الأربعاء، 5 مارس 2014

العلاّمة الطاهر مكي لـ “رأي اليوم”: خصوم الثورة أقوياء ومتفائل بالربيع العربي ولكن الثمن قد يكون غاليا ..وهذه أسباب قرار إسبانيا بعودة اليهود>


أجرى الحوار في القاهرة – محمود القيعي:
رابط المصدر: http://www.raialyoum.com/?p=59122

                   في زمن الصغار يقف العلاّمة د. الطاهر أحمد مكي شامخا بعلمه وعمله وإنسانيته التي عرفها كل من اقترب منه باحثا أو طالبا أو إعلاميا.
  له  من اسمه أوفى نصيب، فهو طاهر اليد والوجه واللسان.
في السطور التالية حوار معه، وهو – لمن لا يعرف – العالم والمترجم والأستاذ الأكاديمي المرموق  والأديب الذي عاش في إسبانيا سنين عددا، نفيء فيه إلى ركن ركين في العلم والأدب والإنسانية:
عشت في إسبانيا سنين عددا، كيف ترى  القانون الإسباني الأخير الذي يتيح لليهود  العودة إلى إسبانيا بعد قرون من طردهم منها؟
من معجزات فرانكو أنه كان يرى أن سوءات العالم ثلاث: الصهيونية، والشيوعية، والماسونية.
وكان يعتقد أن الصهيونية هي التي صنعت الشيوعية وصنعت الماسونية، لتصل إلى أهدافها، وتحقق مرادها.
 وأضاف د. مكي: برغم كل الهجوم الأوروبي عليه، ورغم حملات حصاره، فإنه لم يسمح لهذه المؤسسات الثلاث أن يكون لها نفوذ في إسبانيا.
لأنه كان يرى أن الصهيونية دعوة مخربة، وهي التي  غذّت العالم بكل الأفكار التخريبية.
 وقال د. مكي إن اليهود لهم طريقتهم في التسرب إلى الشعوب، وعندما علموا  أن الإسبان يهتمون بثقافتهم، ويعتزون بها  إلى أقصى مدى، أرادوا أن يتقربوا من الإسبان، فعيّنوا سفيرهم في البرتغال المشهود له بالثقافة سفيرا لهم في إسبانيا، ودخل قلوب الإسبان ليس بوصفه سفيرا، ولكن بوصفه مثقفا، فاستطاع أن يجمع الإسبان حوله.
وتابع: استطاع السفير الاسرائيلي أن يحصل على موافقة رئيس الأكاديمية الإسبانية بزيارة  الأسر اليهودية في إسرائيل  التي كانت تتكلم الإسبانية القديمة وطردت.
وأضاف العلاّمة مكي:
بعد أن عاد رئيس الأكاديمية الإسبانية إلى وطنه إسبانيا كانت أول كلمة يقولها “إن من الغباء ألاّ تعترف إسبانيا بإسرائيل  وهي مركز من مراكز نشر الثقافة الإسبانية في الشرق الأوسط”.
 وأردف:
هذه هي طريقة الصهيونية أنهم لا يقنعون بالعلاقات الجامدة، بل يريدون أن يقوّا علاقاتهم، ويقوّا مراكزهم.
خصوصا أن الذي أزعجهم أن إسبانيا شهدت في الفترة الأخيرة حركة تعاطف مع الثقافة الإسلامية والعربية.
وأشار د. مكي إلى أن  من الأسباب التي أثارت حفيظة اليهود ظهور حركة في إسبانيا تدعو للاهتمام  بالتراث الإسلامي، بدأت في  أوائل القرن الماضي، وبدأت بشكل سهل، واستطاعت الحركة أن تنصف قليلا الحضارة العربية.
وعلى إثرها صار الإسبان يدرسون الفترة العربية على أنها  ليست استعمارا، و بدأوا يدرسون “الحكم الثاني” كرجل عظيم، و”عبد الرحمن الناصر” كأعظم خليفة، ومسجد قرطبة كأعظم مساجد العالم.
وبدأت هذه الحركة تنتشر وتتأصل، وظهرت جمعيات إسلامية في غرناطة، وبدأت مؤلفات سيد قطب تترجم إلى الإسبانية.
وتابع العلاّمة د. مكي :
كل هذا أزعج اليهود وهم لا ينتظرون حتى تفاجئهم الأحداث، فبدأوا  من خلال الكنيسة  لتحقيق ما يريدون، مستغلين  أن إسبانيا توجد بها حرية للدخول والخروج في ظل القانون الإسباني.
اليهود يتحركون والعرب نائمون
وانتقد أستاذ الأدب الأندلسي الشهير ركون العرب وكسلهم تجاه ما يحاك ضدهم من اليهود الذي لا يكادون يهمدون في سبيل توطيد مصالحهم ونفوذهم في العالم كله، برغم أن النصارى في إسبانيا يكرهون اليهود أكثر مما يكرهون المسلمين.
أين المؤسسات الثقافية العربية؟
وعن  دور المؤسسات العربية في إسبانيا قال د. مكي:
في ذلك الوقت كان لمصر معهد تنفق عليه،كان يرأسه رجل لا يؤمن إلاّ بنفسه،حتى إن إسبانيا شكت من أنه جمّد العلاقات الثقافية بين مصر وإسبانيا، وحال بين التواصل الثقافي بين إسبانيا ومصر .
أين المترجمون؟
ونعى د. الطاهر عدم وجود مترجمين عرب يوثّقون للوجود الإسلامي في الأندلس، منتقدا عدم وجود مؤسسات ثقافية يعوّل عليها للتعريف بالتاريخ الأندلسي، وعدم وجود وثائق، داعيا إلى الاهتمام بالتجمعات التى تعنى بالثقافة العربية. والدفاع عنها.
أزمة مصر في مثقفيها
 وعن أزمة الثقافة في مصر، قال د. الطاهر إن أزمة مصر في مثقفيها، وأزمة مثقفيها أن ثلاثة أرباعهم جاءوا من القري حفاة، وبعد أن فتح الله عليهم وذاقوا طعم الترف، فأمسكوا بالترف، نسوا كل المبادئ التي كانوا يؤمنون بها، ويدعون إليها.
وضرب د. الطاهر مثلا على هؤلاء المثقفين برفعت السعيد، مشيرا إلى أن يوسف والي وزير الزراعة الأشهر أعطى للسعيد  “اليساري” 20 فدانا وزرعها له بالفاكهة، ثم بعد ذلك باعها بنصف مليون جنيه.
 وتابع:
ما زلت مؤمنا أن من يتولون مسؤولية الثقافة هم كارثة هذا الوطن، مشيرا إلى ظاهرة عبده مشتاق انتشرت انتشارا كبيرا في أوساط المثقفين، لذلك فهو يحس بشيء من الأمل  عندما أقرأ أن فلانا اعتذر عن عدم قبول أحد المناصب.
 وانتقد الدكتور مكي أن غالبية  المثقفين جاهزون ومستعدون في سبيل الوصول لغايتهم أن يرضوا بكل شيء، ويوافقواعلى كل شيء، ويدوسوا على كل شيء.
 وعن تقييمه لحركة نشر الثقافة في مصر
 قال د. الطاهر :المسؤول عن هذا التراجع الذي تشهده حركة النشر  الهيئات المدنية التي أهملتها الدولة فتلاشت، وضرب مثلا بدار المعارف التي  تركها سيد أبو النجا في السنة التي أنشئت فيها مجلة أكتوبر، وتركها وكان بها نحو 7 ملايين جنيه استرليني كأرصدة.
وجاء السادات لينشئ مجلة “أكتوبر” بناء على اقتراح اللبناني سليم اللوزي، فقال له سيد أبو النجا هذه دار لنشر الثقافة المربحة.
وتابع د. مكي:
لم يجد أبو النجا  إلاّ الاستقالة، وجاءوا بأنيس منصور الذي  قال للسادات لا يصح أن يرأس مجلة مصرية شخص لبناني، فعيّن السادات أنيس منصور رئيسا لأكتوبر.
مجلة أكتوبر تنشر أخبار إسرائيل
وقال د. الطاهر: مجلة أكتوبر جعلها أنيس منصور مجلة إسرائيلية تنشر أخبار إسرائيل،فتراجعت  دار المعارف وانهارت، وتوقفت كل السلاسل الناجحة:
تراث الاسلام، ذخائر العرب، المكتبة الأدبية وغيرها.
فساد منظومة النشر
 وهاجم العلاّمة مكي المؤسسات الثقافية الأخرى التابعة لوزارة الثقافة، التي لا تنشر إلا للصحافيين رهبة منهم، وسعيا لكسب رضاهم.
فكانت النتيجة أن  انهارت الهيئات  الثقافية الحكومية، وبدا أنها غير جادة في نشر الثقافة.
 وأصبحت تطبع الأعمال الكاملة لمؤلفين لا تقرأ كتبهم.
 وتابع:
توجد عندي وثائق بين مقاطعة كاتالونيا  الاسبانية والدول العربية والاسلامية في القرن الرابع عشر، ولا أجد من ينشرها.
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟
وردا على سؤال عما خسره العالم من انحطاط المسلمين؟
أجاب د. مكي أن العالم خسر التعادل بين الخير والشر.
مشيرا إلى الحضارة الاسلامية تحقق توازن الإنسان الروحي والمادي.
أما الحضارة الغربية الآن  فبرغم أنها تشهد تقدما علميا مذهلا، فإنها تنحدر انحدارا خلقيا لا حد له، حتى إنهم باتوا يعتبرون المثلية شيئا عاديا وحقا من حقوق الإنسان
شذوذ الحضارة الغربية
وانتقد د. الطاهر الحضارة الغربية التي تشهد شذوذا غير مألوف الآن ويتمثل في  الاعتداء على الأطفال جنسيا.
 مضيفا أن غياب الحضارة الاسلامية جعل هذا التناقض يحدث، وهذا التناقض سيؤدي لانهزام الخير، وانهزام الاستقامة، وانتصار الشر في أوروبا.
 وأكد د. مكي أن العلم لا يكفي وحده لبناء الحضارة، ولابد أن يستند إلى أساس روحي يعصم الإنسان من  الوقوع في الشر.
تسامح الإسلام
وأشاد الدكتور الطاهر بالحضارة الاسلامية التي أعطت التسامح للبشرية، مشيرا إلى أن أحد الخلفاء في الأندلس “عبد الرحمن الثاني أو الحكم الأول” كان يعطي الموظفين في الدولة إجازة يوم الجمعة،  فشكا إليه الموظفون في القصر أنهم يحرمون من الذهاب للقداس يوم الأحد، ويريدون أن تكون الإجازة يوم الأحد، فأصدر قرار باعتبار إجازتهم يوم الأحد، وظلت إجازتهم يوم الأحد في الأندلس 200 سنة.
وردا على سؤال: كيف ترى تعثر ثورات الربيع العربي؟ أجاب د. الطاهر:
برغم أن  خصوم الثورات العربية كثر وأقوياء، وعندهم خبرة في إفساد الثورات الطيبة،وبرغم كل المتاعب والبلاء، فإنني متفائل، ولكن الثمن قد يكون غاليا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك