقد أدبي أن يترجم كتاباً في الاقتصاد.
ثالثاً، ليس كل كتاب أجنبي له قيمة، فبعض الكتب ضروري والبعض الآخر لا يُقرأ وفئة ثالثة عفا عليها الزمن، ولكن نحن في زمن الفساد الأعظم والمهم فيه ليس الكتاب أو النص وإنما المترجم، وهل يستحق أن يحصل على ثمن الترجمة أم لا؟ فإذا كان اسماً مهماً ومشهوراً فسوف يأخذ مكافأة ثم يترجم كيفما أراد وأي كتاب شاء، ولا تخلو المسألة من شللية ومجاملات.
برأيي، توقفت الترجمة مع الجيل الماضي مع محمد عبد الهادي أبو ريدة والدكتور محمد عوض وهما مترجمان عظيمان. وفي إحدى المؤسسات التي يفترض أنها أنشئت للترجمة خصيصاً نجد العجب العجاب، كأن يُنشر كتاب نشر في مكتبة الأسرة أو آخر مترجم منذ عشر سنوات أعاد مترجم آخر ترجمته، وأحياناً نجد المراجع يتقاضى أضعاف ما يتقاضاه المترجم.
الحياة الثقافية في السنوات الأخيرة اختلط فيها الحابل بالنابل، وطفا على السطح من ليس لهم حظ من الثقافة التي اضحت عملية بيع وشراء وإفادة واستفادة، وهذا منافٍ لطبيعتي.
كيف تحدّد الثقافة إذاً؟
الثقافة عندي موقف ومن لا موقف له فهو ليس مثقفاً بل تاجر كلام. اليوم لم تعد ثمة مبادئ أو غايات محددة، وإنما ثمة من يبيع ويشتري ويستفيد، وتجده يرقص على كل الأنغام ويأكل على كل الموائد. إجمالا اختفى المثقف الحقيقي في مصر منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذين بقوا في الساحة إما اعتزلوا إذا كانوا من القدامى أو رحلوا، فيما تنقص الشباب خبرة وتجربة وقدوة.
ماذا عن متابعتك للأعمال الأدبية؟
تدفع المطابع كل يوم بمئات الكتب التي لا تتضمن مادة تُقرأ، إنما فيها من يستطيعون النشر بنفوذهم أو بوسائل أخرى، وهم يكتبون في عجلة ولا يعبرون عن تجربة ولا يدافعون عن قضية ولا يقدمون إبداعاً، ولكي تحقق مجرد متابعة لهذه الكتب تحتاج إلى ضعف عمرك... أحياناً نصادف كتباً تتمتع بالإبداع القصصي والروائي في شمال إفريقيا، كذلك ما زال الشعر العربي بمفهومه الصحيح والدقيق منتعشاً في العراق واليمن، على رغم ظروفهما السياسية الصعبة، واختفى الشعر في مصر باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليدين، منزوٍ هنا أو هناك، لكن الأغلبية مجرّد كلام ينطبق عليه ما يسميه إخواننا الشوام «طق حنك»!.
لكن كثراً يكتبون قصائد النثر.
قصيدة النثر مصطلح ينقض بعضه بعضاً، فالقصيدة لا تنسجم، قطعاً، مع النثر.
إلامَ تعزو تفشي العامية وتغلغلها في المشهد الشعري الراهن في مصر؟
ضعف الثقافة وتفشّي الأميّة بين أدعياء الأدب. الفصحى في كل بلد وفي كل لغة هي الأرقى، باتفاق الجميع، ومن لا يستطيعها فهو الأقل ثقافةً وقراءةً ومعرفةً بتراث أمته، لأن التراث جاءنا بالفصحى والعامية لغة محلية وآنية وليس لها أبجدية تكتب بها، فهي تُسمع فحسب لكنها لا تُقرأ.
ماذا عن تحقيقك لكتاب «طوق الحمامة» الذي يعدّ أحد أهم المراجع الفقهية عبر التاريخ الإسلامي؟
كان الكتاب مهملاً في العالم العربي بزعم أنه يتكلم عن الحب، والكلام في الحب عيب! وكانت طبعاته رديئة جداً، وأنا شخصياً لم أسمع به إلا عندما كنت في إسبانيا، حيث سألني الأستاذ الذي كان يشرف على رسالة الدكتوراه- وهو مستشرق كبير- عما إذا كنت قرأت «طوق الحمامة»، فأجبته بأني أسمع به لأول مرة! فتعجب كيف يتخصص شخص في الأدب الأندلسي ولم يسمع بـ «طوق الحمامة»، فبدأت أبحث عنه واكتشفت أن الطبعات العربية شعبية ومليئة بالأخطاء.
عندما عدت إلى مصر رأيت أن من واجبي أن أقدم الكتاب إلى القارئ العربي بصورةٍ يستحقها، ثم ألّفت كتاب «دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة» يشرح «طوق الحمامة» ويبين أوجه الجمال فيه. كان من المفترض أن يأتي هذا الكتاب الثاني كمقدمة لـ «طوق الحمامة» لكنه طال في عدد صفحاته ولم أشأ أن أصرف الناس عنه بمقدمة تتكلم عنه، فآثرت أن أجعله كتاباً مستقلاً، وشاع «طوق الحمامة» الآن وبدأ الناس يصححون ما ينشرون منه من خلال العودة إلى طبعتي من دون إشارة إلي مع الأسف!
هل نحن نترجم بالشكل الكافي كماً وكيفاً؟
نحن لا نترجم شيئاً وما نترجمه مضحك، في غالبيته، لأنه أولاً قليل جداً، فنحن مثلاً لا نترجم عُشر ما تترجمه إسرائيل سنوياً ولا واحد في المئة مما تترجمه اليابان...
ثانياً، لا تخضع الترجمة عندنا لقواعد علمية منهجية على رغم الأسماء الطنانة مثل «المجلس القومي للترجمة» و{المجلس الأعلى للثقافة»، فهي لافتات ضخمة رنانة ومضمونها لا شيء، لأن الترجمة تتطلب إتقان العربية وأساليبها وقواعدها وليس معرفة اللغة الأجنبية فحسب، بالإضافة إلى التمكن من النوع الأدبي الذي تترجم فيه. مهما أتقن الاقتصادي علمه فهو لا يحسن ترجمة كتاب في النقد الأدبي، كذلك لا يمكن لناقد أدبي أن يترجم كتاباً في الاقتصاد.
ثالثاً، ليس كل كتاب أجنبي له قيمة، فبعض الكتب ضروري والبعض الآخر لا يُقرأ وفئة ثالثة عفا عليها الزمن، ولكن نحن في زمن الفساد الأعظم والمهم فيه ليس الكتاب أو النص وإنما المترجم، وهل يستحق أن يحصل على ثمن الترجمة أم لا؟ فإذا كان اسماً مهماً ومشهوراً فسوف يأخذ مكافأة ثم يترجم كيفما أراد وأي كتاب شاء، ولا تخلو المسألة من شللية ومجاملات.
برأيي، توقفت الترجمة مع الجيل الماضي مع محمد عبد الهادي أبو ريدة والدكتور محمد عوض وهما مترجمان عظيمان. وفي إحدى المؤسسات التي يفترض أنها أنشئت للترجمة خصيصاً نجد العجب العجاب، كأن يُنشر كتاب نشر في مكتبة الأسرة أو آخر مترجم منذ عشر سنوات أعاد مترجم آخر ترجمته، وأحياناً نجد المراجع يتقاضى أضعاف ما يتقاضاه المترجم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك