د. الطاهر مكى يكتب.. لم يكن متطرفاً ولا رجعياً ولا متخلفاً ولا جامداً وكان صادقاً مع نفسه ومع ما يؤمن به (المصدر: اليوم السابع)
تمنيت
أن أكون تلميذه وحينما طلبت مقابلته قال: هذا ليس فى صالحك.. وافترقنا على أمل
لقاء لم تأت به الأيام
كان الوحيد الذى تجرأ على نقد كتاب طه حسين «مستقبل الثقافة» وأثبتت الأيام صدق آرائه.. وحينما احتفل المجلس الأعلى للثقافة والجامعة الأمريكية بحسين تجاهلا دراسته
قابلت سيد قطب مرتين فى حياتى: الأول فى أواخر العقد الخامس من القرن الماضى، وكنت طالباً فى دار العلوم، بدأنا إضراباً طلابياً لكى يستمر تعيين المدرسين فى وزارة المعارف وقفاً على خريجى دار العلوم، وكان طلاب كلية اللغة العربية بخاصة، وبقية كليات الأزهر بعامة، قد تظاهروا فى شوارع القاهرة محتجين يهتفون ضد وزير المعارف يومئذ د. محمد حسين هيكل، وضد وزارة المعارف نفسها: «الأزهر ديست حرمته.. الأزهر يشكو من هيكل»، ويطالبون بفتح باب العمل فى الوزارة أمامهم، يومها ذهب وفد منا - كنت أحدهم - إلى سيد قطب، وكان يعمل عضواً فنياً فى مكتب الوزير، نطلب منه، بوصفه درعمياً، أن يدعم قضيتنا، وسمعته ناقداً أديباً وكاتباً مرموقاً، موضع الإجلال والتقدير، وتصورنا أنه سوف يرحب بهذا، تعصبا للمعهد الذى تخرج فيه، ولكنه استمع الينا فى هدوء تام، وناقشنا فى حياد وموضوعية، ثم أنهى كلامه: هذا أمر يتصل بالصراع حول لقمة العيش، وهى حق لكل مواطن يجب على الدولة أن تكفله، من حقهم، كما هو من حقكم، أن تتظاهروا من أجله، وأن تطالبوا به.
كان زملائى يناقشونه فى هذه القضية، وكنت أتأمل شيئاً آخر: أحاول أن أغوص فى أعماق هذا الأديب الذى نحاوره، والذى أقرأ له وأعجب بفكره، وأتمنى أن أكون له تلميذاً.
كان يتقاسم الساحة الفكرية يومها اتجاهات ثلاثة واضحة: اتجاه ليبرالى يفضل النهج الأنجلوساكسونى فى النقد والأدب والحياة، يمثله هؤلاء الذين تعمقوا فى دراسة اللغة الانجليزية، وعلى رأسهم العقاد والمازنى وشكرى وآخرون، واتجاه آخر يميل إلى الثقافة الفرنسية يمثله أولئك الذين درسوا فى فرنسا، وعلى رأسهم د. محمد حسين هيكل وطه حسين، واتجاه إسلامى يجىء على رأسه مصطفى صادق الرافعى، وأحمد حسن الزيات، وأحمد أمين، مع تفاوت بينهم، ويدعمه الأزهريون وكان الدرعميون اتجاها قائما بذاته، يؤمن بالتراث، ولكنه منفتح على الثقافات الأجنبية، إسلامى الاتجاه، ولكنه يأخذ من الاتجاهات الأخرى خير ما عندها، ومن ثم تفرقوا فى اختيار هذا الحسن، فكان سيد قطب يؤثر خط العقاد الفكرى، يتبناه ويدافع عنه، وسعيد العريان يدعم اتجاه مصطفى صادق الرافعى، وتتلمذ عليه، وأرخ حياته فى دراسة ممتعة.
حتى هذه اللحظة، العقد الخامس من القرن الماضى، كان فكر سيد قطب أدبياً نقدياً خالصاً، وكان أول من التفت من النقاد إلى إبداع نجيب محفوظ روائياً، وقدمه إلى القراء مبشرا به كاتباً واعداً فى مجال الرواية الحديثة، والوحيد الذى تجرأ، وهو مدرس ابتدائى، على نقد كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» الذى صدر عام 1938، نقداً علمياً مستفيضاً، وهى دراسة دفعت به إلى الصفوف الأولى بين النقاد الجادين، ويصدر فى أفكاره وآرائه عن عقلية علمية، وفكر تربوى عميق مرتب، وتمثل موقفاً وطنياً يهم صاحبها أمر مصر ومستقبلها أولاً.
وإذا كان «مستقبل الثقافة فى مصر» قد فقد الكثير من بريقه بفعل الزمن، وتجاوز التطور أفكاره، فإن دراسة سيد قطب النقدية لاتزال تحمل الكثير من الجدة، وأثبتت الأيام صدق كثير مما تنبأ به، ولاتزال روعتها تثير حفيظة جماعة «المنتفعون بطه حسين»، وحين احتفل المجلس الأعلى للثقافة بمرور سبعين عاماً على تأليف كتاب طه حسين تناول البحث كل من عرض لهذا الكتاب ماعدا دراسة سيد قطب، وحين أصدرت الجامعة الأمريكية «بيبلوجرافيا» عن طه حسين فى مجلدين، تضم تعرفياً بكل كتبه وأبحاثه، وما كتب عنه، لم تشر من قريب أو بعيد إلى دراسة فى أواخر العقد الخامس من القرن الماضى اكتشف شفيق غربال، وكان وكيلاً لوزارة المعارف شخصية سيد قطب وإمكاناته فيسر له بعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفيها أمضى عدة أعوام، ومن هناك كان يراسل بعض أصدقائه من زملائه فى القاهرة، وقد حصلت على بعض الرسائل، ونشرت اثنتين منها فى مجلة الهلال، تبينت منهما أنه اكتشف هناك قوة الإخوان المسلمين ودقة تنظيمهم، ومنهجهم لتحرير مصر من نير الاستعمار الغربى، وكان هذا ما يعنى سيد قطب ويعمل له أدبياً، وعرف ما يتمتع به الإخوان المسلمون فى الأوساط الأمريكية، وما يثيرونه من خوف بين الجامعيين بوصفهم حركة تحريرية، وكان هذا بداية التفاته إلى دورها العظيم، وإسراعه بالانضمام إليها حين عاد.
لم يكن سيد قطب فيما أرى، متطرفاً ولا رجعياً ولا متخلفاً ولا جامداً فى أفكاره، وينبغى النظر إلى فكره، كلا، لقد كان صادقاً مع نفسه، ومع ما يؤمن به، وطرييقه إلى هذا الدعوة بالكلمة، ومصارعة الفكرة بالفكرة. ثم وقع الصدام بين الإخوان والثورة، وكان هذا من سوء حظ الجميع: الثورة والإخوان ومصر قبلهما.
ودخل سيد قطب السجن محكوماً عليه بالمؤبد أمام محكمة عسكرية، وفى عام 1964 تقرر افتتاح مشروع السد العالى رسمياً، ودعى إلى هذا الحفل الرسمى نيكيتا خرشو تشوف رئيس الاتحاد السوفيتى الذى اشترط لقبول الدعوة أن يفرج عن كل الشيوعيين المعتقلين فى السجون، وأجيب إلى طلبه، كما دعى إلى الحفل محمد الخامس ملك المغرب، والرئيس العراقى عبدالسلام عارف، وكان هذا قومياً عربياً، ومسلماً طيباً، فتوسط لدى عبدالناصر للإفراج عن سيد قطب أيضاً، وأفرج عنه فعلاً، بعد الإفراج عنه، التقيته صدفة يتجول فى شارع 26 يوليو «فؤاد الأول سابقاً»، رأيته يسير واحداً، شامخ الرأس، مرفوع الهامة، وبدا لى أنه أطول وأقوى مما رأيته قبل عشرين عاماً، فتقدمت منه، وسلمت عليه، وأبديت له رغبتى فى زيارته فرد: هذا ليس فى صالحك وافترقنا، على أمل فى لقاء تأتى به الأيام.
بعد شهرين، ألقى عليه القبض من جديد، بتهمة العمل على قلب نظام الحكم، وقدم سريعاً لمحاكمة عسكرية وحكم عليه بالإعدام، وبعد أيام قليلة لا تتجاوز أصابع اليد، نفذ فيه الحكم، فى لحظة غير متوقعة، من عام 1966. وانقبض صدرى بقوة وأنا أقرأ الخبر فى هذا اليوم، على نحو لا أدرى له سابقة فى حياتى، ولا أعرف له تفسيراً.
وحين ذهبت إلى الكلية، كانت هناك قلة من رجال الأمن العسكرى فى ملابس مدنية، تأخذ طريقها إلى مكتبة الكلية، لمصادرة كل ما تعثر عليه فيها من مؤلفات سيد قطب. وما كان لأحد أن يتكلم أو يرفع صوته، لقد كنا فى أبأس سنوات عرفتها مصر على أيام صلاح نصر، تلك التى مرت بين تمزق الوحدة بين مصر وسوريا وهزيمة 1967، ولكنك تستطيع دائماً، إذا أردت أن تقول شيئاً، عن طريق الرمز والإسقاط، ومن ثم كانت محاضرتى لطلابى فى هذا اليوم فى الأدب الأندلسى: «إحراق الكتب فى الأندلس كان بداية سقوط الدولة وانهيارها».
والحق أننى كنت أشعر فى أعماق نفسى أننا على أبواب كارثة كبرى لا يعلم مداها إلا الله!، وبعد أقل من عام كانت كارثة «هزيمة 1967»!.
وكلنا نعرف ما الذى حدث لمن اعتقلوا سيد قطب وأعدموه!.
أما هو، فقد كان إعدامه، وإحراق كتبه، بداية خلود يزداد كل يوم وهجاً، واستغل الورّاقون فى لبنان إعادة طبع مؤلفاته، على نحو لم يعرفه أى كتاب آخر، إذا استثنينا الكتب المقدسة: القرآن والتوراة والإنجيل!.
كان سيد قطب مفكراً عظيماً، وتطور فكره تبعاً لتطورات عصره، وتبعاً لظروف مصر السياسية والاجتماعية، ومتطلبات تحررها وتقدمها، وأراد لنفسه أن يكون حيث يمكنه أن يسهم فى تحقيق هذه الغايات، حتى وهو جثمان مسجى تحت التراب!.
كان الوحيد الذى تجرأ على نقد كتاب طه حسين «مستقبل الثقافة» وأثبتت الأيام صدق آرائه.. وحينما احتفل المجلس الأعلى للثقافة والجامعة الأمريكية بحسين تجاهلا دراسته
قابلت سيد قطب مرتين فى حياتى: الأول فى أواخر العقد الخامس من القرن الماضى، وكنت طالباً فى دار العلوم، بدأنا إضراباً طلابياً لكى يستمر تعيين المدرسين فى وزارة المعارف وقفاً على خريجى دار العلوم، وكان طلاب كلية اللغة العربية بخاصة، وبقية كليات الأزهر بعامة، قد تظاهروا فى شوارع القاهرة محتجين يهتفون ضد وزير المعارف يومئذ د. محمد حسين هيكل، وضد وزارة المعارف نفسها: «الأزهر ديست حرمته.. الأزهر يشكو من هيكل»، ويطالبون بفتح باب العمل فى الوزارة أمامهم، يومها ذهب وفد منا - كنت أحدهم - إلى سيد قطب، وكان يعمل عضواً فنياً فى مكتب الوزير، نطلب منه، بوصفه درعمياً، أن يدعم قضيتنا، وسمعته ناقداً أديباً وكاتباً مرموقاً، موضع الإجلال والتقدير، وتصورنا أنه سوف يرحب بهذا، تعصبا للمعهد الذى تخرج فيه، ولكنه استمع الينا فى هدوء تام، وناقشنا فى حياد وموضوعية، ثم أنهى كلامه: هذا أمر يتصل بالصراع حول لقمة العيش، وهى حق لكل مواطن يجب على الدولة أن تكفله، من حقهم، كما هو من حقكم، أن تتظاهروا من أجله، وأن تطالبوا به.
كان زملائى يناقشونه فى هذه القضية، وكنت أتأمل شيئاً آخر: أحاول أن أغوص فى أعماق هذا الأديب الذى نحاوره، والذى أقرأ له وأعجب بفكره، وأتمنى أن أكون له تلميذاً.
كان يتقاسم الساحة الفكرية يومها اتجاهات ثلاثة واضحة: اتجاه ليبرالى يفضل النهج الأنجلوساكسونى فى النقد والأدب والحياة، يمثله هؤلاء الذين تعمقوا فى دراسة اللغة الانجليزية، وعلى رأسهم العقاد والمازنى وشكرى وآخرون، واتجاه آخر يميل إلى الثقافة الفرنسية يمثله أولئك الذين درسوا فى فرنسا، وعلى رأسهم د. محمد حسين هيكل وطه حسين، واتجاه إسلامى يجىء على رأسه مصطفى صادق الرافعى، وأحمد حسن الزيات، وأحمد أمين، مع تفاوت بينهم، ويدعمه الأزهريون وكان الدرعميون اتجاها قائما بذاته، يؤمن بالتراث، ولكنه منفتح على الثقافات الأجنبية، إسلامى الاتجاه، ولكنه يأخذ من الاتجاهات الأخرى خير ما عندها، ومن ثم تفرقوا فى اختيار هذا الحسن، فكان سيد قطب يؤثر خط العقاد الفكرى، يتبناه ويدافع عنه، وسعيد العريان يدعم اتجاه مصطفى صادق الرافعى، وتتلمذ عليه، وأرخ حياته فى دراسة ممتعة.
حتى هذه اللحظة، العقد الخامس من القرن الماضى، كان فكر سيد قطب أدبياً نقدياً خالصاً، وكان أول من التفت من النقاد إلى إبداع نجيب محفوظ روائياً، وقدمه إلى القراء مبشرا به كاتباً واعداً فى مجال الرواية الحديثة، والوحيد الذى تجرأ، وهو مدرس ابتدائى، على نقد كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» الذى صدر عام 1938، نقداً علمياً مستفيضاً، وهى دراسة دفعت به إلى الصفوف الأولى بين النقاد الجادين، ويصدر فى أفكاره وآرائه عن عقلية علمية، وفكر تربوى عميق مرتب، وتمثل موقفاً وطنياً يهم صاحبها أمر مصر ومستقبلها أولاً.
وإذا كان «مستقبل الثقافة فى مصر» قد فقد الكثير من بريقه بفعل الزمن، وتجاوز التطور أفكاره، فإن دراسة سيد قطب النقدية لاتزال تحمل الكثير من الجدة، وأثبتت الأيام صدق كثير مما تنبأ به، ولاتزال روعتها تثير حفيظة جماعة «المنتفعون بطه حسين»، وحين احتفل المجلس الأعلى للثقافة بمرور سبعين عاماً على تأليف كتاب طه حسين تناول البحث كل من عرض لهذا الكتاب ماعدا دراسة سيد قطب، وحين أصدرت الجامعة الأمريكية «بيبلوجرافيا» عن طه حسين فى مجلدين، تضم تعرفياً بكل كتبه وأبحاثه، وما كتب عنه، لم تشر من قريب أو بعيد إلى دراسة فى أواخر العقد الخامس من القرن الماضى اكتشف شفيق غربال، وكان وكيلاً لوزارة المعارف شخصية سيد قطب وإمكاناته فيسر له بعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفيها أمضى عدة أعوام، ومن هناك كان يراسل بعض أصدقائه من زملائه فى القاهرة، وقد حصلت على بعض الرسائل، ونشرت اثنتين منها فى مجلة الهلال، تبينت منهما أنه اكتشف هناك قوة الإخوان المسلمين ودقة تنظيمهم، ومنهجهم لتحرير مصر من نير الاستعمار الغربى، وكان هذا ما يعنى سيد قطب ويعمل له أدبياً، وعرف ما يتمتع به الإخوان المسلمون فى الأوساط الأمريكية، وما يثيرونه من خوف بين الجامعيين بوصفهم حركة تحريرية، وكان هذا بداية التفاته إلى دورها العظيم، وإسراعه بالانضمام إليها حين عاد.
لم يكن سيد قطب فيما أرى، متطرفاً ولا رجعياً ولا متخلفاً ولا جامداً فى أفكاره، وينبغى النظر إلى فكره، كلا، لقد كان صادقاً مع نفسه، ومع ما يؤمن به، وطرييقه إلى هذا الدعوة بالكلمة، ومصارعة الفكرة بالفكرة. ثم وقع الصدام بين الإخوان والثورة، وكان هذا من سوء حظ الجميع: الثورة والإخوان ومصر قبلهما.
ودخل سيد قطب السجن محكوماً عليه بالمؤبد أمام محكمة عسكرية، وفى عام 1964 تقرر افتتاح مشروع السد العالى رسمياً، ودعى إلى هذا الحفل الرسمى نيكيتا خرشو تشوف رئيس الاتحاد السوفيتى الذى اشترط لقبول الدعوة أن يفرج عن كل الشيوعيين المعتقلين فى السجون، وأجيب إلى طلبه، كما دعى إلى الحفل محمد الخامس ملك المغرب، والرئيس العراقى عبدالسلام عارف، وكان هذا قومياً عربياً، ومسلماً طيباً، فتوسط لدى عبدالناصر للإفراج عن سيد قطب أيضاً، وأفرج عنه فعلاً، بعد الإفراج عنه، التقيته صدفة يتجول فى شارع 26 يوليو «فؤاد الأول سابقاً»، رأيته يسير واحداً، شامخ الرأس، مرفوع الهامة، وبدا لى أنه أطول وأقوى مما رأيته قبل عشرين عاماً، فتقدمت منه، وسلمت عليه، وأبديت له رغبتى فى زيارته فرد: هذا ليس فى صالحك وافترقنا، على أمل فى لقاء تأتى به الأيام.
بعد شهرين، ألقى عليه القبض من جديد، بتهمة العمل على قلب نظام الحكم، وقدم سريعاً لمحاكمة عسكرية وحكم عليه بالإعدام، وبعد أيام قليلة لا تتجاوز أصابع اليد، نفذ فيه الحكم، فى لحظة غير متوقعة، من عام 1966. وانقبض صدرى بقوة وأنا أقرأ الخبر فى هذا اليوم، على نحو لا أدرى له سابقة فى حياتى، ولا أعرف له تفسيراً.
وحين ذهبت إلى الكلية، كانت هناك قلة من رجال الأمن العسكرى فى ملابس مدنية، تأخذ طريقها إلى مكتبة الكلية، لمصادرة كل ما تعثر عليه فيها من مؤلفات سيد قطب. وما كان لأحد أن يتكلم أو يرفع صوته، لقد كنا فى أبأس سنوات عرفتها مصر على أيام صلاح نصر، تلك التى مرت بين تمزق الوحدة بين مصر وسوريا وهزيمة 1967، ولكنك تستطيع دائماً، إذا أردت أن تقول شيئاً، عن طريق الرمز والإسقاط، ومن ثم كانت محاضرتى لطلابى فى هذا اليوم فى الأدب الأندلسى: «إحراق الكتب فى الأندلس كان بداية سقوط الدولة وانهيارها».
والحق أننى كنت أشعر فى أعماق نفسى أننا على أبواب كارثة كبرى لا يعلم مداها إلا الله!، وبعد أقل من عام كانت كارثة «هزيمة 1967»!.
وكلنا نعرف ما الذى حدث لمن اعتقلوا سيد قطب وأعدموه!.
أما هو، فقد كان إعدامه، وإحراق كتبه، بداية خلود يزداد كل يوم وهجاً، واستغل الورّاقون فى لبنان إعادة طبع مؤلفاته، على نحو لم يعرفه أى كتاب آخر، إذا استثنينا الكتب المقدسة: القرآن والتوراة والإنجيل!.
كان سيد قطب مفكراً عظيماً، وتطور فكره تبعاً لتطورات عصره، وتبعاً لظروف مصر السياسية والاجتماعية، ومتطلبات تحررها وتقدمها، وأراد لنفسه أن يكون حيث يمكنه أن يسهم فى تحقيق هذه الغايات، حتى وهو جثمان مسجى تحت التراب!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك