عامان على رحيله..
الطاهر مكى.. شيخ الزاهدين وعملاق النقد الأدبى
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/705852.aspx
فقد دهانى؛ من فقدكم؛ ما قد دهانى!
فما أسرع الأيام فى كرّها؛ وزقُّومها! وما أحلك الواقع فى قسوته وسطوته؛ حينما تغيب الكراوين الصادحة؛ والبلابل الماتعة؛ عن الحدائق والفراديس والمحاريب!
فها؛ هما عامان قد مرّا؛ على وفاة العلامة الدكتور الطاهر أحمد مكى «1924-2017م» عميد الأدب المقارن والدراسات الأندلسية فى العالم العربى؛ ولا تزال الدموع سخينة؛ والعيون ذاهلة؛ والأفئدة ملتاعة ملتاعة!
فقد قُبِضَ؛ برحيل الطاهر مكى؛ نصف العلم الأندلسى؛ فغامت أدواح الأدب؛ وبهتت دولة الكتابة الفنية، والبلاغة العصرية، والشيم المصطفوية؛ فأجدب النقد، وانمحل الفكر، وانزوى التثاقف؛ فصدئ العقل؛
ويا أياميَ المعسولة؛ رجِّعى؛ أياديه على البرية بالهنا؛
ويا ذكريات السعدِ؛ أشعلى سراجى؛ بـ«الطاهر» الوضّاء والسنا؛
ويا غربان الخسفِ؛ عدمتكِ خدعةً؛ فأعطار شيخىَ؛ تفوح بالرائقِ الجَنَى!
ألا قاتلَ الله الفقد؛ وقاموسه! وأبقى الله لنا الوداد بعلم «الطاهر» العاطر الشذا! فالطاهر مكى؛ تاريخ وواقع وحيوات لا حياة واحدة!
ذهب الجسم؛ وبقيت الروح والريحان؛ ترفرف حول طلابها ومريديها وطالبيها فى أعلى الجِنان؛ وتزور الأرض؛ لسقيا الناس وإصلاحهم.
تعطيهم؛ أرواحه الطاهرات .. نداوة الفكر؛ وطزاجة الطرح؛ وصدق الإخلاص؛ ومهارة الدرس؛ وعبقرية الذوق؛ وأصالة الكلمة؛ وأمانة المشروع؛ وقيمة الإنسان؛ ورسالة الخير والحق والجمال.
الطاهر مكى؛ مؤلفات ومواقف؛ محاضرات وذكريات؛ مقالات وآراء؛ دروس وأخلاق؛ عطاء وزيادة؛ الطاهر مكى؛ الناقد الإنسان؛ والإنسان الناقد؛ فقد علا عن الصغائر؛ وارتكن للضمائر؛ واتحد مع العظام والعظائم؛ فى عصر امتلأ بالقتام والصغائر!
فمن تراث الطاهر مكى المجهول؛ مقالاته الزاهيات الزاكيات؛ التى لاقت صدى طيباً لدى الأوساط الثقافية والأكاديمية والسياسية فى العالم العربي؛ والتى نشرها فى جريدة «الأهرام» الغرّاء؛ منذ الستينيات؛ والتى لفتت الأنظار إليه؛ وإلى قلمه؛ وإلى جديده؛ وإلى أسلوبه؛ فمتى يعكف عليها باحث جاد؛ فيحييها من جديد؛ عرفاناً بصاحبها، وما فيها من علم وأدب ونقد.
الطاهر مكي؛ قاموس الحياة النابض بالحب والمودة؛ مع من عرف؛ ومن لم يعرف! الطاهر مكي؛ ترجمان الأشواق إلى دولة الأخلاق! وساحر الأساليب فى الإنشاء والتعريب! الطاهر مكى؛ سيد التراجمة؛ ورائد الجهابذة؛ وعملاق التحقيق والتدقيق!الطاهر مكى؛ الذى ملأ الدنيا والجامعة؛ علما وأدبا وفضلا؛ وهو شيخ الزاهدين فى الشهرة والصيت!
بقيت نقطة مهمة جدا؛ يجب أن تلتفت إليها وزارة الثقافة؛ وهى مخطوطات الطاهر مكى التى لم تر النور بعد؛ وهى نفائس المكتوب؛ وروائع المقروء؛ وعظائم المنقود؛ بسليقة الموهوب؛ وروعة المثقف؛ وإدهاش القدير! فمتى تقوم الوزارة بطبعها؛ ضمن سلاسل هيئة الكتاب؛ هى ومشروع الطاهر مكى؛ الذى دشَّنه طوال ستة عقود؛ من الإنجاز والإبهار!
فالطاهر مكى؛ رصيد ضخم؛ من التراث والتثاقف؛ وسجل زاهٍ من العبقرية والموسوعية؛ بين آداب العرب، وآداب الغرب؛ بمنهجية الفنان؛ ومصداقية الناقد؛ وجمالية الأسلوب؛ وجديد المطروح؛ وديمومة المشروع؛ وحيويته؛ وفرادته، وواقعيته! حكى لى الطاهر مكى عن الرجال، والأفكار؛ والكبار؛ والصغار؛ عن حيوية مصر وفتوتها أبد الدهر؛ عن الحضارات والتاريخ؛ عن الشعر والفن؛ عن النقد والذائقة؛ عن الكتابة وجدواها؛ عن الرسم والموسيقى، عن الفلسفة وأفذاذها، عن المدرسة المصرية فى الدراسات الأندلسية، ورأيه فى شيوخها؛ عن سيرته الذاتية، وسيرة مصر والعرب فى القرن العشرين، وما قبله، وما بعده!