الطاهر أحمد مكي عن قرب
وديع فلسطين(*)
سمعت للمرة الأولى باسم الدكتور الطاهر أحمد مكي قبل أوبته
من البعثة الدراسية في إسبانيا محرزًا درجة الدكتوراه باستحقاق كبير، ذلك أن شقيقي
الأكبر الفنان التشكيلي لويس فلسطين الذي استوطن إسبانيا وصار يحتفي بالطلاب المصريين
الذين يدرسون هناك وكأنه سفير شعبي لهم ، بعث إلى برسالة بشرني فيها بقرب عودة
الدكتور الطاهر أحمد مكي إلى مصر واصفًا إياه بأنه قمة في الخلق والعلم وحسن
المعشر وقال إنني سأكتسب فيه صديق عمر لأنه خير من تكسب مودته ولاسيما لأنه ينتمي
إلى محافظة قنا مثلنا.
لم أعرف في شقيقي لويس أي مبالغات تشككني في صفات هذا
العالم الشاب ، بل أكدت الأيام أنه الطاهر أحمد مكي خليق بكل تقدير وجدير بالمودة
والرفقة الإنسانية ، فلما التقيت بالطاهر أحمد مكي بعد ذلك صدق الخبر الخبر.
لم يباعد بيننا إننا ننتمي إلى نظامين جامعيين مختلفين ،
فالطاهر ينتمي إلى جامعة القاهرة في حين إنني انتمى إلى الجامعة الأمريكية ، ومع
ذلك لم يشعر كلانا بأنه غريب عن الساحة الثقافية أو أن الدرعمة تعادى النظام الأمريكي
فقد كان من أساتذتنا الكبار في الجامعة السيد شحاتة والسباعي بيومي ، أي أنه كان
هناك نسب بين جامعتينا يقرب بين الطرفين ولا يباعد بينهما.
صحيح إنني لم أتتلمذ على الدكتور الطاهر أحمد مكي بمعنى
أن أجلس منه مجلس التلميذ في الفصل ، ولكن الطاهر بسلوكه وشخصيته جعلني مجرد واحد
من طلابه المعجبين بأدبه وعلمه وخلقه وشخصيته الودود.
وقد أتيح لي غير مرة أن أشهد جلسات مناقشة الرسائل
الجامعية لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراة في الكليات المختلفة وهى مناقشات شارك
فيها الدكتور الطاهر أحمد مكي إما بوصفه مشرفا على الرسائل الجامعية أو بوصفه
أستاذاً ممتحنًا ، وهو في الحالين صارم في عمله صادق في حكم يزود عن طلابه إذا ما
قسا عليهم أستاذ ممتحن إذا ما بدا له أن الأستاذ الممتحن يتجنى على الطالب. وكم
أعجبت بهذا السلوك الجميل من جانب الدكتور الطاهر أحمد مكي في جميع امتحانات
الماجستير والدكتوراه التي شهدتها، وكنت أفاجأ بتحية كريمة منه إذا ما لمحنى بين
الجالسين فتتجه كل الأنظار إلى شخصي.
وفى اعتقادي أن الطاهر أحمد مكي لم يظفر بما يستحق من
التقدير الأدبي والمادي ، وهو ما تنبه إليه معالي الشيخ عبد المقصود خوجة راعى
ندوة "الاثنينيية" في جدة حيث قام بتكريم الدكتور مكي في مهرجان كبير
شهده المئات من المدعوين وتحدثت عنه الصحف السعودية بتوسع.
وقد طوق الدكتور مكي عنقي إلى يوم الدين عندما جاسر بترشيحي
لعضوية مجمع اللغة العربية في مصر بعدما انتخبت عضوًا بمجمعي دمشق والأردن. ولئن
لم أظفر بالنصاب القانوني للفوز بالعضوية ، فقد ظفرت بثقة هذا الأستاذ الكبير
الجليل ، وهى ثقة عندي توازى الفوز بالعضوية.
وإذا دق الهاتف وكان الدكتور مكي هو المتحدث فضفضنا عما في
قلوبنا وتصارحنا عما يجول في خواطرنا ولم نتكاتم كما يفعل الدبلوماسيون وتناولنا
كل ما يتصل بالثقافة والمجتمع الثقافي من أحداث.
إن الدكتور الطاهر أحمد مكي راهب في محراب العلم ، فلن
تراه في مهرجان للهو، لن تظفر به في حلبة كرة ، وهو سلوك أشفق فيه عليه بصرامته
الموروثة من كونه صعيدياً قح.
هذه كليمات أردت بها تصوير الطاهر أحمد مكي عن قرب ، وليتني
ازددت قرباً منه لاستفيض في تصوير هذه الشخصية النادرة بخلقها وعلمها وسلوكها وكل
حياتها.
وما أجمل ما يتسم به الطاهر مكي من شموخ التواضع!
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك