الاثنين، 12 ديسمبر 2016

الأدب المقارن للأستاذ طاهر مكي.....د. شعبان مرسى





الأدب المقارن للأستاذ طاهر مكي

د. شعبان مرسى(*)

أستاذنا الدكتور طاهر مكي عالم أديب، متنوع الثقافات، متقن للغات عديدة، يظهر كل هذا في كتاباته الوفيرة ومقالاته الكثيرة، ومنها كتابه الرائع عن امرئ القيس وحياته وشعره، وهو يتتبع فيه الأحداث التاريخية التي أحاطت بالملك الضليل ويفسرها تفسيرا مقنعا، ويرسم لنا صورة للشاعر معتمدا على شعره، وما صح من التاريخ المروي عنه، ويورد أقوال العلماء والأدباء ويناقشها، ويثبت ما صح منها، أو ما هو قريب من الحقيقة، ويستخدم مصادر عربية وأجنبية ثرية.
وكتب أستاذنا «دراسة في مصادر الأدب» فعرض أهم مصادره بأسلوب أدبي جميل، وبين مناهجها ومادتها الأدبية، ومدى الثقة فيها، وما تتميز به، وما ينقصها، كما ذكر طبعاتها، وتحقيقاتها وما كان مخطوطا منها.
وألف أستاذنا كتاب "بابلو نيرودا شاعر الحب والجمال" وهو شاعر من أمريكا اللاتينية، وسرد حياته، وذكر أعماله ودواوينه الشعرية، وما تميز به في شعره، والنواحي الإنسانية التي كان يتصف بها هذا الشاعر، كما أورد من شعره شواهد جميلة.
وكذلك كتب أستاذنا عن ابن حزم العالم الفقيه الشاعر الأديب المؤرخ، وعنوان الكتاب "دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة" كما حقق كتاب ابن حزم "طوق الحمامة في الألفة والآلاف"، تحقيقا دقيقا، وقدم له مقدمة علمية مفيدة جدا.
وكتب أستاذنا كتاب "الشعر العربي المعاصر، روائعه ومدخل لقراءته" وهو مختارات من الشعر الحديث تتسم بالجمال الفني، والعمق المعنوي، والمدخل لدراسته مرشد للدارسين، يرشدهم إلى طريق فهمه، وتذوقه على أحسن وجه.
وكتابه "القصة القصيرة، دراسة ومختارات" جمع فيه عددا من القصص القصيرة، واقعية ورمزية ورومانسية وغيرها، ورسم طريقة فهمها ودرسها وما يتعلق باتجاهاتها.
وبجانب هذه المؤلفات ترجم أستاذنا "ملحمة السيد" ودرسها دراسة مقارنة وأبان عما فيها من إشارات، وذكر ما فيها من التواريخ والحروب بين المسلمين والكاثوليك، وأظهر الأثر العربي فيها، ووضح صورة السيد كما جاءت في التاريخ والملحمة، والفروق بينهما.
وترجم كتاب ليفي بروفنسال "الحضارة العربية في إسبانيا" وهو كتاب قيم أنصف المسلمين في الأندلس، ويبين مدى ما أضافوه للحضارة العالمية.
وترجم كتاب غرسية غومث "مع شعراء الأندلس والمتنبى" ترجمة دقيقة أفادت القراء عامة والمتخصصين في الأدب الأندلسي خاصة.
وترجم كتاب "فون شاك وعنوانه" الفن العربي في إسبانيا وصقلية" وهو جزأن : أحدهما خاص بالشعر الأندلسي، والثاني بالفنون الأندلسية الأخرى.
وترجم أستاذنا كتاب "التربية الإسلامية في الأندلس، أصولها المشرقية وتأثيراتها الغربية"، وهو كتاب مهم في التربية، ألفه المستشرق "خوليان ريبيرا"، ذكر فيه طريقة التعليم في الأندلس، والمكتبات التي أنشأها المسلمون في تلك البلاد، ومدى العناية بالأساتذة والطلاب.
وقد حقق أستاذنا كتاب "الأخلاق والسير في مداواة النفوس" لابن حزم تحقيقا علميا دقيقا، وقدم له بمقدمة ثرية.
ولأستاذنا كتاب "دراسات أندلسية" بعضها في الأدب، وبعضها في التاريخ، وبعضها في الفلسفة.
أما كتاب أستاذنا «الأدب المقارن»، أصوله وتطوره ومناهجه "فهو موسوعة حوت قصة الأدب المقارن منذ نشأته حتى الآن، وسأفصل القول عنه فيما يلي :
بدأ أستاذنا كتابه بالأصول الأولى للأدب المقارن وهي الموازنات بين الشعراء، مثلما صنع الآمدي في كتابه "الموازنة بين أبي تمام والبحتري"، ومثلما كتب عبد العزيز الجرجاني في مؤلفه "الوساطة بين المتنبي وخصومه"، وهي كلها داخل أدب واحد هو الأدب العربي.
وعرض أستاذنا للموازنات في الآداب الأوربية. وكذلك ذكر النقائض والمعارضات والسرقات الأدبية والأصالة والتقليد، وأتى بشواهد كثيرة على صحة ما يرى من هذه القضايا المهمة.
وبعد هذه الأصول البعيدة جاء الحديث عن الخطوات الأولى للأدب المقارن، فتتبعها أستاذنا في القرن الثامن عشر في الدول الأوربية المختلفة، وخاصة فرنسا وأمريكا وإيطاليا وانجلترا والاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية والأسيوية والعالم العربي. وركز على ما عمله بنديتو كروتشه في إيطاليا، فقد كان ناقدا فذا وذا أثر بالغ في معاصريه.
وحدد أستاذنا مفهوم الأدب المقارن، وسار مع المصطلح من بدايته، فقال : إن أول من استخدم مصطلح الأدب المقارن هو لابلاس وفرانسوا نويل في كتابهما : "محاضرات في الأدب المقارن"، سنة 1816م، ثم جاء جان جاك أمبير، وآبل فرنسوا فيلمان بعدهما، ورأى أنهما الأبوان الحقيقيان للأدب المقارن. ووضح الدكتور الطاهر العلاقات التي يعنى بها الأدب المقارن، وهي العلاقة السببية وعلاقة الاتصال وعلاقة الشيوع، والتأثير والتأثر.
وركز الأستاذ على مفهوم الأدب عامة، ومفهومه في الأدب المقارن خاصة، وأبان عن غاية الأدب المقارن ومواقف العلماء والأدباء والمفكرين منه. ومن أهم هؤلاء الشكليون الروس والنقاد الجدد في أمريكا، ورد عليهم بحجج بالغة.
ومن أهم الفصول في الكتاب الفصل الخاص بمجالات البحث في الأدب المقارن، وهي الكتب والمجلات، والكتاب والمؤلفون، والتأثير والتأثر، والترجمة والمترجمون، والرحالة ورحلاتهم.
ومن مجالات البحث المقارن الموضوعات والمواقف، وهى مهمة جدا، مثل موضوع البطولة، والحب والموت، والبواعث الدافعة للتعبير عنها، وما يبث فيها من الأقوال المأثورة. وكذلك النماذج الإنسانية العامة، والنماذج الدينية والتاريخية والأسطورية، مثل نموذج الإنسان الطيب، والخبيث والطماع والثرثار والكذاب والخائن .... إلخ.
وفى فصل من فصول هذه الموسوعة حلل أستاذنا موضوع تقسيم الأدب إلى عصور، مثل عصور الأدب العربي، وعصور الآداب الأوربية، ومشكلات هذا التقسيم، وعرض رأي بلاشير في عصور العربي، وختمه بعلاقة العصور بالمقارنات.
ونظرية الأنواع الأدبية فصلها د. الطاهر من حيث فكرتها والصراع حولها بين المؤيدين والمعارضين. وبين الأنواع الشعرية، والأنواع النثرية. أما الأنواع الشعرية فهي : الشعر القصصي والشعر الملحمي والشعر الغنائي والشعر التعليمي والشعر المسرحي. ولم يكن عند العرب مسرح حتى العصر الحديث، فولد المسرح في عهد الخديوي إسماعيل في مصر، ونظم شوقي المسرحيات الشعرية، وعزيز أباظة وغيرهما، وكتب توفيق الحكيم وآخرون المسرحيات النثرية.
وأما الأنواع النثرية فهي : التاريخ والسيرة والسيرة الذاتية والمذكرات واليوميات والرسائل والمناظرات والحوار، والرواية والقصة القصيرة والمقامات. وكان للأدب العربي أثر واضح على الآداب الأوربية، لاسيما الأدب الإسباني، فسيرة عنترة أثرت في نشأة قصص الفروسية عند الغرب، والمقامة أثرت على رواية الصعلكة. وقد حي بن يقظان أثرت على القصص الفلسفي في الآداب الأوربية، مثل قصة روبنسون كروزو.
ومن الأنواع النثرية الفلسفة والمنطق وعلم النفس والنقد بأنواعه : التحليلي والتركيبي والتكاملي والفلسفي عند الأوربيين وعند العرب.
وللمقالة مكانتها السامية بين الأنواع النثرية، خاصة مع شيوع الصحف وانتشار المجلات. وكذلك للخطابة ميزتها، وأهميتها في نشر الأفكار والمعتقدات، شفويا وتحريريا.
وللتأثيرات المتبادلة بين الفنون مكانها في كتاب "الأدب المقارن"، فتحدث المؤلف عن العناية بها في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي فرنسا، وهي أول من فكر في الموضوع. وكذلك التفكير فيها لدى الهولنديين والألمان.
ولم يقف د. الطاهر عند الأدب المقارن، وإنما كتب عن الأدب العام، وتتبع نشأة المصطلح وتطوره ومجالاته، ومناهجه، وذكر أسماء الداعين إليه مثل جوته وغيره.
هذا هو كتاب الأدب المقارن، وهو كما قلت سابقا موسوعة قيمة، تفتح مجالات واسعة للباحثين في الأدب المقارن، وفي غيره، حتى في النقد الأدبي ومناهجه ونقاده، وهو مفيد للقراء عامة.
بارك الله في أستاذنا، وزاده فضلا وعلما..

****




(*) رئيس قسم الدراسات الأدبية - كلية دار العلوم- جامعة القاهرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك